سحر الجعارة
(يا أهل الفتوى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله): نريد أن نفهم بعيداً عن الجدل والمعارك المفتعلة والمنافسة على الأضواء وممارسة دور «ولاية الفقيه» علينا.. فبهذا الأسلوب تضيع الحقيقة.. ونحن فى النهاية نستمع إلى الجميع حتى أعلى قيادة دينية، ثم نحتكم إلى ضمائرنا ونطبق ما يناسب حياتنا (استفتِ قلبك)، فهذا الصراع «شو» أصبح قريباً إلى استعراضات بعض البلوجرز والإنفلونسر الذين يبحثون عن التريند دون النظر للقيمة وهذا لا يليق برجال الدين.

ما أعلمه جيداً أن العلم هو ما يخضع للتجريب العلمى، لكن الأمر مختلف نوعاً ما فى العلوم الإنسانية التى من بينها «الأديان»، بمعنى أنك تقدم فهمك البشرى لنص إلهى أو لمرويات من السنة والحديث والسيرة النبوية.. هذا «المنتج البشرى» من فهم الأساتذة المتخصصين أيضاً ليس ملزماً لأحد، وما يلزمنا من فهوم القرآن الكريم هو ما يحقق مصالح الناس فى زمانهم ومكانهم، فقل داعية أو شيخاً لمشايخ الإسلام أو إمام الدعاة، كل هذه الألقاب لا تعطى مصداقية لبشر مثلك إلا بمقدار خضوعك وإذعانك ورجفتك أمام فتاواهم.. إيمانك بأن ما يطلقونه من هراء هو «تابوهات» لا يجوز تحطيمها وأنهم أنفسهم منزّهون عن الهوى والخطأ (أى إنهم رسل فوق مستوى البشر).. تماماً كما تعتبر أن أفلام (الشيماء وفجر الإسلام والناصر صلاح الدين) هى تاريخك الحقيقى وسيرة نبيك، تلك التى منع الأزهر ظهور الملائكة والخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة فيها!.

معظم الكهنة هكذا «إلا من رحم ربى».. معظمهم يخلطون بين ما قدمه الفقهاء من اجتهاد وبين النص القرآنى أيضاً، ويطلقون فى وجوهنا تحذيرات تكفيرية «إياكم والثوابت»!. ثم يتم انتزاع حرية تصرف الإنسان فى ماله الخاص (حال حياته قبل أن يتحول المال إلى تركة)، ثم تنزع عنه الأهلية وينصب الكاهن نفسه وصياً على أملاكه مستخدماً آيات الميراث فى غير موضعها.. وهو خلط بين دور رجل دين وبين منصب محافظ البنك المركزى، وكذلك خلط بين الهبة والوصية، والوصية الواجبة: المهم رمى البنات فى الشارع ليقيم فى منزل مورثها «بالتعصيب» أى ذكر فى العائلة مهما ابتعدت درجة قرابته لإعلاء فكرة «القبلية العصبية»، وشراء رضا عائلات الريف والصعيد التى لا تورث البنات أصلاً (!!).

الآن سوف أقدم للقارئ العزيز قصة واقعية من حياتى على سبيل المثال: كنا خمس بنات وأربعة شباب، وقرر والدى قبل أكثر من 40 عاماً أن يختص البنات بجزء من ثروته ويكتب لنا بعض الأملاك «وهو حى يرزق»، أولاً لأننا كنا الأصغر سناً «قُصّر» وثانياً لأنه ملَّك كل ولد وبنت شقة وأثّثها كاملة قبل أن يتوفاه الله.. وكان والدى -رحمه الله- رجلاً صالحاً متديناً يعرف حق الله عليه جيداً.

هذه القصة التى يبدو أنها شخصية ولا تخص أحداً وربما لا يمكن القياس عليها هى تجربتى، التى تجعلنى حتى هذا العمر أدعو لأبى وأمى لأنهما كانا، ولا يزالان، السند والضهر. رأيت الإنصاف فى حياة والدى حينما منحنى أنا وشقيقاتى حقاً فى بعض الأملاك بالتساوى مع الإخوة الذكور، وأنا قاصر، ورأيت إنصاف القانون أيضاً فى تطبيق نصوص «الوصية الواجبة» على أبناء شقيقى المتوفى، رغم أن تلك الوصية لم ترد فى نصوص آيات المواريث بل انفرد بها «القانون المصرى».. وهى قانون نتيجة اجتهاد العلماء من أجل تحقيق المصلحة العامة وهو غاية الذات الإلهية.

كنت متحمسة أشد الحماس لمشروع الرئيس التونسى «القايد السبسى»، رحمه الله، لمساواة الذكر بالأنثى فى الميراث، وهو المشروع الذى عارضه حزب «النهضة» الإخوانى فى تونس وعارضه الأزهر كذلك.. فلم يخرج للنور.

وعلى قناة «القاهرة والناس» فتح الإعلامى «أحمد سالم» قضية الميراث المفخخة بألغام التحريم والرفض، وتناقشت معه بكل أريحية وتساءلت: كيف تحرم الزوجة المسيحية لزوج مسلم من الميراث، بعد أن منحته عمرها وربّت أولاده وربما خسرت عائلتها لتتزوجه.. كان هذا أحد الأسئلة المحرمة التى ناقشناها بكل أريحية.. وجاءت الإجابة فى كتاب العالم المجدد الإصلاحى الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: (فقه المواريث المقارن، من هدى القرآن والسنة).. هذا الكتاب هو سر الحرب الشعواء على الدكتور «الهلالى» ومؤامرات «اغتيال الشخصية» والتصفية المعنوية التى يتم فيها كل الأساليب الرخيصة من إخوان ومال لتجنيد عملاء يتسمون بالرُّخص والتدنى فى الخصومة.. اللهم احْمِ ديننا الحنيف من كيدهم.. اللهم احمِ عبدك المخلص «سعد الهلالى».. اللهم احمِ مصر من تسييس وأخونة صراع الكهنة والفتاوى
نقلا عن الوطن