بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
تقول الدسقولية في الباب العاشر "الشرق يعني الحياة، الشمس تشرق فتدب الحياة في الأرض كلها" جئت ليكون لكم حياة ويكون لكم أفضل(يوحنا 10 : 10)" والشرق أيضا يذكرنا بمعاني مهمة: مثل الفردوس الأول (الجنة) كان في الشرق وميلاد السيد المسيح ارتبط بنجم المشرق، وصلب السيد المسيح كان على الجبل في شرق أورشليم، وصعد أيضاً من الشرق، وهكذا مجيئه أيضاً سيكون من الشرق كما قال الملاكان للتلاميذ وهم شاخصين للسماء بعد صعود السيد المسيح قالوا لهم كما صعد سوف يأتي من الشرق.فیقول العلامة أوریجانوس{الصلاة متجهین نحو الشرق إشارة إلى تطلع النفس تجاه فجر النور، أي إلى شمس البر والخلاص، الذي یشرق علي العالم الجدید الذي هو الكنیسة]
كانت الصلوات ـ قبل المسیحیة ـ ترفع نحو هیكل أورشلیم بكونه یمثل "الحضرة الإلهیة". أما كنیسة العهد الجدید فتمارس لیتورجیاتها وعبادتها الخاصة متجهة نحو الشرق، لهذا جاء في القوانین (الدساتیر) "یلزم أن تكون الكنیسة مستطیلة الشكل، متجهة نحو الشرق". كما أشیر إلى هذا التقلید في كتابات الرسولیة ، وغالبا ً ... الخ...
"، وفي نفس الوثیقة عندما قبلت الجموع الإیمان بواسطة الرسول ذاته تبع هذا التحول صلاة نحو الشرق، وكانوا یبكون قائلین: نسجد لك یا ابن االله یا من علقت علي الشجرة". أضف إلى هذا أن الكنیسة منذ القرون الأولى قد اعتادت في خدمة لیتورجیة العماد أن تسأل طالبي . العماد بعد جحدهم الشیطان وكل أعماله أن یتجهوا نحو الشرق ویعلنوا إیمانهم بالثالوث القدوس
هكذا كان الاتجاه للشرق أثناء ا شائعا حتى أساء الوثنیون فهمه. إذیقول العلامة ترتلیان ً العبادة أمر : لمسیحیین. ذلك لما عرف حقا عن رفع صلواتنا نحو الشرق، أو لأننا نجعل من ً [ظن البعض أن الشمس هي اله) عیدا]. ً الأحد (یوم الشمس SUNDAY ٕ نما روعي في العبادة الخاصة، فنقرأ غیر أن الاتجاه للشرق لم یقف عند العبادات اللیتورجیة فحسب وا حتى تشرق الشمس أمامه صباحا... ً أنه اعتاد الوقوف للصلاة عند غروب السبت عن القدیس أرسانیوس وفي أعمال الشهداء والقدیسین نسمع أنهم كانوا یبذلون كل الجهد أن یتجهوا نحو الشرق في لحظات استشهادهم أو رحیلهم عن هذا العالم. والآن نتساءل ما هو مدلول الاتجاه للشرق في عبادتنا وبناء كنائسنا؟ لاهوتیة الاتجاه للشر ق. المسیح هو شرقنا لیس عجیبا أن نصلي متجهین نحو الشرق، فان مسیحنا قد دعي بالشرق (زك ٦ :١٢ (كما دعي ً "شمس البر و العدل" الذي یشرق بغیر انقطاع لیبدد الظلمة (ملا ٤ :٢.) : [أنه یلیق بنا هذا وقد قدم لنا الأباء الأولون في ذلك أفكارا لها أهمیتها،
لهذا جاء في قُوانين الرسل: يلزم أن تكُون الكنيسة مستطيلة الشكل، متجهة نحُو الشرق، وغالباً ما روعي هذا التقليد.. لماذا
أولاً: المسيح هُو شرقنا، فإن مسيحنا قد دُعي بالشرق، وشمس البرّ والعدل الذي يشرق بغير انقطاع ليبدّد الظلمة (زك12:6؛ ملا2:4).. ویقول القدیس أمبروسیوس: [ أن طالبي العماد یلتزمونبالاتجاه نحو الشرق أثناء عمادهم لكي یروا السید المسیح وجها لوجه .]
