محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا لاون الرابع عشر صباح اليوم الأربعاء في قاعة بولس السادس بالفاتيكان المؤمنين يوبيل الكنائس الشرقية'>المشاركين في يوبيل الكنائس الشرقية، وهم عبارة عن خمسة آلاف حاج قدموا من المناطق التي شهدت ولادة تلك الكنائس بالإضافة إلى بلدان الشتات، يتقدمهم بطاركتهم وأساقفتهم.
وجه الحبر الأعظم للحاضرين خطاباً استهله مشيرا إلى أنه يفكر في تنوع أصولهم، وفي التاريخ المجيد والمعاناة المريرة التي عاشتها أو ما تزال تعيشها العديد من جماعاتهم. وأضاف أنه في يومنا هذا هناك العديد من الأخوة والأخوات الشرقيين، الذين أُجبروا على الفرار من أراضيهم الأصلية، بسبب الحرب والاضطهاد وعدم الاستقرار والفقر وهم يواجهون، لدى وصولهم إلى الغرب، خطر فقدان هويتهم الدينية بالإضافة إلى أوطانهم. هكذا، ومع مرور الأجيال، يُفقد إرث الكنائس الشرقية، الذي لا يُقدر بثمن.
تابع لاون الرابع عشر خطابه مشددا على أهمية الحفاظ على الشرق المسيحي وتعزيزه، لاسيما في الشتات، أضاف أنه لا بد من توعية اللاتين على هذا الأمر، بالإضافة إلى إقامة مقاطعات كنسية شرقية، حيثما كان ذلك ممكنا أو مناسبا. وطلب من دائرة الكنائس الشرقية أن تساعده في تحديد المبادئ والمعايير والخطوط التوجيهية التي يمكن من خلالها للرعاة اللاتين أن يدعموا، بشكل ملموس، الكاثوليك الشرقيين في الشتات كي تبقى تقاليدهم حية، وكي تغتني البيئة التي يعيشون فيها بفضل خصوصياتهم.
مضى الحبر الأعظم إلى القول: الكنيسة بحاجة إليكم. كم هو عظيم الإسهام الذي يمكن للشرق المسيحي أن يقدمه لنا اليوم! كم نحتاج إلى استعادة الحسّ بالسر، الحي في ليتورجياتنا التي تشرك الشخص البشري في كليته، وتنشد جمال الخلاص وتثير الدهشة تجاه العظمة الإلهية التي تعانق الصغر البشري! كم هو مهم أن نعيد اكتشاف الحسّ بأولوية الله، أيضا في الغرب المسيحي، وأهمية التصوف والشفاعة المستمرة، والتوبة، والصوم، والبكاء من أجل خطايا الفرد والبشرية جمعاء، ما يميز الروحانية الشرقية!
هذا ثم لفت البابا إلى أن الروحانيات الخاصة بالكنائس الشرقية هي كالدواء. ففيها يندمج الحس المأساوي بالبؤس البشري مع الدهشة تجاه الرحمة الإلهية، حتى لا يتسبب ضعفنا في اليأس، بل يدعونا إلى قبول نعمة كوننا مخلوقات اختبرت الشفاء. وأضاف أن ثمة هبة يجب أن نطلبها، ألا وهي أن نعرف كيف نرى يقين الفصح في كل مخاض في الحياة وعدم الشعور بالإحباط.
بعدها قال البابا لاون الرابع عشر: من أكثر منكم يمكن أن يغني كلمات الرجاء في هاوية العنف؟ من أكثر منكم، أنتم الذين تعرفون عن كثب أهوال الحرب، لدرجة أن البابا فرنسيس دعا كنائسكم "كنائس استشهاد"؟ من الأرض المقدسة إلى أوكرانيا، من لبنان إلى سورية، من الشرق الأوسط إلى تيغراي والقوقاز، كم من العنف! وإزاء كل هذا الرعب، والمجازر التي حصدت أرواح العديد من الشباب، والتي يجب أن تثير الغضب، لأنه باسم الغزو العسكري يموت الأشخاص، يبرز نداءٌ: ليس نداء البابا، بل نداء المسيح الذي يكرر: "السلام معكم!"، ويقول: "أودعكم السلام، أعطيكم سلامي. ليس كما يعطيه العالم، أنا أعطيكم إياه". لنصلّ من أجل هذا السلام، الذي هو مصالحة وغفران وشجاعةُ طيّ الصفحة والبدء من جديد.
مضى البابا إلى القول: لكي ينتشر هذا السلام، سأبذلُ كل جهد ممكن. والكرسي الرسولي جاهز لكي يلتقي الأعداء وينظروا إلى أعين بعضهم البعض، حتى يُعاد الأمل إلى الشعوب وتعاد إليها الكرامة التي تستحقها، كرامة السلام. الشعوب تريد السلام وإني أقول لقادة الشعوب، من صميم القلب: دعونا نلتقي، نتحاور ونتفاوض! الحرب ليست حتمية إطلاقا، يمكن للأسلحة، لا بل يجب، أن تصمت لأنها لا تحل المشاكل بل تزيدها؛ لأن التاريخ سيتذكر من يزرعون السلام، لا من يحصدون الضحايا؛ لأن الآخرين ليسوا أعداء بل هم بشر قبل كل شيء: ليسوا أشراراً علينا أن نكرههم، بل هم أشخاص يجب أن نتحدث معهم.
هذا ثم قال البابا: لن تتعب الكنيسة من التكرار: لتصمت الأسلحة. وأود أن أشكر الله على أولئك الذين ينسجون خطط سلام، وسط الصمت والصلاة والتضحية؛ و(أشكر) المسيحيين – الشرقيين واللاتين – الذين يثابرون ويقاومون في أراضيهم، خاصة في الشرق الأوسط، وهم أقوى من مغريات التخلي عنها. لا بد أن يُعطى المسيحيون الفرصة، ليس فقط بالكلام، من أجل البقاء في أراضيهم مع جميع الحقوق اللازمة لوجود آمن. أرجوكم! ليتم الالتزام في هذا الاتجاه!
تابع الحبر الأعظم قائلا: شكرا لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء في الشرق، الذين نشأ منهم يسوع شمسُ البر، لأنكم "نور العالم". استمروا في التألق في الإيمان والرجاء والمحبة، وليس في أي شيء آخر. لتكن كنائسكم مثالا يُحتذى به، وليعزز الرعاة الشركة من خلال الاستقامة، خصوصا داخل المجالس الأسقفية، حتى تكون أماكنَ للجماعة والمسؤولية المشتركة الأصيلة. لا بد من توخي الحذر على صعيد الشفافية في إدارة الأملاك، لتُقدم شهادة على التفاني المتواضع والكامل من أجل شعب الله المقدس، دون التعلق بالمناصب وبنفوذ هذا العالم وبصورتنا الشخصية. إن رونق الشرق المسيحي يتطلب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، التحرر من كل تبعية دنيوية ومن كل ميل مخالف للشركة، كي يكون أميناً للطاعة والشهادة الإنجيليتين.
ختم لاون الرابع عشر كلمته داعيا ضيوفه إلى الصلاة من أجل الكنيسة وإلى رفع صلواتكم القوية، صلوات الشفاعة، من أجل خدمته.