بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
ورد إسم " جبل الزيتون " فى مواضع عدة فى الكتاب المقدس مثل : 2 صم 15 : 30 وزك 14 : 4 ومت 21 : 1 ومت 26 : 30 ومر 11 : 1 ومر 13 : 3 ومر 14 : 26 ولو 19 : 29 ويو 8 : 1 وأع 1 : 12 ، " الجبل الذى تجاه أورشليم " (1 مل 11 : 7) " الجبل الذى على شرقى المدينة " ( حز 11 : 23).
سمى الجبل بهذا الاسم لأن قممه كانت مكسوة بأشجار الزتيون. ويطلق العرب عليه فى الوقت الحاضر إسم "جبل الطور". تقع سلسلة جبل الزيتون إلى الشرق من القدس وتخرج عن السلسلة المركزية بالقرب من وادى يهوشافاط، وتجرى نحو ميلين إلى الجنوب حتى تأتى إلى الكتلة الجبلية التى تقوم عليها "كنيسة الصعود" فتتفرع إلى فرعين، يتجه أحدهما إلى الجنوب الغربى مكوناً الضفة الجنوبية لوادى قدرون، وينتهى فى وادى النار. والفرع الثانى – وهو أكثرهما إرتفاعاً – ينحدر إلى الشرق وينتهى بعد العيزارية (الاسم الحديث لبيت عنيا) بقليل.
والسلسلة الرئيسية ترتفع كثيراً عن الموقع القديم للقدس. والقمة الشمالية للكتلة الرئيسية لجبل الزيتون، يُطلق عليها اسم "تل الجليل" والسبب فى ذلك أنه كان يوجد قديماً فى تلك البقعة "خان" كان الجليلون يُقيمون فيه عند زيارتهم للقدس (حسب تفسير رودلف فى سنة 1573م). لكن "كوازموس" ذكر فى سنة 1620م أن هذا الاسم "تل الجليل" أُطلق على تلك البقعة، لأنه بحسب التقليد أن الملاكين وقفا وخاطبا التلاميذ "أيها الرجال الجليليون" (أع 1 : 11). أما القمة الجنوبية للكتلة الرئيسية، يقول عنها التقليد إنها "جبل الصعود".
يطل الجبل على المدينة القديمة من الشرق ، وهو الجبل الذي كان يسوع المسيح يصعد له بشكل دائم للتامل والصلاة. يرتفع الجبل حوالي مائة متر فوق المدينة القديمة، ويمكن للزوار الاستمتاع بمنظر رائع لمدينة القدس القديمة وقبة الصخرة من نطقة على سفحه الغربي.
مقابل جبل الزيتون من الشمال يقف جبل سكوبس، وعلى قمته يقف مستشفي الاوغستا فكتوريا (المطلع) وهو بناء جميل شيده الألمان، ويمكن من خلفه مشاهدة أجزاء من برية القدس. وعلى السفح الشمالي والغربي للجبل يمكن رؤية الحرم الشرقي للجامعة العبرية، ومستشفي هداسا التابع له، وقد كانت هذه المنطقة بيد الإسرائيليين منذ العام 1948، وكانوا قبل احتلالهم لمدينة القدس عام 1967م يصلون إلى هناك في قوافل تحمل علم الصليب الأحمر. و عند قمة الجبل يقع أحد فندق اكبر الفنادق في القدس.
يرتبط جبل الزيتون إرتباطاً وثيقاً بالكثير من أحداث أسبوع الألام، فقد جاء إلى أورشليم عن طريق "بيت فاجى" أى " قرية التين الفج" وهى قرية صغيرة إلى الجنوب الشرقى من جبل الزيتون، دخلها مخلصنا قبل أن يدخل بيت عنيا، إذ كان آتياً من أريحا إلى أورشليم، حيث يخبرنا الإنجيل قائلاً: " ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجى عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: إذهبا إلى القرية التى أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها، فحلاهما وأتيانى بهما" (متى 21 : 1 – 10). ودخل إلى أورشليم وعندما برزت المدينة من وراء الأفق ورآها بكى عليها (لوقا 19 : 41)، وأنبأ تلاميذه بمصير تلك المدينة الرابطة فى أحضان الجبل.