أنه يليق بنا الصلاة متجهين نحُو الشرق إشارة إلى تطلع النفس تجاه فجر النُور، أي شمس البرّ والخلاص الذي يُشرق على العالم الجديد الكنيسة فإصرارنا على الاتجاه نحُو الشرق أثناء العبادة، إنما هُو علامة اشتياقنا لرُؤية الرّب، معطين ظهُورنا لظلمة الخطية والملذات الزمنية، وفي القُداس الإلهي حيثُ يصرخ الشماس قائلاً: إلى الشرق أنظرُوا..
یقول مار افرآم السریاني مدینتهم المقدسة، أما نحن فمقدسنا هو الفردوس مسكننا القدیم، ومن حیث كان في الشرق، لهذا أوصینا بالاتجاه نحوه أثناء صلواتنا .] تتجه كنائسنا جغرافیا نحو الشرق لا نحو أورشلیم، نؤكد استعاضتنا لأور شلیم الأرضیة ً هكذا إذ تحمل ذات المعني موضحا .
لتنظرُوا جسد ودم عمانوئيل إلهنا موضُوعين على المذبح..
ثانياً: تذّكر الفردُوس المفقُود، أننا نطلب وطننا القديم الفردُوس الذي غرسه الله في عدن نحُو الشرق، أنظر الكتاب (تك8:2)، یقول القدیس باسیلیوس الكبیر: [ أننا نتجه نحو الشرق حسب تقلید غیر مكتوب قد تسلمناه، إلا أننا ً ما ندرك أننا بهذا إنما نطلب وطننا القدیم، الفردوس الذي غرسه االله في عدن نحو الشرق .]هكذا إذ تتجه كنائسنا جغرافياً نحُو الشرق لا نحُو أورشليم، نُؤكد استعاضتنا لأورشليم الأرضية بالسمائية وهذه النظرة الإيمانية تبعث بالتُوبة داخل النفس، فتطلب من أعماقها الدخُول في الملكُوت الأبدي في كُل عبادتنا..
ثالثاً: ترقب مجيء الرّب، ارتبطت الصلاة نحُو الشرق بمجيئه الأخير ليحملنا معه إلى ملكُوته الأبدي، فقد أعلن الرّب عن مجيئه أنه يأتي كالبرق من المشارق ويظهر ويُضيء إلى المغارب، كما تحدث الملاك مع التلاميذ عند صعُود الرّب قائلاً لهُم: أنه هكذا يأتي ابن الإنسان، كما صعد في المشارق، أنظر الكتاب المُقدس (مت27:24؛ أع11:1).. وقد عبر الأب میثودوسیوس من أولیمبیا [عن الكنیسة المتطلعة نحو المشارق متهللة بعریسها القادم إلیها، قائلا هلم نسرع جمیعا نحو الشرق. ًلنلتحف بالثیاب البیضاء. ولنحمل مصابیحنا في أیدینا .!]
رابعاً: رمز الميلاد الجديد، والرجاء والنُور، كأننا في كُل مرة نقف للصلاة متجهين نحُو الشرق نذكر بداية حياتنا التي نلناها بالمعمُودية، فمع شرُوق الشمس يتجدّد رجاء المُؤمن منطلقاً ببداية جديدة، قائلاً في صلاة باكر: لنبدأ بدءً حسناً... ليشرق نُور وجهك، وليضيء نُور علمك الإلهي... واجعلنا يا سيدنا أن نكُون بني النهار، وبني النُور...
