ماجد سوس
الحديث عن ملف الأحوال الشخصية في كنيستنا القبطية قد يبدو شائكاً، صعب الاقتراب منه، ربما يعود هذا لعدة أسباب من بينها إما الخوف من كسر وصية المسيح الذي حصرها البعض في سبب وحيد للطلاق، وإما خوفا من ازدياد حالات الطلاق التي قد تؤدي في نظر البعض إلى تفكيك الأسرة المسيحية وتمزيق جسد المسيح.
الزواج عقد والعقد في هذه الدنيا يُبني على واجبات والتزامات ومن يكسر بنود العقد يخضع لقانون العقد وقد يبطل العقد في هذه الحالة وهناك بطلان مطلق وبطلان نسبي. البطلان المطلق هو أي شرط مبني على مخالفة النظام العام والآداب كأن يتزوج الشخص بمحارمه مثلاً، أو بالإكراه، او بالنصب، أو الزواج بأكثر من امرأة في ذات الوقت أو البطلان النسبي في حالات الغش والتدليس والخيانة وتغيير الديانة.
وفي رأيي أن الاعتداء على الزوجة هو كسر للعقد الذي بني على الحب والاحترام "أيها الرجال، أحبوا نساءكم، ولا تكونوا قساة عليهن"(كو 3 : 19). "كذلكم أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهن كرامة، كالوارثات أيضا معكم نعمة الحياة، لكيلا تعاق صلواتكم". (١بط 3: 7). الخيانة والهجر لسنوات هو أيضا كسر لعقد الزواج المبني على أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته. الإدمان، الشذوذ الجنسي والسجن كلها أمور تكسر العقد المبني على العيش بتعاليم الإنجيل. ولئلا يتحجج البعض أن هذا توسع في أسباب الإباحة للتطليق قد أنشأت الكنيسة مجالس إكليريكية متعددة في أنحاء الكرازة وبعد أن كانت في يد أسقف واحد جعلها صاحب الغبطة البابا تواضروس الثاني، على ست لجان بها أسقف وكهنة ومحامي وطبيبة ويتم تغيرهم بما فيهم الأسقف من أجل الشفافية ولهذه المجالس التأكد من صحة الادعاء.
أما مقولة لا طلاق إلا لعلة الزني، والمأخوذة معناً لا نصاً من أنجيل متى، فقد أتت من ترجمة غير دقيقة للنص اليوناني، فمتى كتب لليهود وهو الوحيد الذي تكلم في أمر الزنا. إن كلمة “طلاق” في اليونانية ἀποστάσιον. لم ترد في العهد الجديد كله إلا ثلاث مرات فقط: في متى 5: 31 «وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فلعيطها كِتَابَ طَلاَق وفى متى 19: 7 7 قَالُوا لَهُ: " فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟ "وفى مرقس 10: 44 فَقَالُوا: "مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ.
أما في ردود الرب يسوع المسيح على أسئلة محاوريه اليهود كان يناقش الهجر أو الرفض ولم يستخدم كلمة طلاق، بل استخدم كلمة ἀπολύων ومعناها الدقيق هو الهجر والتخلي وقد جاءت هذه الكلمة في العهد الجديد 68 مره ويكون كلام المسيح الصحيح هنا هو أن كل من هجر أو تخلى عن امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني والسبب أنه في ذاك الزمان كان الرجل يترك امرأته ويهجرها ويتزوج بامرأة أخرى دون أن يعطي زوجته الأولى كتاب طلاق.
وحتى لو سلمنا أن يسوع أعطى مثال الزنا للتطليق فهو نفسه من حذر الزوج في سفر ملاخي قائلا: فَقُلْتُمْ: «لِمَاذَا؟» مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ. "لاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ.«لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا».(ملا٢ : ١٤ -١٦).
الرب يسوع لا يسمح ولا يقبل مطلقاً لبناتنا وأولادنا أن يعيشوا مذللين أو في مرار وأتعاب نفسية شديدة ويقول لهم هذا صليبكم أبدا هذا ليس صليبا ليحمل، بل صليبا ليقيم ويحرر من الظلم. الله غير مجرب بالشرور والإهانة والضرب ومرارة العيش ليست إلا شراً ومخطئ من يتستر على مفتري أو ظالم. ليس من العدل أن نعطي لهم أمثلة لأناس قليلة احتملت فالمسيح جاء ليعطي حياة أفضل.
الخلاصة، المسيحية لا تشجع على الطلاق او التطليق ولا تشرّع للطلاق بالمفهوم المدني، لكنها تعترف ببطلان الزواج في حالات كثيرة إذا تم خرق جوهر العقد المقدس المبني على الحب وان وصية الزوج والزوجة يوم إكليلهما عي ليست كلمات لملئ الليتوروجيا بل هي دستور وعهد مقدس أمام مذبح الرب.
أما دور الكنيسة الذي سلمه لها الرب يسوع المسيح فيما تراه يصلح للرعاة والرعية يكمن في وعد الرب لها أن "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء" (مت 18: 18) يُحمّلها مسئولية أمام التاريخ البشري وخالقه، عن النفوس التي تهلك أو أو تضيع وتتمرر في حياتها بسبب زوج أو زوجة هدم الكنيسة التي في بيته.
بح صوت يسوع المسيح وهو يصرخ في وجه قادة اليهود أن «السبت إنما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت." (مر 2: 27). الذي ترفق بالحيوان «من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالا في يوم السبت؟»" (لو 14: 5). ألا يترفق بالإنسان.
رفقاً بأولادك يا كنيسة المسيح، تحركي
رفقا بشعبك يا مجلس النواب، اخرج قانون الأحوال الشخصية للنور