القمص يوحنا نصيف
    كان الموقف صادمًا جدًّا ورهيبًا إلى أقصى درجة.. فعندما تعرّض الاثنان لهذه الحادثة المروِّعة أُصيبا بفقدان في الذاكرة، ووصلا إلى حالة يُرثَى لها..!
    للأسف لم يكُن هناك مستشفى متخصّصة ولا أطبّاء يمكنهم أن يساعدوا في ذلك المكان..

    لكنّ الله في محبته واهتمامه بكلّ أحد تحنّن عليهما، وتدخّل في الوقت المناسب.. شفاهما وأعاد إليهما ذاكرتهما.. وبعد أن كانا تائهيْن يتخبّطان في الظلام، انفتحت أعينهما وعادا إلى المسار السليم مرّة أخرى..!

    القصّة ليست غريبة علينا.. هي قصّة تلميذيّ عمواس اللذين أصيبا بفقدان في الذاكرة بعد صدمة الصليب المهولة، فمُحِيَت مؤقّتًا من ذاكرتهما ثلاث سنوات من التلمذة للمسيح والتعليم والمعجزات المبهرة.. ولم يتبقّ إلاّ الحسرة والانكسار والحيرة وعبوس الوجوه..!

    ولكنّ السيّد المسيح لم يتركهما في هذه الحالة البائسة، بل تقدّم ورافقهما في مسيرتهما، وتحدّث معهما حديثًا طويلاً شارحًا لهما الأمور المختصّة به في أسفار العهد القديم.. فالتهب قلبهما فيهما، ثم استنارت أعينهما عند تناولهما من الخبز المكسور..!

    هذا ما يحدث معنا عندما نتعرّض لصدمة أو ندخل في ضيقة.. فأحيّانًا يضعُف إيماننا ونفقد الذّاكرة، وننسى قدرة الله وأعماله العظيمة معنا طوال حياتنا.. فيهتزّ رجاؤنا في الخلاص.. ولكنّ السيّد المسيح يتحنّن علينا ويفتقدنا بكلماته الحيّة ويعيد لنا الرجاء والفرح والسلام مرّة أخرى.. مذكّرًا إيّانا أنّ كلماته في الكتب المقدّسة هي نورُنا ودواؤنا وثباتنا في وقت الألم والضيق..!

    وأتركك الآن أيها القارئ العزيز مع القديس أغسطينوس ليكمل معك المقال بتأمُّلاته البديعة:
    + ظهر لهما يسوع.. كان منظورًا أمام عيونهما، ومع ذلك لم يعرفاه. السيّد سار معهما في الطريق، وفي الواقع كان هو الطريق الذي لم يسيرا فيه بعد، لقد وجدهما ضَلاّ الطريق.. موته كان بمثابه فقدان في الذاكرة لهما. لقد انزعجوا جدًّا عندما رأوه معلقًا علي الصليب لدرجة أنّهم نسوا تعليمه، ولم ينتظروا قيامته، وفشلوا في الاحتفاظ بوعوده في أذهانهم..!

    + "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل" (لو24: 21) يا أيها التلاميذ.. كنتم ترجون؟! أي أنكم لم تعودوا ترجون بعد؟ انظروا! المسيح حيّ، ولكن الرجاء ميّت في داخلكم! حقًّا المسيح حي! ولكنّ المسيح الحيّ وجد قلوب تلاميذه ميّتة..!

    + "ألزماه قائلين امكث معنا.." ألزِم ضيفك لو كنت ترغب في التعرُّف على المخلِّص.. فكَرَم الضيافة عوّض ما فقداه بسبب عدم الإيمان..!

    + "أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه، ثمّ اختفى عنهما" لقد عُرِفَ الربّ يسوع وبعد أن عُرِفَ اختفى. فقد سحب وجوده الجسدي من أمام هؤلاء الذين أخذوه الآن بالإيمان. في الحقيقة أنّ الرب سحب وجوده المادي من الكنيسة كلّها وصعد إلى السموات لكي يُبنَى الإيمان. لأنك لو كنت لا تقبل إلاّ ما تراه، فأين إيمانك؟ ومن ناحية أخرى لو كنت تؤمن بما لا ترى، فإنّك ستفرح عندما ترى..!

    طوبى للذين لم يروا ولكن آمنوا، فإنّهم سيفرحون بالأكثر عندما يرون..!
القمص يوحنا نصيف