الأب جون جبرائيل
نهض الأسقف قبل الفجر. لا ليتلو صلاته، بل ليتسلّل في الظلام نحو كاتدرائيته. لم يشأ أن يراه أحد. كان المطر يهمس فوق الرخام القديم، نادرًا ما تمطر السماء على إيبارشيته، والريح تلوّح له بالتحيّة مثل راهبة مبتدئة هجرت تعليمها مبكرًا، وظنّت أن كلّ نسمة صلاة.

في النهار، يبدو كلّ شيء طبيعيًا: الأبرشيّة هادئة، مجلس الكهنة غارق في ترتيب قداسات الآحاد المقبلة مع ألحانهاو كل لحن له "هزّاته" المحسوبة. لكن في الليل، تتقدّم الأرض من تحت قدميه. الكنائس تتقارب، الوثائق تُوقّع، النساء يُرسلن لدراسة اللاهوت في أكسفورد، وكامبريدج، وهارفارد، وروما، ولوفان، وفيينا. وبابا آخر يتحدّث عن العبقريّة النسائيّة! وهو بالكاد يسمح لزوجة شمّاس أن تجلس في الصفّ الأول، من دون أن يسمح لها بقراءة الرسالة في القدّاس.
أي عبقريّة تلك التي تراها كنائس العالم؟ ألا يكفي أنهنّ يعرفن القراءة وحسب؟

منذ أيام فقط، كان سائقه لا يجيد سوى فتح الباب له والانحناء بصمت وانبهار وانبطاح. والبارحة... باركه ورفعه إلى رتبة الأسقفيّة. لم يعد الزمن يحتمل الانتظار.

لكن ماذا عن شعبه؟
شعبه الأمين، الذي لم يزل يخلط بين الصوم وعقيدة التجسّد، ويرى في اللاهوت المعاصر هرطقة، وفي النساء غواية، وفي كلّ تغيير مؤامرة من الغرب.
لا بدّ من الاعتماد على قوّة تصلح مع هذا الشعب.

ولكن... أيّ قوّة؟
هل يبدأ بهرطقة علمائه؟
هؤلاء الذين يحلمون بقراءة القديس أثناسيوس، وجيروم، وأوريجانُس، تحت تمثال مار مرقس؟
أم يبدأ بالمسرح؟ بتدريب الشمامسة على تمثيل المعجزات؟
أم ربما عليه أن يؤسّس رهبنة الدهشة والطاعة، رهبنة لا تعرف قوانين، بل فقط تصغي، وتُصفّق، وتبكي في الوقت المناسب... لعلّهم يومًا يندهشون من عظاته الملتهبة، بدلًا من التبرّك بالإنجيل.

وقف أمام المذبح، رفع عينيه نحو القنديل، ثم همس:
"يا رب، هبني كاريزما تصلح لهذا الزمان. كاريزما تجعل من الأميّ لاهوتيًا وأسقفًا، ومن المرأة موضوعًا للسخرية وخفة الدم، ومن الإنجيل سرًا لا يفسّره سواي.

أمّا الأرثوذكسية (استقامة الإيمان)... فدعها لمن يجيد الحفظ والتكرار."
في الصباح، لم يجده أحد.

قيل إنّ أحدهم رآه يعبر بوّابة الكاتدرائية الخلفية، حاملاً كتابًا عنوانه:
"سبحاني".
الأب جون جبرائيل