ماهر عزيز بدروس
[ زوجها ظل يضربها حتي الموت ]
[ الصورة تكشف عن الرأس وعدة غرز في محاولة لضم الجروح وإيقاف النزيف في المستشفي ، لكنها كانت قد ماتت ]
صدرت اللائحة 38 في شأن الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس عام 1938 تنص علي تطليق الزوجة المسيحية الأرثوذكسية من زوجها في حالات عشر تستوجب الطلاق ، حددها فريق من رجال كبار من أرفع وأكبر أراخنة الكنيسة المثقفين ، العالمين بالكتاب المقدس ، المتبحرين في اللاهوت وفهم كلمات يسوع ، الذين من بينهم رجال أفذاذ كحبيب المصري ، وحبيب جرجس ( الذي رفعته الكنيسة إلي مصاف القديسين ، وأدرجت اسمه في مجمع الشهداء والقديسين في ليتورجيا القداس الإلهي ) .
أسس هؤلاء الرجال الكبار الأفذاذ هذه الحالات العشر للتطليق علي الأصل الكتابي الوارد في آيات الكتاب المقدس ، التي قالها السيد المسيح في الموعظة علي الجبل بشأن الطلاق ، وربط فيها بين الطلاق وعلة الزني ، كما أسسوها علي المعني الكتابي الأصلي لكلمة " زني " ، الوارد صراحة في أكثر من خمسين آية بالكتاب المقدس ، يتحدد بها قطعيا المقصود بكلمة " زني " بوصفه " خيانة عهد الزواج " ، لأن " الزني " كان هو " خيانة العهد مع الله " ، حيث تحدث عن بني إسرائيل كثيرا بأنهم " زنوا " بآلهة الأرض ، و " خانوا عهد وفائهم لله " .
وعلي ذلك حدد فريق الأراخنة الذي وضع اللائحة 38 عشر حالات ل " خيانة عهد الزواج " ، أي ل " الزني " ، ومنها حالة " استحالة العشرة " المستوجبة للطلاق .
وكان وجود هذه الحالة بين حالات " الزني " المستوجب الطلاق كافيا لمنح الطلاق للزوجة التي يعتدي عليها زوجها اعتداء متواصلا تستحيل معه العشرة .
لكن اللائحة 38 عطلها وأبطل العمل بها غبطة البابا شنودة الثالث ( البابا 117 الراحل ) لسبب شخصي جدا لا علاقة له بالكنيسة ، ولا ذنب فيه لشعب الكنيسة مطلقا ، ألا وهو الكبرياء بالرأي الشخصي الذي بلوره في شعاره الزائف : " لا طلاق إلا لعلة الزني " ، ما خالفه تماما في العناد السيئ مع رجل الأعمال زوج الفنانة هالة صدقي ، التي طلبت إلى البابا الطلاق من زوجها ، ورفض زوجها الطلاق ، بينما استجاب البابا وطلقها ، فرفع علي البابا قضية أمام المحاكم المدنية ، وكسبها ، وطالب بعودة زوجته ، لكن البابا كان قد طلقها ، وظل يخاصم البابا فترة طويلة أمام المحاكم .
أسقط غبطة البابا شنودة الثالث العمل باللائحة 38 بمقتضي القرار الخامس الذي أصدره سنة جلوسه علي السدة المرقسية عام 1971 ، وتسبب في تعطيلها ، ما تم إلقاء الضوء عليه بشدة في خضم أحداث مقاضاة رجل الأعمال له ، حيث خالف شعاره البراق في ظاهره ، الظالم في جوهره : " لا طلاق إلا لعلة الزني " ، الذي بالغ في التشدد به ، وأرعب الإكليروس جميعا للتشدد به أيضا ، حتي ظن البسطاء وغالبية المتابعين له أن البابا يحافظ علي كلام الله ، الذي تقع دينونة رهيبة علي من يخالفه ، وتحسب خطية شنيعة علي من لا يتبعه ، لأنه يكون قد تمرد علي كلمات يسوع ، واستهان بوصايا الإنجيل ، بينما لم يرد هذا القول هكذا البتة في كلمات يسوع ، ولم يسجل وحي الروح القدس هذا النص هكذا مطلقا في الإنجيل .
كانت المفارقة المذهلة أن غبطة البابا شنودة الثالث لم يطبق أبدا شعاره الأخرق هذا في القضايا التي حكم فيها بنفسه ، فلقد طلق سكرتيرته من زوجها لأنها كانت لا تطيقه دون أن يكون زانيا أبدا ، وطلق الفنانة هالة صدقي من زوجها رجل الأعمال لأنها اختلفت معه دون أن يكون زانيا البتة ، أي أن البابا الذي رفع هذا الشعار الأخرق هو نفسه أول من خالفه مخالفة صارخة ، ولم يتمسك به أبدا ، بل حكم بالطلاق لحالات استحالت فيها العشرة مستخدما اللائحة 38 ذاتها ، التي بقرار غير مسئول أقرب إلي الجنون أسقط تطبيقها ، وعطل العمل بها ، وألغي وجودها ، بعدما استخدمها هو ذاته ، وطبقها بنفسه في الحالات التي أراد بمزاجه الشخصي أن يمنحها الطلاق فورا دون أي معاناة ، فقهر الآلاف من شعبه ، أو المفترض أن يكونوا شعبه ، كل الأقباط في مصر وبلاد المهجر .