كنيسة "أبانا الذي"
"وإذ كان يُصلى فى موضع، لما فرغ، قال واحد من تلاميذه: يارب، عَلّمنا أن نُصلّى كما عَلّم يوحنا أيضاً تلاميذه. فقال لهم: متى صلّيتم فقولو : أبانا الذى ... " (لو 11 : 1 – 4)
تعتبر كنيسة أبانا الذى، أول كنيسة شيدت على جبل الزيتون (سنة 326 – 333 م)، بأمر من القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، وقد سُميت الكنيسة "أليونة Eleona" وهى كلمة يونانية معناها أخدود الزيتون "أو غابة الزيتون". أقيمت الكنيسة فوق المغارة التى كانت مقر لصلاة الرب يسوع (فوق جبل الزيتون) وفى هذه المغارة علّم الرب تلاميذه الصلاة الربية (المغارة مازالت موجودة حتى الآن).
بعض المفسرين للكتاب المقدس يقولون، أن الرب يسوع علّم تلاميذه الصلاة الربية مرتين: المرة الأولى جاءت ضمن العظة على الجبل، التى ألقاها الرب بالقرب من بحيرة طبرية (متى 5)، والمرة الثانية على جبل الزيتون، فى المغارة التى توجد أسفل هذه الكنيسة الحالية. وقد كتب يوسابيوس القيصرى، وهو أحد المؤرخين الكبار: "عندما وضع الإمبراطور قسطنطنين نهاية للاضطهاد، كانت هناك ثلاثة أماكن لها قدسية خاصة: وهى مغارة القبر المقدس – مغارة الميلاد – مغارة أبانا الذى، لذا شيدت فى هذه الأماكن كنائس فخمة للحفاظ عليها.
الكنيسة البيزنطية التى شيدت فى القرن الرابع، هدمها الفرس سنة 614 ميلادية ثم أعيد بناؤها، فهدمها الحاكم بأمر الله، غير أن الصليبين شيدوا كنيسة فوق أنقاض الكنيستين القديمتين. وفى سنة 1868 ميلادية، حصلت الأميرة الفرنسية "De La Tour dAuvergne" على هذا المكان المقدس، فبنيت كنيسة فوق المغارة وديراً للراهبات الكرمليات، ورواقاً أمام الكنيسة. لقد أعطت هذه الأميرة سبعة عشرة عاماً من حياتها، بالإضافة إلى إنفاق الجزء الأكبر من ثروتها لأجل هذا العمل المقدس، والتى بدون جهودها لفُقد هذا المكان المبارك. وقد أقامت الأميرة على حائط الساحة الكبيرة للكنيسة 36 ترجمة للصلاة الربية. أما الآن فتوجد حوالى التسعين ترجمة، منهاً ترجمة باللغة القبطية وأخرى باللغة العربية.
وتخبرنا Etheria أن أسقف أورشليم، كان يداوم بإقامة مراسيم دينية، فى هذا المكان المقدس خلال الأسبوعين اللذين يتوسطهما أحد القيامة. وقد اعتاد أن يقرأ فى يوم الثلاثاء من أسبوع الآلام، عظات روحية، تفسيراً لما نطق به الرب يسوع فى ذات اليوم عن أحداث المجئ الثانى وخراب أورشليم (متى 24 ، 25)، وفى يوم خميس العهد، كان يقرأ الخطاب الوداعى للسيد المسيح بعد العشاء الأخير وقبل أن ينزل إلى بستان جثسيمانى، وهو ما ورد فى إنجيل يوحنا 15، 16، 17. وفى الأسبوع الذى يلى القيامة، كان يقود هؤلاء الذين تم عمادهم حديثاً ويذهب بهم إلى مغارة أبانا الذى .... ".
فى نهاية المغارة نجد درج يؤدى إلى مدفن (مقبرة)، حيث أن أساقفة القدس من سنة 334إلى سنة 614 ميلادية، رغبوا أن توضع أجسادهم فى هذا المكان. وفى المدخل المؤدى إلى الساحة، توجد مقبرة الأميرة التى عنيت بالمكان. فى سنة 1910 م كشف علماء الآثارعن كنيسة أليونة Eleona والمغارة المقدسة. بعدئذ باشرت لجنة فرنسية أعمالها لتكون الكنيسة على صورتها الحالية.
مشهد القدس
عندما نخرج من كنيسة "غابة الزيتون" ننزل في الطريق إلى اليسار إلى أن نبلغ شبه هضبة صغيرة مستوية. هذا هو المكان الذي بنى فيه سليمان المشارف مستوية. هذا هو المكان الذى بني فيه سليمان المشارف لزوجاته الوثنيات بحسب التقليد (1ملوك 11 : 4). وهو يقدم لنا منظرا من أروع مناظر القدس. نرى إلى اليسار قليلا غابة من الصنوبر، كان هذا مكان معهد السريان الكاثوليك أما اليوم فهو ملك الإغاثة الكاثوليكية الفرنسية ويضم بيتا للحجاج يدعى بيت أبينا إبراهيم.
