حمدى رزق

العنوان أعلاه نشر لأول مرة يوم الأحد التاسع من فبراير الماضى، منذ شهرين بالتمام، والأحداث تواليا تؤكده.

والعالم يصطخب، يفور ويغلى، وقادته يُرْغِون ويُزْبدون، والمحللون يحللون ويولولون، والبورصات فى لندن والخليج والشرق الأقصى والأدنى تنهار، ومؤشرات داو جونز وناسداك، وفيكس، تتراقص كالثعابين الحمراء الحية على الشاشات الرقمية.

 

والكل فاغر فاه مخافة كارثة اقتصادية محدقة بالعالم، تحت وطأة قرارات «يوم الاستقلال الاقتصادى الأمريكى»، المعروف بـ«يوم التحرير»، جد لم يخامرنى أدنى شكّ فى أن «الريس ترامب» سيتراجع عن فرض إتاواته الجمركية الفاحشة، على طريقة «الريس حنفى» فى فيلم «ابن حميدو».

 

إجمالا، بينى وبين الريس حنفى استلطاف، وكنت واثقا أنه سيخضع لإرادة «أم حميدة» المفترية.. من هى أم حميدة الأمريكية، المرأة المجهولة فى طاقم ترامب الرئاسى، معلوم ترامب لا يذاع له سر!!

 

الفيلم «ابن حميدو» يحكى قصة «الريس حنفى» شيخ الصيادين الذى يعقد صفقة بيع الباخرة «نورماندى تو» لابن حميدو (القرصان)، وصاحبه حسن أفندى (القبطان)، ما لم يرض عنه «الباز أفندى» ساقط إعدادية، يلعب دوره فى الفيلم الأمريكى الوزير الأول «إيلون ماسك».. وغرقت النورماندى فى مشهد كوميدى لا تنساه الشاشة الفضية..

 

من أشهر لزمات خفيف الظل، طيب الذكر، الفنان «عبدالفتاح القصرى»، فى الفيلم، «أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبداً»، وتحت تهديد «أم حميدة» يتراجع القهقرى، ويجيب ورا، وبنفس الحماسة وطبقة الصوت يلفظها متأففًا «خلاص هتنزل المرة دى».. ويدارى وجهه فى كمه، ويظهر على الشاشة خجولا يتعثر فى قفطانه، يفكرك بسبع البرمبة فى أوبريت الليلة الكبيرة!.

 

وصارت مثلًا، كل تراجع يترجم «حنفى»، وكل متراجع صار «الريس حنفى»، وآخر المتراجعين وليس أولهم ولا آخرهم الريس ترامب، أقصد الريس حنفى (النسخة الأمريكية).

 

الريس ترامب الخالق الناطق تمام الريس حنفى، صوته، لكنته، نظرته بالجنب، جلسته، قفشته، ابن نكتة، ويقال ابن حنت، فوله وانقسمت نصين، توأم سيامى أقصد سياسى.

 

الريس حنفى المصرى (القدوة والمثل والنموذج الفج)، الريس ترامب الأمريكى على خطى الريس حنفى يبدأ من أعلى نقطة، الإتاوة الجمركية بحد أدنى عشرة فى الميه، ويقسم بأغلظ الإيمانات، قسمًا عظمًا، لا تراجع ولا استعطاف، وعندما راجعه وزيره الأول «إيلون ماسك»، زعق فى وشه، أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا..

 

فعلها مع المكسيك، وتراجع، وكندا وتراجع، وأخيرًا غزة وتراجع، وفى كل مرة يزعق فى فضائه النفسى، «أنا كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبداً»، وأول مايرى العين الحمراء، عين أم حميدة، يتراجع متأففا «خلاص هتنزل المرة دى».

 

الريس حنفى (ترامب) بدأ حكمه من أعلى نقطة، يطالب بقناة بنما أمريكية خالصة، ويزعم ملكية جزيرة جرينلاند، وموحد القطرين (كندا وأمريكا)، وبانى جدار الفصل العنصرى تجاه المكسيك..

 

سياسيًا الريس حنفى (ترامب) قابل للضغط والاستهواء، وكلمة تجيبه وكلمة توديه، ومستوجب الحذر من تقلباته السياسية الحادة.

 

الريس حنفى صياد يبيع السمك فى الميه، وينتظر انقشاع العاصفة ليعاود الصيد وراء البحار مجددًا، بعد تسعين يومًا، ولن تردعه ساعتها استعطافات أو توسلات، رجل الصفقات لا يفقه سوى لغة المليارات.

 

 

قدر ولطف، تراجعات الرئيس ترامب بردا وسلاما على الاقتصاد العالمى، ردت فى البورصات العالمية الروح، هكذا حاله، مشتعل بالرغبة فى الإيذاء، يشعل النار فى الحطب الجاف، وما أن تستعر وتلفحه أُوَارُ النار حتى يخمدها بماء بارد، ويتخارج وكأنه لم يكن بالأمس.

نقلا عن المصرى اليوم