أيمن فايز

اعتراضٌ على تصميمِ غِلافِ كِتابِ احتفالِ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ القبطيّةِ بِيُوبِيلِ الرَّجَاءِ، وبعضِ مظاهرِ التهاونِ الطَّقْسِيِّ والبَصَرِيِّ
غبطةُ أبينا البطريركِ الأنبا إبراهيم إسحق،
 
أصحابُ السيادةِ آباءَ السينودسِ الكاثوليكيّ القبطيّ،
 
الموقّرينَ في الربِّ،
 
بكلّ محبّةٍ بنويّة، وغيرةٍ إيمانيّة، ومسؤوليّةٍ فنّيّةٍ ومعرفيّة، أرفعُ إلى مقامِكم الكريم هذا البيانَ المتواضع، معبّرًا عمّا في نفسي من أَلَمٍ صادق، واعتراضٍ صريح، بشأن تصميمِ غلافِ كتابِ احتفالِ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ القبطيّةِ بيوبيلِ الرَّجاء، الّذي صدرَ باسمِ كنيستِنا في لحظةٍ كنسيّةٍ مفصليّة، تُعبّرُ عن انخراطِنا في مسيرةِ السينودسِ والكنيسةِ الجامعة.
 
لقد جاء هذا التصميمُ، مع الأسف، خاليًا من أيِّ تعبيرٍ عن الهُويّةِ الكاثوليكيّةِ القبطيّة. بل إنّه نَسْخٌ شبهُ حرفيٍّ لبعضِ الأنماطِ المعاصرةِ المُستقاة من الكنيسةِ القبطيّةِ الأرثوذكسيّة. ونحنُ، إذ نُجِلُّ تراثَ إخوتِنا الأرثوذكس ونَحْترمه، لا يُمكن أن نُغْضِيَ الطرفَ عن خصوصيّةِ هويّتِنا الكاثوليكيّة، وعن فرادتِنا في التعبيرِ الإيمانيِّ، والفنّيِّ، والليتورجيّ. 
 
لقد أُهْمِلَ هذا الغلافُ تمامًا رموزَ الفنِّ الكاثوليكيّ، من الشّرقِ ومن الغرب، من الإِيقونةِ المشرقيّةِ الكاثوليكيّة، إلى تراثِ دُوتْشُو، وجِيُوتُّو، والبِيْزَنْطِيّينَ الكاثوليك، وصولًا إلى الفنِّ الإيطاليّ الكنسيّ العريق، الذي وُلِدَتْ فيه أبهى مظاهرِ الجمالِ الإيمانيّ.
 
ولا يتوقّفُ الأمرُ عند التصميم، بل نَلحَظُ – وبكلِّ أَسًى – مظاهرَ متكرّرةً للتشوّشِ الطقسيّ، حتّى في أعلى المستوياتِ الكهنوتيّة. إذ لاحظنا أنّ بعضَ آباءِ السينودس يرتدونَ حولَ أعناقِهم "سلسلةً" يتدلّى منها صليب، بينما يضع آخرونَ إِيقونة، وهذا يُظهِرُ جهلًا صريحًا، أو تجاهلًا غيرَ مقبولٍ للفارقِ الرمزيّ والطقسيّ بين زيِّ الأسقفِ والمطرانِ والبطريرك. فرمزُ الصليبِ البطريركيّ له مكانتُهُ وتقليدُهُ، ولا يُخلَطُ بعشوائيّةٍ بين أشكالٍ متنوّعةٍ دون مرجعيّة.
 
كذلك، في أثناءِ القداساتِ الاحتفاليّة، أصبحنا نرى انتشارَ ارتداءِ الطِّيلَسانَةِ البيضاء على الرأس بدلَ التاجِ البطريركيّ، بل صارت كما لو كانت "موضة". وهذه ظاهرةٌ دخيلة، مستوردةٌ بصيغتِها الحديثة من الكنيسةِ الروسيّة، ولا علاقة لها لا بالتراثِ القبطيّ، ولا بالهُويّةِ الكاثوليكيّةِ القبطيّة. إنّنا لا نُعارضُ التجديد، لكنّنا نرفضُ التبعيّةَ البصريّةَ، والفوضى الرمزيّةَ، التي تُفرّغُ الطقسَ من معناه، وتُشوّهُ صورتَه أمامَ المؤمنين.
 
