محرر الأقباط متحدون
رئيس أساقفة ماناوس في البرازيل يتذكر عناية البابا بالأمازون وسكانها، وجهوده في إظهار قضاياها أمام أنظار العالم. إن البابا، كما يقول، "قد كافح دومًا من أجل السلام" وامتاز بروح مرحة وثابتة في مواجهة جميع الظروف.

إن "الإرث العظيم" الذي تركه البابا فرنسيس للكنيسة هو "الرحمة". فمن هذا الشعور نفهم كفاحه الدائم من أجل السلام، واهتمامه العميق بالفقراء، وحرصه على الخليقة بأسرها. بهذه الكلمات عبّر الكاردينال ليوناردو أولريتش شتاينر، رئيس أساقفة ماناوس في قلب الأمازون البرازيلي، عن تقديره لحبريّة البابا فرنسيس، مؤكداً أنّه سيُذكر دوماً لاهتمامه الراسخ بالمهمشين والمنسيين. ويعرب في هذا الوقت عن مشاعر "الامتنان العميق" للأب الأقدس، فيما يحمل في قلبه ذكرى ذلك الاتصال الهاتفي الذي تلقاه منه شخصيًا في خضم جائحة كورونا، والذي عبّر فيه عن قربه الروحي من سكان ماناوس التي كانت ترزح حينها تحت وطأة المرض والموت. وفي حديثه إلى وسائل الإعلام الفاتيكانية، يروي الكاردينال شتاينر ما فعله البابا فرنسيس من "خير عظيم" للأمازون، وللكنيسة، وللعالم أجمع.

في جوابه على السؤال حول كيف تلقى خبر وفاة البابا فرنسيس قال الكاردينال شتاينر لقد تلقيته بنوع من المفاجأة، لأن البابا كان قد منح بركته لمدينة روما والعالم قبلها بيوم فقط، وكان بين الناس، يعبر ساحة القديس بطرس في سيارته البابوية. بدا وجهه متعبًا، نعم، ولكن لم أكن أظن أن النهاية كانت قريبة بهذا الشكل. لكن يبدو أن الوقت قد جاء، ونحن نتابع ما يجري. أشعر الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أننا مدعوون إلى شكر الله على خدمته البطرسية. وبعد سماع الخبر فكّرت مباشرة: لقد كان لنا بابا عظيم. بابا أحبّ الكنيسة. بابا أحبّ الفقراء. بابا الرحمة. بابا الشفقة. بابا الصغار. بابا البيئة. بابا الرجاء. بابا السنوات المقدسة. رجل ما فتئ يكافح من أجل السلام. وتبادر إلى ذهني على الفور هذا المسار الممتد على مدى ١٢ عامًا، هذه الحبرية بكل ما حملته من بذل وحب وعطاء، وما صنعت من الخير للكنيسة، وللعالم. ولهذا أعتقد أن قلوبنا اليوم مفعمة بالامتنان العميق لله، لأنه منحنا في فرنسيس أبًا، وراعيًا، وأسقفًا لروما، ووجهًا نبيلاً للكنيسة في هذا الزمن.

تابع الكاردينال شتاينر مجيبًا على السؤال حول ما هو برأيه الأثر البعيد المدى للاهتمام الكبير الذي أولاه البابا
بالأمازون وسكانها خلال حبريته وقال إن الأثر لا يقتصر على منطقة واحدة، بل يمتد ليشمل العالم بأسره. في الماضي، كانت الأمازون تُعدّ شأناً برازيليًا داخليًا، أما اليوم فقد أصبحت شأنًا عالميًا. إنّ العالم بأسره يتحدث عنها، وعن الكنيسة الحاضرة فيها، وعن الشعوب الأصلية التي تسكنها. فذلك الحب العميق الذي حمله البابا لهذه المنطقة، تحوّل اليوم إلى التزام ورعاية، أرى أن البشرية بأسرها بدأت تتبنّاهما شيئًا فشيئًا، ليس تجاه الأمازون وحدها، بل نحو البيئة والبيت المشترك بأسره. لقد كانت الأمازون نقطة انطلاق، ومنها بدأ التأمل في أهمية العناية بالخليقة كلّها. وما أراه جميلاً في رؤية البابا، هو أنه لم ينظر إلى الأمازون كقطعة جغرافية فحسب، بل رأى فيها كيانًا متكاملًا: قضايا اجتماعية، وبيئية، وكنسية. وأسلوبه أيضًا كان مميزًا، إذ كان يقول إن التصدي لهذه التحديات والعناية ببيتنا المشترك يتطلبان تحوّلاً في القلوب والتزامات ملموسة. أعتقد أن هذه العناية بالأمازون كانت وسيلة لتجسيد جمال الرسالة البيئية العميقة التي حملتها الرسالة العامة "كُنْ مُسَبِّحًا".

أضاف الكاردينال شتاينر مجيبًا على السؤال حول رعاية الخليقة التي كانت من المحاور الأساسية في حبرية البابا فرنسيس وحول الإرث الذي خلّفته في هذا الشأن وقال أعتقد أن جوهر حبرية البابا فرنسيس كان الرحمة. ومن الرحمة، يمكننا أن نقرأ اهتمامه بالخليقة. لقد كانت الرحمة '> الرحمة العدسة التي من خلالها فهمنا كفاحه من أجل السلام، وسعيه نحو الشركة الكنسية، وحنوه على الكنيسة الجامعة. لقد أعاد إلى الكنيسة معناها الأول والأساسي: أن تكون ملكوت الرحمة، وملكوت العناية. هذا هو الإرث العظيم الذي تركه لنا البابا فرنسيس — كنز ثمين لا يُقدَّر بثمن. وحتى في مجال الرحمة، يمكننا أن نلمس اهتمامه العميق بالفقراء، وبالمسنين، كما تتجلى أيضًا في مبادراته المتكررة لفتح أبواب الكنيسة لمشاركة أوسع للمرأة في حياتها وخدمتها.

وخلص الكاردينال شتاينر حديثه مجيبًا على السؤال حول إن كان بإمكانه أن يشارك موقفًا أو ذكرى شخصية تعبّر عن شخصية البابا كما عرفه وقال أحد الجوانب الجميلة في شخصية البابا، برأيي، هو أنه كان يحتفظ دومًا بروح مرحة. ففي مواجهة الأسئلة الكثيرة، والتحديات العديدة، لم يكن ليفقد حسه الفكاهي. كان رجلاً مفعمًا بالروح. كثيرون كانوا يتفاجؤون من تعليقات لاذعة يلقيها بين المزاح والجد، لكن روحه الطيبة كانت تبقى حاضرة في وجه الصعوبات كما في الأوقات المفرحة. في قيادة الكنيسة، في مخاطبة الأسواق والمال والنظام العالمي، وحتى في حديثه عن العلاقة مع الطبيعة، كان يضيف دومًا كلمة رجاء، وكلمة تشجيع.

وعندما عُينتُ كاردينالاً في عام ٢٠٢٢، تذكّر البابا، وبعد مرور عشر سنوات كاملة، حديثنا الأول. لقد تأثّرت كثيرًا بقدرته على استحضار ذلك اللقاء الأول، وكان رد فعله مفعمًا بالامتنان لتلك المحادثة التي جمعتنا. ومن الذكريات المؤثرة أيضًا، اتصاله بنا خلال جائحة كورونا حين كنا نمرّ بظروف قاسية في ماناوس. اتصل بنا لكي يشجعنا، ولكي يعبِّر لنا عن قربه. إنها لفتة لن ننساها ما حيينا، وستبقى محفورة في قلوبنا.