بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر


بيت عنيا فهو اسم آرامی ومعناه "بيت البؤس أو البائس" وفي الحقبة البيزنطية استبدال هذه التسمية الأولى باسم "العيزرية" وتعني باللغة العربية قرية "لعازر" . حيث بيت لعازر واختيه مرثا ومريم "فأخذت مريم منا من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع، ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب." (يو 12: 3)

وإبضا بيت سمعان الأبرص وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. (مر3:14-9)

‏   وتقع هذه القرية على بعد (5‏,2) كيلو متراً ‏ ‏جنوب شرق جبل الهيكل. ‏ ويرجع تاريخ أنشأها إلى أبناء سبط بنيامين لدى عودتهم من الجلاء في بابل (نحميا 11: 32(.على بُعْد ميلين من أورشليم تقريبًا. وبها الكثير من الحوادث الهامة وإقامته العازر من الموت بعد أربعة أيام "ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ." (يو 12: 1) و إيضا قالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلًا حَسَنًا! لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا» (مت 26: 6 – 13).

    في يوم الأحد دخل يسوع مدينة أورشليم كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ. قَائِلًا لَهُمَا: «اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا. وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئًا، فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا».(إنجيل متى 21: 1- 17؛ 26: 6؛ مر 11: 11، 12؛ 14: 3؛ يو 11: 1؛ 12: 1)

    ويوم يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وفي الطريق من بيت عنيا الى أورشليم، ‏ لعن يسوع شجرة التين غير المثمرة والتي كانت يابسة كليا عندما مر هو وتلاميذه بالقرب منها (مر 11: 12 – 16). وخلال الأيام الأربعة الاخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض كان يقضي فترة النهار في الخدمة في مدينة أورشليم. ‏ أما في المساء فكان يترك هو وتلاميذه المدينة الكبيرة ويبيتون في قرية بيت عنيا، ‏ في بيت مرثا ومريم ولعازر. حيث ذكر بالكتاب المقدس قائلاً: "فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ." (مر 11: 11). وأيضًا تأكيد على أن يسوع المسيح كان يقيم في ذات القرية حيث ذكر بالكتاب المقدس قائلاً: "" وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ. "(لو 21: 37)

    وأربعين يوما من القيامة، جاءت لحظة الصعود حيث أخذ يسوع تلاميذه، ‏ وخرج بهم، ‏ لا إلى الهيكل الذي هجره الله بل بيت عنيا على جبل الزيتون. حيث ذكر الكتاب المقدس قائلاً: "وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ. آمِينَ". (لو 24: 50 – 53).

يقول القديس ثيوفيلكتوس: المسيح بكى أمام موت لعازر لرؤيته فساد الطبيعة البشرية بعد الخطيئة ودخول الموت والشكل الكريه للصورة (أندراوس الكريتي). لم يُكوَّن الإنسان ليموت، لكنّ الخطيئة أدخَلَت قابلية الموت. وحده المسيح، خالق الإنسان والنموذج الأوّل لخليقته، عرف كيف كان الإنسان عند خلقه ومدى الدناءة التي انحدر إليها بالخطيئة. ولكن حتّى عندما كان يبكي على أورشليم إذ فكّر بالأمور الآتية، فقد أظهر حنوّاً وخاصّة أنّه لم يرِد لسكانها أن يعانوا الموت بسبب ما كانوا مزمعين أن يعملوه له. لقد بكى أيضاً على تحجّر قلب أورشليم أو بالأحرى على تحجّر قلب سكانها

أن عيد إقامة لعازر مرتبط بشدة بدخول المسيح الغالب إلى أورشليم. إن إقامة لعازر هي مثال لقيامة المسيح بعد ثلاثة أيام وللقيامة العامة للجنس البشري، وفوق هذا، لقد تمّ الاستقبال الانتصاري للمسيح في أورشليم بالضبط لأن اليهود تعجبوا من هذا الحدث المذهل.

يشير القديس كيرلس الاسكندري في عظته في أحد الشعانين إلى العلاقة بين هذين العيدين السيدين كما إلى الفرق بينهما. فهو يقول أن بالأمس، في سبت لعازر، احتفلت بيت عنيا، بينما اليوم في أحد الشعانين فالكنيسة كلها تبتهج بحضوره الإلهي. بالأمس وهب المسيح الحياة للعازر واليوم هو يقترب من الموت. بالأمس أقيم الذي كان مائتاً لأربعة أيام واليوم هوذا الذي سوف يقوم بعد ثلاثة أيام آتٍ إلى أورشليم.

بالرغم من هتافات الشعب عند أقامة لعازر وتوقعاتهم من المسيح، فإن "المجيء الملكي" (القديس كيرلس الاسكندري) أي دخول المسيح إلى أورشليم مثل ملك، قد تمّ بتواضع عميق جداً. يرد وصف الأمور التي جرت عند دخول المسيح إلى المدينة حيث، بعد أيام قليلة، سوف يحتمل عذابات كثيرة وبالنهاية سوف يُصلَب ويقوم عند كل الإنجيليين (متى 1:21-11، مرقس 1:11-10، لوقا 28:19-41، يوحنا 12:12-16).

بيت عننيا التى أساسها سبط بنيامين (نحميا 11: 32). ولايــــزال قبر لعازر شاهد على هــــذه الأحـــــداث. ويقع خارج ساحة الكنيسة فرنسيسكانية تحيي ذكرى البيت الذي سكنته مرثا ومريم. ومن الجدير بالذكر أن الكنيسة بنيت على إنقاض ثلاث كنائس أكتشفت في بداية الخمسنيات من القرن المنصرم. على بعد 50 متراً من الطريق المؤدي إلى جبل الزيتون، منحوت في الصخر، وله مدخل علّوه نحو(3) أقــــدام ونصف وعرضه قدمان وفيه (24) درجة تنتهي إلى غرفة مساحتها (9) أقدام مربعة وداخلها أربعة نواويس.

كما توجد كنيسة للروم الأرثوذكس تم بناؤها في عام (1965م)، وهي تقسم إلى طابقين واحد علوي وأخر سفلي تذكرنا بمعجزة قيامة لعازر التي يمثلها حاجزين أيقونيين قام بصنعهما نجرون من اليونان. وبالقرب من موقع قبر صديق يسوع، وبجوار الكنيسة يوجد برج الحراسة الذي أنشاته الملكة "ميليسندا" لحماية الراهبات.