القمّص يوحنا نصيف
    استعرضنا في المقال السابق خمسة عشر مرضًا روحيًّا ونفسيًّا، يُمكِن أن يُصاب بهم الإكليروس في الكنيسة، واتّفقنا أن الاعتراف بوجود المرض هو أوّل خطوة في رحلة العلاج!

    سنبدأ من هذا المقال مناقشة أهمّ الأمراض الروحيّة التي قد تصيب الإكليروس؛ ولكن قبل ذلك يلزمني أن أُنَوِّه أنّ هناك مرضًا مُخيفًا، لم أستطِع أن أُدرِجه في التصنيف الذي سنناقشه في هذه السلسلة من المقالات، إذ أنّه مرضٌ قاتل، ويجب أن يَحتَرس مِنه الجميع بشكل كامل منذ البداية.

    هذا المرض هو مرض عدم الانضباط من ناحية الطهارة؛
    فالسقوط بالفِعل في خطايا نجسة مع أيّ أحد، يجعل الكاهن أو الأسقف ينزل مباشرةً وبلا رجعة من درجته الكهنوتيّة، فيعود إلى وضعه العلماني، ولا يُمكِن بعد ذلك أن يُستأمَن على أيّ عمل رعوي بشكل نهائي.. فقط يمكنه بعد استيفاء قانون للتوبة، وبتوجيه من أب الاعتراف، أن يقوم بخِدمة بَحثيّة أو إداريّة أو تنظيميّة بسيطة، وليس أيّ خدمة كهنوتيّة أو رعويّة.

    أقترح أن يتمّ الاتفاق على هذا المبدأ بكلّ وضوح مع أيّ شخص من الإكليروس قبل دعوته للخدمة الكهنوتيّة الرعويّة، فيتعهّد ويُوَقّع على ذلك قبل السيامة؛ إذ أنّه من غير المقبول أبدًا أن يتحوّل الراعي إلى ذئب يؤذي قطيع المسيح!

    أؤكّد على هذا حتّى يأخُذ جميع الإكليروس حذرهم تمامًا، من كبيرهم إلى صغيرهم؛ إذ أنّ الخطيّة ليس لها كبير. وأحيانًا نجد أنّ عدوّ الخير يُحَرِّك بعض النساء الضعيفات لمحاولة إسقاط الكاهن بطريقة أو بأخرى، هذا غير التجارب التي تشاغب مشاعر الكاهن بسبب التعلّق العاطفي من بعض النساء به.. لذلك يجب أن يكون الكهنة والأساقفة حاسمين تمامًا في مثل هذه الظروف، مملوئين بالعيون والحكمة مثل الشاروبيم، حتى يهربوا من كلّ شبه شرّ، ويحفظوا نقاوة قلوبهم وحواسّهم وأجسادهم.

    بالطبع أنا لم أذكر الآباء الرهبان في هذا الصدّد، لأنّ الراهب الحقيقي هو إنسان مات تمامًا عن العالم، وكرّس حياته للصلاة وعِشرة الله والصداقة مع الكتب المقدّسة، وليس له دور رعوي أو تواصُل مع الناس، بوجه عام. أمّا إن كان الوضع غير ذلك، فهذا يُعتَبَر استثناء ينبغي أن توضَع له ضوابط مُشدّدة، ويُطَبَّق عليه نفس المبدأ.

    بعد النقطة السابقة، يمكن تصنيف الأمراض الروحيّة التي يمكن أن تُصيب الإكليروس، في ثلاثة أنواع:
   أولاً: أمراض خاصّة بمحبّة المال والانشغال بالمادّيات.
   ثانيًا: أمراض تتعلّق بضعف المحبّة والإحساس بالآخَرين.
   ثالثًا: أمراض تتعلّق بالكبرياء والمجد الباطل.

    وأعتقد أنّه من المهمّ قبل الدخول في تفاصيل هذه الثلاث مجموعات من الأمراض، التنويه إلى أنّ هناك بعض الأنظمة في كنيستنا القبطيّة الأُرثوذكسيّة تحتاج إلى تطوير؛ إذ عندما توجَد ثغرات في النظام الإداري، فإنّ هذا قد يتسبّب في دخول بعض الأمراض بين الإكليروس، بل واستشرائها.. ومن هنا يجبّ على الكنيسة أن تُعيد النظر باستمرار في الأنظمة الإداريّة المعمول بها، وتسعى باستمرار لمراجعتها وتطويرها، حتّى تكون كنيسة الله محفوظة من هذا الأمراض التي تؤذيها بشكل واضح.

    من أجل هذا، فبنعمة المسيح، وأثناء مناقشة الثلاثة أنواع من الأمراض، سأقدّم بعض المقترحات التفصيليّة لتطوير بعض الأنظمة الإداريّة في الكنيسة، التي أرى أنّها تتسبّب بشكل مباشر أو غير مباشر في استشراء مثل هذه الأمراض وسط الإكليروس.
(يُتَّبَع)