أيمن فايز

 فنان وكاتب إيقونة، وباحث في لاهوت الفن المقدس

 تَنْوِيهٌ

 بعد أن تواصل معي بعض الأعزاء، ووصلتني رسائل تستفسر عن معنى الإيقونة، وتساوي – بحسن نية – بينها وبين اللوحة الدينية، ويسأل أصحابها عن جواز التطوير والابتكار في هذا المضمار، وعن مكان العاطفة في فن القدس، رأيت أن أكتب هذه الرسالة المفتوحة، ليس للرد، ولا للتعليق، بل للتذكير بقداسة ما نخوض فيه، وبفرق الجوهر بين ما يصنع للتزيين وما يكتب للتجلي.
 
رسالة مفتوحة إلى جميع الكنائس وكتاب الإيقونة
أخاطبكم اليوم، لا بصفتي فنانًا، ولا بلسان النقد، بل كمُتأمل في سر الإيقونة، وكخادم لهذا الفن المقدس، الذي لا يعتبر مجرد ممارسة تشكيلية، ولا تجربة جمالية، بل رسالة نورانية تتجلى فيها الحقيقة وينكب فيها المجد الإلهي على المادة، ليصير اللون صلاة، والخط سجودًا، والوجه كتابًا لما لا يُنطق به.
فالإيقونة، أيها الأعزاء، ليست رسمًا، ولا انفعالًا، ولا انفجارًا فنيًا. الإيقونة تكتب، لا ترسم. تتلقى، لا تُخترع. تُصلى، لا تُتخيل. وفي كل خط منها، ترتعش يد الفنان المتخلي، الذي يفسح المجال للروح أن يكتب ما أراد، لا لذاته أن تصرخ بما شعرت.
 
لذلك، وفي زمن يشتبه فيه الفن الديني بالفن المقدس، ويتقارب فيه "اللوح الديني" مع "الإيقونة"، نحتاج إلى تفريق جذري، وإعلان يكون بصيرة وبصيرة:
اللوحة الدينية هي ابتكار فنان، يستلهمه الخيال وتحرّكه العاطفة. تُحدث أثرًا، ولكنه أثر إنساني مشروط بالذوق والثقافة.
 
أما الإيقونة، فهي نص إلهي يُكتب في بيت الطاعة، ويُصلّى قبل أن يُرسم، ويُستلهم من التراث الليتورجي واللاهوت الأبائي، ليكون لها ذات النفس الذي للكتاب المقدس: لا تفسير شخصي، بل تقليد لروح الكنيسة.
 
فكتابة الإيقونة هي فعل خضوع، لا تمرد جمالي. هي تلقٍ لوحي الحدث، لا إسقاط لعاطفة الفنان عليه. هي سكون القلب في محضر النور، لا انفعال الروح أمام الألوان.
 
ومن هنا، يجب عدم الخلط بين الأسلوب والعقيدة. فالإيقونة ليست مسألة تقنية، ولا مجالًا للتجريب، بل هي طريقة تجل للمجد الإلهي، وسبيلا إلى إعلان الحقيقة.
 
وإني أناشد كل كنيسة، وكل فنان يقبل على الإيقونة، أن يفهم أنه لا يتعامل مع مجرى تشكيلي، ولا يستعير لغة الفن للتزيين، بل هو يخوض في حقل السر، ويقف على عتبة النور، ويصير شاهدًا وكاتبًا لحضور لا يوصف.
 
من كتب الإيقونة، عليه أن يمارس الصوم قبل التلوين، والصلاة قبل الترسيم، والخشوع قبل الابتكار.
 
وإن نسينا هذا، فقد نكتب صورًا جميلة، ولكننا نفقد الإيقونة.
 
الرب ينير قلوبكم، ويجعل من أيديكم ألسنة نورانية تكتب الحق بألوان النعمة.
بكل المحبة والإجلال،