(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
في الـ19 من شهر يونيو/حزيران لعام 1899، أعلن البابا لاوُن الثّالث عشر الأنبا كيرلس مقار بطريركًا على الكرسي الإسكندريّ، وكان عمره يناهز 32 عامًا؛ وتَمَّ تجليسه بالإسكندرية في الكاتدرائية الجديدة في الـ31 من شهر يوليو/تموز لعام 1899. وإزاء حُزْمة من الإشاعات والادعاءت الكاذبة والمغرضة، وتجنّبًا للفوضى، استدعى الكرسي الرّسوليّ الأنبا كيرلس مقار إلى روما، في عام 1908؛ وهنالك قدّم استقالته كبطريرك للأقباط الكاثوليك (30 مايو/أيار 1908) للبابا بيوس العاشر، وقد قُبلت الاستقالة.

لقد كَتَبَ المتنيّحُ الأنبا يوحنّا كابس، أسقف كليوبطريس والمساعد البطريركيّ الأسبق للأقباط الكاثوليك، مُعلِّقًا على عظة الجمعة العظيمة الأخيرة للأنبا كيرلس مقار كبطريرك، قبل تقديم استقالته: «واعتلى البطريرك المنبر يوم الجمعة العظيمة وجعل موضوع عظة الآلام الآية القائلة: "يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل أبكين على أنفسكن وعلى أولادكن". وأخذ يندب حظ الطائفة ويبكي على خرابها».

في الـ18 من شهر مايو/أيَّار لعام 1921، رحل عن عالمنا مثلّث الرّحمات غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثّاني مقار، أوّل بطريرك للكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة في العصر الحديث؛ وقد وُلِد وعاش وخدم في أرضنا الحبيبة مِصْر وكنيستنا القبطيّة العريقة. وفي هذا العام الجاري، نتذكّر معًا مرور 104 عامًا على نياحة هذه القامة والقيمة (1921-2025).

ووفقًا للكلمات البليغة التي نطق بها الأنبا أغناطيوس برزي، في يوم تأبين أبيه الرّوحيّ الأنبا كيرلس الثّاني مقار (الأحد 22 مايو/أيار 1921)، كانت وصيّة غبطة البطريرك الأخيرة لأبناء الطائفة القبطيّة –والتي حال الموت دون نشرها: «أن أذكروا الكنيسة الإسكندرية ولا تنسوا مجدها». فكيف لأبناء الطائفة القبطيّة الكاثوليكيّة –وأبنائه– أن ينسوا هذا البطريرك الرّائد والمجاهد؟

نحن ندعو إلى إحياء ذكرى غبطة البطريرك الأنبا كيرلس الثّاني مقار. فهو رجل كَنسيّ من الطراز الأوّل، وقد تمتّع بكثير من الفضائل والسّمات المسيحيّة والكنسيّة والإنسانيّة (حبّه لكنيسته وغيرته المقدّسة من أجلها، جديّته في العمل والخدمة، وعلمه الغزير الممزوج بالحسّ الرّوحيّ والرّعويّ، وفطنته، وتواضعه، وتقواه، وحسن إدارته). ومن حقّ الأجيال الحاضرة والقادمة التعرُّفُ –بنوع من التّعمُّق– على مَن سعى وراء إعادة مقام البطريركيّة الإسكندريّة الكاثوليكيّة بجميع امتيازاته القديمة، وكان رائدًا في ذلك، وكان أوّل بطريرك قبطيّ كاثوليكيّ في العصر الحديث. ويمكن تحقيق هذا عن طريق إعادة ترجمة –إذا لزم الأمر– وطبع ونشر مؤلَّفاته، والقيام بقراءتها وعمل دراسات وحلقات بحث حول محتواها بين صفوف الشّعب القبطيّ الكاثوليكيّ.

[من مقالتي: «المئويّةُ الأولى لنياحة أوّل بطريرك للكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة: حياته وأعماله ومؤلَّفاته»، التي نُشِرت في مجلة "صديق الكاهن"، في عددها الرّابع (أكتوبر/تشرين الأول) لعام 2021]