محرر الأقباط متحدون
في زمن تتسارع فيه التحولات السياسية حول العالم، يبدو أن الحريات والديمقراطيات تشهد واحدة من أعقد مراحلها منذ عقود.

 التقرير السنوي الصادر عن مؤسسة “فريدوم هاوس” في 26 فبراير 2025 جاء ليؤكد هذه الحقيقة المقلقة، مسلطًا الضوء على التراجع المستمر في مستويات الحرية للعام التاسع عشر على التوالي.

وفي مشهد تغلب عليه العتمة، تسللت بعض النقاط المضيئة، خاصة في جنوب آسيا، حيث أظهرت دول مثل السنغال وبوتان قدرة استثنائية على كسر القاعدة وفرض استثناء ديمقراطي نادر.

أشار التقرير إلى أن السنغال تمكنت من تحقيق انتقال ديمقراطي بعدما أفشلت المعارضة محاولة الرئيس المنتهية ولايته تأجيل الانتخابات، في خطوة أكدت نضج الحياة السياسية هناك.

أما بوتان، الدولة الصغيرة المحصورة بين عملاقين آسيويين، فمضت قدماً في تعزيز ديمقراطيتها الوليدة من خلال انتخابات تنافسية حافظت على الاستقرار السياسي وأعطت مؤشراً إيجابياً نادراً في محيط إقليمي مضطرب.

وعلى الرغم من التحسن الطفيف الذي سجلته بنغلادش وسريلانكا، إلا أن ذلك لم ينعكس على تصنيفهما العام، حيث بقيتا في نفس المرتبة ضمن المؤشر.

لكن دلالات هذا التحسن لم تكن عابرة. في بنغلادش، واجهت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة موجة من الاحتجاجات الطلابية الحاشدة،

 أما سريلانكا فقد كسر انتخاب أنورا كومارا ديساناياكي المعادلة التقليدية التي سيطرت لعقود، متعهداً بإعادة بناء الثقة من خلال محاربة الفساد المتجذر.

وفي الهند، التي كانت توصف يوماً بأنها “أكبر ديمقراطية في العالم”، شهدت تراجعاً مستمراً منذ 2021، مع اتهامات متزايدة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي بمحاولة إحكام قبضته على القضاء، ما أدى إلى تخفيض تصنيف البلاد إلى “حرة جزئياً”.

إلا أن اللافت كان ما شهدته كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، حيث نُظمت انتخابات للمرة الأولى منذ إلغاء وضعها الخاص عام 2019، في خطوة بدت رمزية في ظل التراجع الأوسع للديمقراطية في الهند.

أما في الشرق الأوسط، فقد برز الأردن كمثال نادر على تحسن جزئي، حيث رفعت “فريدوم هاوس” تصنيفه من “غير حر” إلى “حر جزئياً” بفضل إصلاحات انتخابية أفسحت المجال أمام منافسة أوسع.

 في المقابل، شهدت دول مثل الكويت وتونس مزيداً من التراجع، إذ حل أمير الكويت البرلمان عقب الانتخابات، بينما واصلت السلطات في تونس التضييق على المعارضة. واستمر تآكل الحريات في دول أخرى مثل النيجر، التي باتت تحت الحكم العسكري الكامل بعد انقلاب 2023، وتنزانيا حيث قُمعت الاحتجاجات بشكل مكثف.

في سوريا، شكل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 لحظة فاصلة أفضت إلى تحسن فوري في الحريات المدنية، لكنها بحسب معدي التقرير تبقى بداية طريق طويل وشاق نحو بناء مؤسسات سياسية مستقرة وفعالة. الخبراء في “فريدوم هاوس” شددوا على أن الحقوق السياسية “يمكن تدميرها بسهولة لكنها تتطلب وقتاً طويلاً ومجهوداً شاقاً لإعادة بنائها”.

على الطرف الآخر من المؤشر، حافظت الدول الإسكندنافية وفنلندا خصوصاً على الصدارة. إذ تصدرت الأخيرة قائمة الدول الأكثر حرية بحصولها على العلامة الكاملة (100)، تليها نيوزيلندا، النرويج، والسويد بدرجات تقارب الكمال. هذه الدول تمثل ما يشبه الاستثناء الإيجابي في عالم يبدو فيه أن الديمقراطيات العريقة وحدها قادرة على حماية مكتسبات الحريات في وجه التحديات المتزايدة.

الصورة العامة التي رسمها التقرير قاتمة، حيث يواجه العالم اتجاهاً واضحاً نحو تراجع الديمقراطية، سواء عبر القمع الأمني المباشر، أو من خلال أدوات أكثر نعومة كالتحكم في الإعلام والقضاء، وتقييد المنافسة السياسية. ومع ذلك، يبقى وجود نقاط مضيئة ولو محدودة بمثابة تذكير بأن مسار الحريات قد يتعثر لكنه لا يتوقف. وتظل التجارب الناجحة، مهما صغرت، بمثابة نماذج يمكن البناء عليها في مواجهة المد الاستبدادي المتزايد.