بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
تقوم قرية سلوان على جوانب الجبل. التنزه في شوارع القرية يوفر لنا الفرصة لمشاهدة مناظر البلدة القديمة وصهيون والحرم الشريف. سكن العديد من النساك الذين كانوا يقطنون كهوف المنطقة في العهد البيزنطي. وما زالت الكتابات على الجدران تثبت وجودهم إلى اليوم. حوالى عام 1500 سكنت الكهوف بعض العائلات العربية الفقيرة وابتدأت بذلك القرية الحالية. في هذه القرية نجد اقدم القبور التى ترجع إلى ما قبل السبي إلى بابل.
في التاريخ الكتابى
ما أن أختير داود ملكا لإسرائيل حتى وضع نصب عينيه مدينة اليبوسيين كمكان مثالي لعاصمته. لكن المدينة التي بنيت على حافة الصخر كانت شامخة لا يستطيع أحد اقتحامها.
1 أخبار 11 : 6 فتحدّي داود جنوده وقال: " الذي يضرب اليبوسيين أولاً يصبح قائدا وأميرا ". فتسلل يوآب في الظلمة إلى داخل المدينة ربما عن طريق البئر السري الذي يؤدى إلى نبع جيحون. فكافأه داود وجعله قائد جيشه.
1 ملوك 1 : 38 تمّ تعيين سليمان ملكاً في أظلم مضايق النبع بحسب أمر أبيه داود " نزل صادوق الكاهن وناثان النبي ... فوضعوا سليمان على جحش داود وحملوه إلى جيحون. وتناول صادوق قرن الزيت من الخيمة ومسح سليمان على صوت نفيخ البوق. وصاح الحاضرون: " يحيا الملك سليمان!". تمّ في أوائل الحقبة الملكية حفر قناة تحمل المياه إلى بساتين الملك وسُميت قناة الملك آحاز. كانت هذه القناة عديمة الفائدة في الحروب بل كان الأعداء يستخدمونها لراحتهم.
2 ملوك 20 : 20 لهذا قام الملك حزقيا بإغلاقها وحفر بدلاً منها نفقا داخليا يحمل المياه من النبع إلى المدينة مباشرة ليصب في بركة سلوان. إذا ما نزلنا في الطريق التي تؤدى إلى بركة سلوان نشاهد بعد نبع جيحون الصخرة التي قامت عليها مدينة داود. عند نهاية الصخرة تصعد بنا الطريق التي إلى اليمين نحو بركة سلوان نجد فتحة " قناة آحاز" التي حملت المياه إلى بساتين الملك
عين (بركة) سلوان:
وهي من أشهر عيون المياه التي تمد مدينة “القدس” باحتياجاتها منها، وتعرف بالعديد من الأسماء؛ منها عين “جيحون” يعني الاسم "النبع / الأصل" وهو ايضا اسم أحد أنهار الجنة الأربعة " (تك 2 : 13) وقد اعتاد المسيحيون تسميته " نبع ستنا مريم " أما المسلمون فيسمونه أمّ الدرج. وعين “العذراء.”
تقع البركة والنفق مباشرة خارج أسوار المدينة القديمة من الشرق في قرية سلوان المجاورة. عند التقاء وادي تيروبيون بوادي قدرون. تأتيها المياه من نبع جيحون ومن المحتمل أن بانيهما هو حزقيا، ملك يهوذا أثناء الغزو الآشوري لفلسطين في اواخر القرن الثامن قبل الميلاد. لضمان تدفق مياه عين سلوان "عين جيحون" وهي المصدر الرئيسي للمياه في مدينة اورشليم، وحمايته من الغزاة الآشوريين.
ننزل عبر قوس 120 درجة فنبلغ بابا حديديا مغلقا يمنعنا من بلوغ النبع الحقيقي. في تلك المنطقة يبدأ الجزء الأقدم من السلم والذي يأخذ في الضيق حتى يحملنا إلى بركة مهترئة بفعل الزمن والرطوبة.