كنيسة (Viri Galilei)
أيّها الرجال الجليليون يشمل الاسم الكنيسة وكل المنطقة المحيطة التابعة للروم الأرثوذكس يرجع الاسم إلى نص أعمال الرسل الذي يقول " أيّها الجليليون ما بالكم قائمين تنظرون إلى السماء " ( أع 1 : 11). وهذه الكنيسة مكرسة لظهور يسوع القائم للأحد عشر. نجد داخل السور كنيسة بيزنطية تحيي مشهداً نجده في إنجيل منحول للملاك جبرائيل الذي يعلن للعذراء موعد انتقالها إلى السماء.
دير الروس للراهبات الروسيات ويحتفظ بذكرى موقع الصعود بحسب التقليد الأرثوذكسي. يرجع البناء إلى عام 1870 ويمكن مشاهدة بقايا دير أرمني من القرن السادس به فسيفساء رائعة.
تنزل من خلال سور عريض هو ما تبقى من كنيسة "غابة الزيتون" القديمة. كنيسة بكاء الرب قبل بلوغ هذا الموقع إلى اليمين نجد درجاً شديد الانحدار. يؤدي بنا هذا الدّرج والطريق التي تليه إلى كنيسة بكاء الرب وهو مترجم عن اللاتينية (Dominus Flevit) أي الرب يبكي. وهو مرتبط بالتقليد المسيحي العائد إلى القرن السادس عشر والذى حدد في هذا موقع بكاء يسوع على مدينة القدس.
كنيسة الدمعة DOMINUS FLEVIT
"وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلاً: إنك لو عَلمت أنت أيضاً حتى فى يومك هذا ما هو لسلامكِ. ولكَن الآن قد أخفى عن عينيك" (لوقا 19 : 41 – 42).
تاريخ بناء الكنيسة: يروى لوقا الإنجيلي، أنه لدى إقتراب الرب يسوع من المدينة المقدسة، رآها وبكى عليها، فحدد التقليد هذا الحدث الإنجيلى بموضوع معروف اليوم باسم "مبكى الرب Dominus Flevit" ففى عام 1955م شيد الآباء الفرنسيسكان تحت إشراف المهندس "بارلوتسى Barloutzi " كنيسة على شكل صليب يونانى، يمثل دمعة المسيح الكبرى، فوق أنقاض كنيسة بيزنطية تعود إلى القرن الخامس الميلادى، إذ ما تزال جدرانها والفسيفساء فى أرضيتها والكتابات محفوظة حتى اليوم، ويمكن مشاهدتها بداخل الكنيسة الحالية. كما تُشرف الكنيسة على منظر القدس الجميل كما رآه الرب يسوع يوم بكى عليها للخارب الذى ينتظرها، إذ يستطيع للناظر من موقع الكنيسة على جبل الزيتون أن يكشف مدينة القدس بأكملها.
وزادت شهرة المكان الحفريات التى أقامها الأب باغانى بين السنوات 1953 – 1955م، والتى أسفرت عن مقبرة، ذات أهمية قصوى، تعود إلى القرون الأربعة الميلادية الأولى، تحوى على قبور لجماعة من المسيحيين الأول (المنحدرة من أصل يهودى). وعثر فى المقبرة على توابيت حجرية لحفظ العظام، منقوش عليها أقدم الرموز المسيحية، كالصليب البيزنطى وكرمة العنب وسنابل القمح، وبعض الأشكال الدينية الأخرى فى الفن البيزنطى، وعن قبور من الألف الثاني ق.م. أيام الهكسوس. وتشير هذه الأمور إلى أن الموقع كان في القديم مقبرة القدس اليبوسية.
ومن الممكن رؤية هذه القبور وبقايا العظام, على بعد أمتار قليلة من الكنيسة يوجد دير الآباء الفرنسيسكان فوق أنقاض كنيسة كانت قد بُنيت عام 1891م ومازال بعض آثارها موجودة حتى الآن.
كنيسة القديسة مريم المجدلية
للروسيات الأرثوذكسية فتقع أسفل الجبل. بناها القيصر الروسي الاسكندر الثالث في 1888م ، وهي بقبابها الذهبية السبعة الجميلة ذات الشكل البصلي من اجمل الكنائس في القدس.
وهناك وعلى السفح السفلى لجبل الزيتون، يوجد بستان جثسيمانى، حيث جاهد الرب يسوع فى الصلاة، حتى أن عرقه صار كقطرات دمٍ، وحيث جاء يهوذا الأسخريوطى وقبّله وسلّمه ليد الجنود والكهنة والكتبة والشيوخ.