اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة قداسة البابا بطرس السابع البطريرك الـ ١٠٩ (٢٨ برمهات) ٦ ابريل ٢٠٢٥
فى مثل هذا اليوم من سنة 1568 ش. (5أبريل سنه 1852 م.) تنيح القديس البابا بطرس السابع البطريرك الـ ١٠٩ (بطرس الجاولى) ولد هذا الأب بقرية الجاولى مركز منفلوط، وكان اسمه أولا منقريوس. زهد العالم منذ صغره فقادته العناية الإلهية إلى دير القديس العظيم أنطونيوس فترهب فيه وتعمق في العبادة والنسك والطهارة كما تفرغ إلى مطالعة الكتب الكنسية وتزود بالعلوم الطقسية واللاهوتية الآمر الذي دعا إلى رسامته قسا علي الدير ففاق أقرانه في ممارسة الفضائل وتأدية الفرائض وقد دعي القس مرقوريوس، ثم رقي قمصا لتقشفه وغيرته وطهارة قلبه

ولما وصلت أخباره إلى مسامع البابا مرقس الثامن استدعاه إليه. وكان قد حضر جماعة من الأثيوبيين من قبل ملك أثيوبيا يطلبون مطرانا بدل المتنيح الأنبا يوساب مطرانهم السابق ومعهم خطابات إلى حاكم مصر والي البابا مرقس الثامن فبحث البابا عن رجل صالح وعالم فاضل فلم ير أمامه إلا القمص مرقوريوس فاختاره لمطرانية أثيوبيا فرسمه مطرانا إلا أنه في وقت الرسامة لم يقلده علي أثيوبيا بل جعله مطرانا علي بيعة الله المقدسة وسماه ثاوفيلس ورسم بدلا منه الأنبا مكاريوس الثاني مطرانا لمملكة أثيوبيا في سنة 1808

وبعد رسامة الأنبا ثاوفيلس مطرانا عاما استبقاه البابا معه في القلاية البطريركية، يعاونه في تصريف أمور الكنيسة وشؤون الأمة القبطية.

ولما تنيح قداسة البابا مرقس الثامن في يوم 13 كيهك سنة 1526 ش. (21 ديسمبر سنة 1809 م.) وكان الاساقفه موجودين بمصر فاجتمعوا مع أراخنة الشعب وأجمع رأيهم علي أن يكون خليفة له فرسموه بطريركًا في الكنيسة المرقسية بالازبكية بعد ثلاثة أيام من نياحة البابا مرقس أي في يوم الأحد 16 كيهك سنة 1526 ش. (24 ديسمبر سنة 1809 م.). ودعي أسمه بطرس السابع واشتهر باسم بطرس الجاولي في عهد الوالي محمد على باشا، وهو أول من وضعت عليه الأيدي في مركز البطريركية.

و اتصف هذا البابا بالتقوى والورع والتقشف والزهد، قليل الكلام مع هيبة ووقار، يقضي يومه منكبًا على المطالعة، أو مواظبًا على الصلاة من أجل سلام الكنيسة، ويروى أحد المقربين إليه أنه احتاج إليه في أمر فدخل عليه حجرته فوجده يصلى والدموع ملء عينيه وليس عليه من الملابس إلا ما يستره، ومن هنا أمر تلميذه بألا يدخل عليه أحد وهو منفرد.

لم يكن يهتم بما يأكل أو يشرب، حتى أنه اشتهى يومًا طعامًا فأحضروه له، فأمر بإبقائه حتى انتن، ومن ثم أكله مرغما مشمئز النفس، ليزيد النسك لنفسه وتبكيتا لها، ولم يكن يلبس عليه سوى الخشن من الصوف ولا ينام إلا على الأرض في الصيف وعلى دكة خشب في الشتاء، وكان يجدل الخوص أثناء فراغه

كان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة، ولا يخرج من دار البطريركية إلا إذا دعته الحاجة وإذا سار في الطريق وضع على وجهه لثامًا أسودًا، وإذا تكلم كان صوته منخفضا ولا ينظر إلى وجه سامعه، ولم يكن يرغب في حضور الأكاليل في المنازل، وإذ دعي لذلك دعا العروسين لحضور القداس في الكنيسة أولى لهما.