كان أثر إلغاء غبطة البابا شنودة الثالث للائحة 38 كارثيا وقاتلا علي آلاف الأقباط الذين دمرت المعاملات الإجرامية من قبل شركائهم داخل أسرهم حياتهم ، الذين طلبوا الطلاق فامتنعت الكنيسة بإباء وشمم من يتظاهر بأنه يتمسك بحروف الإنجيل ، ورأسه دون ألف سيف ألا يحيد عنها ( بينما هو يحيد عن آيات أخري من الانجيل في مواقف مختلفة بحسب سلطان الهوي ) ، ودأبت بعناد لا يلين علي القول علي لسان قساوستها وأساقفتها لكل زوجة تموت كل يوم بإجرام وقسوة ووحشية زوجها : " ده صليبك وتشيليه " .
وكانت النتيجة المأساوية لهذا العناد البشع أن دفعت الكنيسة خلال حبرية غبطة البابا شنودة الثالث ( 40 عاما ) أكثر من مليون شخص إلي تغيير دينهم للحصول علي حرية الطلاق .
علي أن القول الظالم : " ده صليبك وتشيليه " صار إكليشيها بشعا تتهرب به الكنيسة ورجالها تهربا مشينا من الحكم العادل بالطلاق الفوري إنقاذا لآلاف النساء القبطيات من الموت تعذيبا ووحشية علي يد أزواج تحولوا إلي شياطين أو خنازير نجسة ، محتجة في ذلك بالشعار الكاذب الأخرق اللعين الذي ألفه غبطة البابا شنودة الثالث - والذي تنكر له هو نفسه كأول المتنكرين ، ولم ينفذه البتة - ومعتقدة في ذلك بأنها هكذا تحافظ علي صحيح الإنجيل ، بينما هي تخالفه في الواقع مخالفة جسيمة لا تغتفر ، ستحاسب عليها حسابا عسيرا أمام رحمة الله التي أسبغها علي المعذبين .
ولقد استمرت الأوضاع الحزينة علي ما هي عليه بعد مجيء غبطة البابا تواضروس الثاني ، الذي تمسك بمقولة البابا شنودة الثالث الكاذبة المشينة ، وأبقي علي إلغاء اللائحة 38 المنصفة الرائعة ، بل استهان بها في تصريحاته العلنية وهو يبرر المشروع الجديد لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين ، الذي تؤخذ عليه بعض المآخذ الجادة ، ولم يصدر حتي الآن لأجل بعض الخلافات عليه ، رغم تسليمه لمجلس النواب لمناقشته وإصداره منذ أربع سنوات مضت .
وفي ظل هذا الركود التشريعي المؤلم ، الذي يوقع الظلم الدموي بكل الذين يحلمون بصدور القانون وهم في عذاب هائل وطول انتظار ، يصبح لازما وحتميا علي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية :
1 - أن تعلن فورا الإفراج عن اللائحة 38 والعودة إليها ؛
2 - وتعمل علي تطبيقها علي وجه السرعة ؛
3 - وتصدر تعليمات صارمة لكل الإكليروس في الكرازة القبطية الأرثوذكسية للتوقف الفوري عن استخدام هذا الإكليشيه البشع : " ده صليبك وتشيليه " ؛
4 - وتأمر الإكليروس في كل مكان بكل حزم أن يمنحوا الطلاق الفوري لكل امرأة مسيحية أرثوذكسية تصرخ وتستغيث وتستنجد لإنقاذها من زوج متوحش يحيل حياتها جحيما في كل لحظة ، دون إبطاء ودون تلكؤ ودون مساومة ودون مواعظ سيئة لا تجدي نفعا .
إن الحالة المأساوية التي تعرضها الصورة المرفقة لسيدة قبطية أرثوذكسية ظل زوجها يضربها ضربا وحشيا حتي قتلها ، وعندما نقلوها إلي المستشفي لعلاج الضربات الغائرة في رأسها ، وظنوا إمكان انقاذها ببعض الغرز الطبية ، وبالعلاج اللازم ، كانت قد أسلمت الروح .. ماتت في جريمة قتل بسبب استحالة الطلاق الكنسي ، رغم استحالة العشرة ، تحت وحشية الزوج المستمرة .
قبل ذلك قتل زوج متوحش سيدة أخري في استراليا ، ظل الأسقف يردد لها هذا القول الإجرامي البذيء : " ده صليبك وتشيليه " ، دون أن يطلقها مطلقا ، لأنها كانت أما لأحد الكهنة في أبرشيته ، وخشي بحسب فكره المسجون في الشعار الكاذب : " لا طلاق إلا لعلة الزني " ، وبحسب رؤيته القاصرة كذلك لما تصوره أنها فضيحة ، أن يطلقها ، ففضل أن يتركها فريسة لزوجها علي ان ينقذها بالطلاق .
وهنالك أيضا حالة صارخة وقعت في الصعيد ، دفعت فيها وحشية الزوج ، وعناد الكنيسة ، سيدة فاضلة إلي الخروج عن وعيها ، فقتلت زوجها في آخر مرة اعتدي عليها بوحشية وهي تدافع عن نفسها ، وحكم القاضي الظالم عليها بالإعدام ، ولم يعر وحشية الزوج أي اعتبار لتخفيف الحكم ، لكن الحق أنها في الأصل أعدمت لأن الكنيسة تقاعست بخزي وعار - تحت الشعار الآثم الكاذب المغلوط : " لا طلاق إلا لعلة الزني" ، والإكليشيه الفاسد البشع : " ده صليبك وتشيليه " - عن أن تمنحها الطلاق .
والأمر الآن مرفوع عاجلا إلي غبطة البابا تواضروس الثاني ليعيد العمل باللائحة 38 علي الفور ، بمقتضي المفهوم الكتابي الذي يؤكد أن " استحالة العشرة " هي حالة " زني" صريح ، تماما كحالة " ذات الفعل " ، لأنها نتيجة " خيانة لعهد الزواج " ، بالضبط كما الحال مع " ذات الفعل " الذي هو كذلك صورة من صور " خيانة عهد الزواج " .