وطول النفق 550 متراً ويمكن السير فيه وتعد البركة مقدسة لدي المسيحيين ايضا لأن يسوع بعث الرجل الأعمى ليغسل الطين عن عينيه بمياهها فاستعاد بصره (يوحنا 9). ويبلغ طولها 58 قدمًا، وعرضها 18 قدمًا وعمقها 19 قدمًا، وجوانبها مبنية بالأحجار - ولو أن جانبها الغربي تحطم، وفيها ماء جار ملح المذاق، ولو أنه اليوم غير نقي لأن الغسالات يغسلن فيه، كما يغطس فيه الدباغون جلودهم في قناة ملتوية منحوتة في الصخر 1708 قدمًا ويفيض الماء ليروي بعض الحدائق في وادي قدرون.
كان هذا النبع الشاهد الوحيد على تلك المدينة التي بنيت أسوارها فوق نبع الماء تاركة إياه خارج أسوار المدينة. ولكي يمنعوا ولوج الأعداء منه خلال الحرب قام سكان الألف الثاني ق.م. بحفر بئر تسمح لهم بانتشال المياه من النبع مباشرة وأغلقوا مدخله.
وهى إيضا بركة سلوام هو اسم عبراني معناه "مُرسَل"، وهو اسم البركة القريبة من أورشليم والتي يطلق عليها اسم شيلوه (اشعياء 8: 6) والتي تجري مياهها في هدوء وسكوت، وتقع عند جنينة الملك (نحميا 3: 15) ولو أن هذا لا يحدد موقعها بالضبط. ويقول المؤرخ يوسيفوس أنها تقع أسفل وادي الجبانين،
كانت تنزل إلى هذه البركة طريق ودرجات تنطلق من جانب الهيكل عبر وادي تيروبيون. وكان الكهنة والشعب في عيد المظال يمضون بإحتفال مهيب إلى البركة لنشل المياه بكأس ذهبية يسكبونها فيما بعد على الهيكل. هذا العمل يرمز إلى المياة العجيبة التي جعلها موسى تنبع من الصخر في الصحراء (خر 17 : 3، عدد 20 : 7). وأخذ يسوع من هذا الاحتفال الدافع للحديث عن " الماء الحي".
وقد اعتاد اليهود في احتفالهم باليوم الأخير العظيم من عيد المظلات أن يذهب كاهن بإبريق من ذهب إلى بركة سلوام، ويغترف به ثلاث مرات من الماء، ثم يعود بالإبريق المليء في موكب عظيم إلى الهيكل مجتازًا باب الماء، ثم يصب الماء في وعاء فضي على جانب المذبح الغربي وسط الترنيم: "احمدوا الرب فإنه صالح، وأن إلى الأبد رحمته". ولعل المسيح أشار إلى هذا الاحتفال عند قوله: "إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب" (يوحنا 7: 37، 38). وقد أرسل المسيح الرجل المولد أعمى في يوم السبت إلى البركة ليغتسل فيها فيبصر (يوحنا 9: 7-11).
وقد ذكرها الرحالة كثيرًا في كتبهم منذ وقت مبكر من التاريخ، وذهب البعض إلى أن مياهها قادرة على شفاء الأمراض، وقد قام الخليفة “عثمان بن عفان” بوقف مياه العين على فقراء مدينة” القدس”، ويقال إنها أيضًا وقف لأحد خلفاء بني أمية.
وقد أعطى الصليبيون أهمية خاصة لعين الماء هذه أثناء فترة احتلالهم للمدينة لاعتقادهم أن السيدة “مريم العذراء” قد قامت بغسل مالبس السيد المسيح وهو صغير، وقد أطلق المقدسيون على عين المياه هذه اسم” عين أم الدرج”؛ لأنَ الوصول إليها يتم عن طريق درج أو سلم.
وقد دخل صبي من جانب القناة المواجهة للبركة، فأكتشف ستة سطور من الكتابة في عام 1880، وبعد فحص الكتابة أتضح أنها باللغة العبرية القديمة، وترجع إلى زمن حزقيا الملك، ولو أن بعض السطور قد محيت بمرور الزمن، إلا أن المعنى المقصود من الكلام المنحوت واضح، وهو أن العمال بدأوا ينحتون الصخر من جانب العين ومن جانب البركة وظلا يعملان حتى التقيا أخيرًا، ووصل ماء النبع إلى البركة.