كان الأنبا بطرس منذ أن كان راهبا محبا للدراسة ومطالعة الكتب على اختلاف أنواعها، فلما تولى مقاليد الرياسة لم يكن للدار البطريركية مكتبة بالمعنى المعروف نظرا لما تعرضت له الكنيسة في ألازمنه السالفة من نهب وتخريب، فأخذ يجمع المراجع التاريخية والإسفار اللاهوتية والطقسية من جهات متفرقة، حتى حصل منها على مجموعة ثمينة، كان من بينها عدد من المخطوطات النادرة التي لا تقدر بمال، ولما ازداد رصيده من هذه المجلدات النفيسة أعد لها مكانا في المقر البابوي يتناسب مع قيمتها، وأخذ بنفسه يرتبها ويرصها، ووضع لها سجلًا خاصًا.

كما كلف عددا من مشاهير النُسَّاخ بنسخ الكتب الفريدة التي جاء بأصولها من دير القديس الأنبا انطونيوس ومن الكنائس الأثرية في القاهرة، كما كتب عدة مقالات في التثليث والتوحيد لتثبيت المؤمنين.

و قد أضاف هذا البابا إلى صفاته هذه صفة الحلم في الرئاسة والحكمة في التصرف وفي الكلام، فأصبح موضع احترام لدى الكل، ورضي عنه محمد علي وبذلك حصل للأقباط على الأمن والرفاهية، ونجح الأقباط في عهده في الوصول إلى المناصب الإدارية الرفيعة وإقامة شعائرهم الدينية وباشروا عبادتهم في حرية وكانوا يخرجون موتاهم وأمامهم الصليب بدون خوف.

وكان في النوبة 17 إيبارشية أيام أن كان أهلها يدينون بالمسيحية، فلما خضعت لمصر بعد الفتح العربي ودخلها الإسلام ابتدأت بحكومة إسلامية، ولما فتحها محمد علي باشا 1820 كان لا يزال فيها آلاف من الأقباط، وعاد الذين تظاهروا بإنكار الديانة المسيحية إلى الاعتراف بها، وطلبوا أن يرسم لهم أساقفة، فرشم لهم البابا بطرس أسقفين.

و حارب السيمونية ورسم كثيرًا من الأساقفة والكهنة، وفي مدته تجددت كثير من الكنائس في الوجهين البحري والقبلي ومطرانين للحبشة ومن أشهر الأساقفة في عهده:

الأنبا يوساب الاطينتى - الأنبا أثناسيوس الغمراوى - الأنبا توماس المليجي - الأنبا صوابامون الشهير بأبي طراحة.

وفي عهده أجرى الله على يدين كثيرا من المعجزات بين الناس وبين الحكام، منها:
انه حدث جفاف ولم يفض نهر النيل، فطلب منه الوالي أن يصلي من أجل مياه النهر، فأخذ بعض الأساقفة والكهنة والشعب، ورفع القرابين على ساحل النيل، وبعد نهاية الصلاة ألقى بالمياه التي غُسلت بها أواني المذبح في النيل، فارتفع للحال منسوبه حتى بلغ موضع الصلاة وأسرعوا برفع خيمة الصلاة.

و ايضا حدث انه وشى البعض (غالبًا من اليهود) أن ما يدعيه المسيحيون بأن النور يظهر من القبر المقدس هو غش وخداع. و كانت علاقة إبراهيم باشا بالبابا بطرس يسودها الحب والصداقة والاحترام المتبادل، وعندما احتل إبراهيم باشا بلاد القدس وإذ كان إبراهيم باشا يثق في البابا بطرس أرسل إليه يستدعيه من مصر وقد استقبله بحفاوة مع قواده وحاشيته ثم أخبره عن سبب استدعائه له، طالبًا منه أن يظهر النور على يديه لا على يديْ بطريرك الروم. وإذ شعر إبراهيم باشا أن هذا يسبب نزاعًا وانشقاقًا، خاصة وأن بطريرك الروم جاء يستقبل البابا بطرس بمحبة كبيرة طلب أن يكون الاثنان معًا، وكان هو معهما وقد وقف الجند في الخارج ليتأكدوا من حقيقة الأمر.