وما يزيدُ الطِّينَ بلّةً، أنّ غبطةَ أبينا البطريرك إبراهيم إسحق قدّم إِيقونةً كهديةٍ تذكاريّةٍ في سياقِ الاحتفال، وهي من كتابةِ الأخِ العزيز الأستاذ مينا ملاك، وقد كُتِبَت على نمطٍ أرثوذكسيٍّ حديث. إلا أنّ هذه الإِيقونة، مع بالغِ التقديرِ لجهدِ كاتبِها، تتضمّن خطأً لاهوتيًّا صارخًا بحسبِ تعليمِ الإِيقونةِ في الكنيسةِ الجامعة.
فالمشهدُ يُصوّر "مجيءَ العائلةِ المقدّسةِ إلى أرضِ مصر"، وتظهر فيه الأهرامات في الخلفيّة، وهذا يُخالفُ جوهرَ الإِيقونةِ التي، بطبيعتِها، لا تخضعُ للزمنِ أو الجغرافيا، بل تسكنُ في الزمنِ الإلهيّ، في الأبد. إنّ تصويرَ مَعلَمٍ مكانيٍّ وزمنيٍّ محدّد – كالأهرامات – يُسقِطُ الحدثَ الإلهيَّ في إطارٍ تاريخيٍّ محدود، ويُلغي البُعدَ الإيستيطيقيَّ واللاهوتيَّ، الذي يجعلُ من الإِيقونةِ نافذةً إلى الملكوت، لا وثيقةً إثنوغرافيّةً أو مشهديّة. وهذا الانزلاقُ، ولو حَسُنَت النيّةُ فيه، لا يجوزُ قبوله لا شكلًا ولا مضمونًا، خاصّةً في لحظةٍ احتفاليّةٍ رسميّة، تُعبّر عن وجهِ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ القبطيّة، أمام الداخلِ والخارجِ على حدٍّ سواء.
 
وإذ أُقدّرُ اجتهادَ المصمّمِ الصديقِ الأستاذ جورج أنور، أرى أنّه قد جانَبَهُ الصوابُ هذه المرّة، وكان من الأجدرِ أن يُعرَضَ العملُ على لجنةٍ فنّيّةٍ متخصّصة، تأخذُ بعينِ الاعتبارِ الأبعادَ اللاهوتيّةَ والبصريّةَ للهويّةِ الكاثوليكيّة، خاصّةً في لحظةٍ تُعبّرُ عن وجودِنا داخلَ الكنيسةِ الجامعةِ بروما، لا في تماهٍ بلا وعيٍ مع نماذجَ أخرى تُقدَّسُ عند سواها لأسبابها.
 
فأينَ نحنُ من الجمالِ الإيمانيِّ؟ من الخصوصيّةِ الكاثوليكيّةِ؟ من المهابةِ الطقسيّةِ؟
 
ألا يجدرُ بنا – في لحظةِ يُوبِيلٍ كنسيٍّ – أن نعودَ إلى ينابيعِنا، لا أن نُذابَ في قوالبَ غيرِنا؟
 
إنّ فقدانَ الغلافِ لهُويَّته، هو علامةٌ على أزمةٍ أعمقَ بكثير...
 
إنّني أضعُ هذا الكلامَ بين أيديكم، لا بروحِ التحدّي، بل بروحِ البنويّةِ المُحبّة، راجيًا أن يكونَ منطلقًا لتأمّلٍ جماعيٍّ أعمق، في معنى الجمالِ الإيمانيّ، وفي مسؤوليّةِ الملبسِ الكهنوتيّ، وفي ضرورةِ العودةِ إلى ينابيعِنا الخاصّة، التي لا تقلُّ بهاءً ولا عمقًا عن أيّ تقليدٍ آخر.
 
#هوية_مهددة
#كنيسة_كاثوليكية_قبطية
#الطقس_مسؤولية
#الفن_الإيماني
#الاحتفال_ليس_زينة
مع خالصِ المحبّةِ والاحترام،