أنر عقُولنا، وقلُوبنا، وأفهامنا يا سيد الكُل..
خامساً: التطلع نحُو الصليب، كان المسيح مُتطلعاً نحُو الغرب لما عُلق على الصليب، فيلزم علينا نحنُ بالتطلع نحُو الشرق أي نحُو الصليب، ولهذا السبب توضع أيقُونة المسيح في الكنائس على الحائط الشرقي..
الاتجاه للشرق في المقابر الذي يرمز للقيامة من الأموات..وقدأثار القدیس أثناسیوس الرسولي لكى یوجبنا للاتجاه نحو الشرق أثناء العبادة وهو: [ أن السید ً تعلیلا المسیح كان متطلعا نحو الغرب لما علق علي الصلیب، فنلتزم نحن بالتطلع نحو الشرق أي نحو المصلوب] ً . كما یترنم القدیس أفرآم السریاني قائلا : [عندما یظهر الرب في المشرق. یظهر صلیبه أمامه. كاللواء أمام الملك .]
الشرقية هي القبُو الذي يُمثل الحائط الشرقي للهيكل والذي يُحيط بالدرج وغالباً ما تحُوي أيقُونة رّبنا يسُوع المسيح آتياً على السّحاب، محمُولاً من الشارُوبيم والسيرافيم والأربعة مخلُوقات الحية، يُقدم له الأربعة وعشرُون قسيساً بخُوراً، ويظهر الرّب ممسكاً بالكرة الأرضية في يده بكُونه ضابط الكُل، كما يمسك بيده الأخرى عصا الرعاية، إذ هُو الراعي، والمُخلّص الذي يُحرّر البشرية من سبي الخطية، ويُعطي النُصرة والغلبة..
في هذا المعنى تُمثل الشرقية حضن الله، فهُو مشتاق إلى كنيسته وهي تنتظر مجيئه، وأمام الأيقُونة يُقاد سراج دائم ليل نهار، يُعرف بالقنديل الدائم حيثُ عين الله الساهرة، ويُشير إلى النجم الذي ظهر للمجُوس الذي قادهُم إلى بيت لحم حيثُ ولد الرّب، وفُوق الأيقُونة غالباً ما تُوجد طاقة صغيرة تدخل منها أشعة الشمس، شمس البرّ والشفاء في أجنحتها (ملا4:2)..
. ولعل هذا الاتجاه قد جاء عن تصرف الشهداء والقدیسین حیث كانوا یتجهون نحو الشرق عندما یسلمونیديأنفسهم في الرب في اللحظات الأخیرة. : [للحال اتجهت العذراء نحو الشرق وصلت بلغة سماویة ثم ٤ فقد جاء عن القدیسة مریم أثناء نیاحتها رقدت .] غیر القانونیة: [وقف بولس ووجهه نحو الشرق وقد رفع یدیه نحو السماء وجاء في "أعمال بولس" ً... عندئذ قدم عنقه في صمت .]
وهو رمز المیلاد الجدید والرجاء والنور یربط القدیس أكلیمنضس الإسكندري بین الشرق ویوم المیلاد الروحي الجدید... وكأننا في كل مرة نقف للصلاة متجهین نحو الشرق نذكر بدایة حیاتنا الجدیدة التي نلناها بالمعمودیة. فمع شروق الشمس یتجدد رجاء ً المؤمن منطلقا ببدایة جد في صلاة باكر ً یدة، قائلا : [لنبدأ بدء حسنا... لیشرق نور وجهك، ولیضيء نور علمك الإلهي. واجعلنا یا سیدنا أن نكون بني النهار وبني النور... أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا یا سید الكل .].
نستطیع القول بأن إصرارنا علي الاتجاه نحو الشرق أثناء العبادة إنما هو علامة اشتیاقنا لرؤیة الرب، معطین ظهورنا لظلمة الخطیة والملذات الزمنیة.