و صام بطريرك الروم وبطريرك الأقباط بروح المحبة ثلاثة أيام كالعادة ودخلوا القبر يصلون ومعهم الباشا وإذ بالنور يشع، فبُهر الباشا وارتمى على صدر البابا، وإذ كان الكثيرون خاصة الفقراء في الخارج بسبب الازدحام الشديد، ظهر النور في نفس الوقت خلال أحد الأعمدة ليراه الكل، ولا يزال العمود المشقوق إلى يومنا هذا.

هذا الحادث أضاف إلى صداقة الباشا للبابا حبًا أكثر وتكريمًا

و حدث انه جاءه رجل يشتكي زوجته، قائلًا له إنه تزوج بعروسه وفي اليوم الثاني من الزواج اضطر أن يتركها لمدة خمسة أشهر دون أن يقترب إليها بسبب ظروف عمله، ولما عاد وجدها حُبلى، ولما سألها عن سرّ حبلها استهانت به واستخفت لعلمها بمقام والدها ومركزه وغناه. استدعى البابا السيدة وصار يسألها فأصرت أن الحمل من زوجها، ولم يكن أمامه إلا القول: "الذي من الله يثبت والذي من الشيطان يزول". وبالفعل ما أن تركت دار البطريركية في الدرجة الأخيرة من السلم حتى سقط الجنين، فعرف أمرها وحكم للرجل بالطلاق بسبب علة الزنا. وإذ تقدم والدها للبابا، قال له: "ليس بينكم أحد أقوى من الضعيف متى كان معه الحق، ولا أضعف من القوى متى كان معه الباطل".

ومن شدة طهارة هذا البابا حدث انه جاءه إنسان يشكو له أنه تزوج فتاة، وقد اكتشف أنها ليست بكرًا، فلم يفهم البابا ماذا يقصد بذلك، ولما كرر له القول ولم يدرك جاء إليه بلبن عليه طبقة من "القشطة" لم تُمس، ثم وضع إصبعه في هذه الطبقة ليوضح له الفارق بين العذراء بغشاء بكوريتها ومن فقدت بكوريتها، عندئذ قال البابا: "لعن الله اليوم الذي عرفت فيه الفارق بين البكر وغير البكر"، ثم طلب أن يُنظر في دعواه.

و لما كان محمد علي موفقًا في فتوحات شرقًا وغربًا خشيت الدول الأجنبية من هذا، ومنها روسيا التي قدرت سوء الموقف لو استمر في فتوحاته، ففكرت أن تستعين بالأمة القبطية في الوصول إلى أهدافها ضد محمد علي باعتبار مسيحيتها، فأرسلت أميرًا روسيًا يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس لشعبه.

فذهب هذا المندوب الروسي إلى الدار البطريركية ظنا منه أنه سيرى رئيس أكبر أمة مسيحية في أفريقية بحالة تدل على عظمة، وكانت أخبار هذه الزيارة قد وردت إلى البابا من قبل ولكنه لم يأبه، ولما وصله المندوب الروسي رأى إنسانًا بسيطا يحمل الكتاب المقدس بين يديه يقرا فيه وهو يرتدى زعبوطًا خشنًا جالسًا على دكة خشبية وحوله مقاعد مبعثرة، ولم يبال به فسأله في شك: "هل أنت البطريرك"؟!

فلما عرف منه طلب إليه أن يجلس بجواره، فجعل المندوب يتفرس فيه وهو لا يصدق أنه يجالس البطريرك وبدأ المندوب يسأله لماذا يعيش بهذه البساطة ولا يهتم بمركزة في العالم المسيحي فأجابه البابا (ليس الخادم أفضل من سيده، فأنا عبد يسوع المسيح الذي أتى إلى العالم وعاش مع الفقراء ولأجلهم، وكان يجالس الخطاة ولم يكن له أين يسند رأسه، أما أنا فلي مكان أقيم فيه واحتمى فيه من حر الصيف وبرد الشتاء، لم يكن للمسيح ارض ولو أنه ملك السماء والأرض ولم يكن له مخزن فيه موؤنة، وها أنا آكل وأتمتع فهل هناك أفضل من هذا؟ فبعد تعجب من المندوب، بدأ يعرض على البابا في بساطة الحمايه من قبل ملك روسيا فاجابه قداسة البابا قائلا: "وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟ قال له: لا يا سيدي البابا بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر. فأجابه: "إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت وأما نحن تحت رعاية ملك لا يموت وهو الله". حينئذ لم يسع المندوب الروسي إلا أن ينطرح تحت قدميه واخذ يقبلها وتركه وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط وقال " لم تدهشني عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزني كل ما في هذا القطر من العجائب بقدر ما هزني ما رأيته في هذا البطريرك القبطي. ولما وصل نبأ هذه المقابلة إلى مسامع محمد علي سر جدا وذهب إليه ليهنئه على موقفة وما أبداه من الوطنية الحقة، فقاله له البابا (لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده) فقال له محمد علي والدموع في عينية (لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك فليكن لك مقام محمد علي في مصر، ولتكن مركبة معدة لركبك كمركبته)

و حصل خلاف بين الأنبا سلامة مطران الحبشة وبين ملكها بسبب أنه لما فتح محمد علي السودان سنه 1820 طلب النجاشي من البابا بطرس رسم الكهنة على الحدود للحبشة، فَلِبُعد المسافات كلف الأنبا سلامة باختيار الكهنة، فرسم الأنبا سلامة من العلمانيين الأقباط العدد المطلوب على الطقس القبطي، فلم يرض بهم الكهنة الأحباش الذين معه ونصحهم ليعودا إلى معتقدهم الصحيح فرفضوا، فهددهم بتطبيق شريعة الكنيسة وعقوباتها، فحاولوا شكايته لدى البابا فشجعه البابا على موقفه.

فدار الأحباش من ناحية أخرى ليلعبوا بمسألة دير السلطان بالقدس، مستغلين شقاقًا وقع بين الأحباش والرهبان في الدير، حتى وصلت إلى الشجار بالأيدي، فأخرج الرهبان الأقباط الأحباش خارج الدير وأغلقوا الباب، فحاول الأحباش الدخول عنوه، فذهبوا إلى القنصل الإنجليزي ليشكوا الأقباط، وكانت بريطانيا تكره محمد علي والأقباط والمصريين جميعا فناصرهم القنصل الإنجليزي لدرجة أنهم ادعوا ملكية الدير وأن الذي أسسه هو ملك الجيش، وأوعز القنصل للجيش بأن يرفعوا تظلماتهم إلى السلطان العثماني، وكان السلطان في تلك الفترة يكره المصريين فسار منهم مجموعة إلى القسطنطينية وأراد البابا أن يحتوى الموقف فأرسل مندوبًا عنه إلى ملك الحبشة، لأنه أراد أن يذهب هو بنفسه ولكنه كان شيخًا لم يستطيع السفر فأرسل بدلًا عنه القس داود (قداسه البابا كيرلس الرابع فيما بعد) على أساس أنه إذا نجح في مسعاه يرسمه مطرانا هناك.

إلا أنه ما أن وصل إلى هناك حتى مرض البابا بطرس وأوشك على الموت ونصح بأن داود هو الذي سيخلفه، فأرسلوا إليه يستحضروه من الحبشة فحضر بعد وفاته بأكثر من شهرين

بركه صلاته تكزن معنا كلنا امين...
و لالهنا المجد دائما ابديا امين...