عرض- جورج أنسي
تطرح التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعى تحديات قانونية غير مسبوقة، خاصة فيما يتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية عن الأفعال التى قد ترتكبها الروبوتات أو أنظمة الذكاء الاصطناعى.

 ومن هنا تأتى هذه الدراسة المهمة التى ضمها هذا الكتاب الصادر أخيرًا تحت عنوان" الذكاء الاصطناعى والروبوتات: المسؤولية الجنائية والتحديات القانونية في العصر الرقمى" للمستشار نبيل غبريال، المحامى بالنقض، والذى يعد من المؤلفات العلمية الرائدة التي تسلط الضوء على الإشكاليات القانونية الناشئة عن استخدام الذكاء الاصطناعى والروبوتات فى مختلف المجالات، خاصة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية عن الجرائم التى قد تُرتكب بسبب هذه التقنيات.

فقد شهدت السنوات الأخيرة تطورًا مذهلاً فى مجال الذكاء الاصطناعى، حيث أصبحت الروبوتات قادرة على تنفيذ مهام كانت سابقًا حكرًا على الإنسان، حيث دخلت هذه التكنولوجيا فى العديد من القطاعات، كالقطاع الطبى، وتم توظيف الروبوتات في العمليات الجراحية والتشخيص الطبي والعلاج الطبيعى.
كما تدخل الذكاء الاصطناعى فى القطاع الصناعى، بإعتماد المصانع على الروبوتات فى عمليات الإنتاج والتصنيع، وأيضًا فى القطاع التعليمى، من خلال توظيف الذكاء الاصطناعى فى تطوير نظم تعليمية ذكية تساعد على تحسين مستوى التعليم، وكذلك الحال فى المجالات العسكرية والأمنية، بتطوير روبوتات قتالية وطائرات مسيرة تعتمد على الذكاء الاصطناعى فى اتخاذ القرارات، وأخيرًا أصبح من الشائع استخدام الروبوتات فى الخدمات المنزلية والترفيهية كأعمال التنظيف، الطبخ، والألعاب التفاعلية.

ورغم الفوائد الهائلة التى تحققها هذه التقنيات، إلا أن هناك مخاوف متزايدة من الأضرار المحتملة التى قد تنجم عن استخدامها، سواء بسبب أخطاء برمجية، أو قرارات خاطئة تتخذها الروبوتات، أو حتى بسبب الاستخدام المتعمد أو غير المسؤول من قبل البشر.

ولعل السؤال الجوهرى هنا هو: من المسؤول قانونيًا عن الجرائم التي قد تنتج عن هذه التقنيات؟هل يُحمَّل المُصنِّع المسؤولية إذا كان هناك عيب في تصميم الروبوت؟ هل يُحاسَب المبرمج إذا تسببت خوارزميات الذكاء الاصطناعى فى اتخاذ قرارات غير قانونية؟هل يقع اللوم على المستخدم إذا أساء استعمال الروبوت؟ أم هل يمكن اعتبار الروبوت نفسه مسؤولًا جنائيًا إذا كان يتمتع بقدر من الاستقلالية في اتخاذ القرار؟

كل هذه الأسئلة تفتح الباب أمام جدل قانونى واسع، خاصة أن بعض الروبوتات أصبحت قادرة على التعلم من تجاربها السابقة واتخاذ قرارات بناءً على تحليل البيانات، مما يجعلها أقرب إلى الكيانات المستقلة في سلوكها.

ولذلك يناقش الكتاب النظريات الفقهية المختلفة التي يمكن تطبيقها على قضايا المسؤولية الجنائية المرتبطة بالذكاء الاصطناعى، ولعل من أبرز هذه النظريات:
1. نظرية المسؤولية المباشرة: التى تحمل الإنسان (سواء المُصنِّع، أو المبرمج، أو المستخدم) المسؤولية الكاملة عن أى أضرار أو جرائم تنتج عن الروبوتات.
2. نظرية المسؤولية غير المباشرة: التى تفترض وجود خطأ فى التصميم أو البرمجة أدى إلى وقوع الجريمة، مما يجعل المسؤولية تقع على الشركة المصنعة أو المطور.
3. نظرية المسؤولية المشتركة: التى تقسم المسؤولية بين الأطراف المتدخلة فى العملية، وفقًا لمدى تأثير كل منهم على تصرف الروبوت.
4. نظرية المسؤولية الذاتية للروبوت: التى تفترض إمكانية منح الروبوتات شخصية قانونية خاصة، مما يجعلها مسؤولة عن تصرفاتها، كما هو الحال مع الشركات القانونية التى تُعتبر كيانًا قانونيًا مستقلاً.

ويعرض المؤلف لرؤية بعض الفقهاء بأن التطور الحالي للذكاء الاصطناعى قد يستوجب إعادة النظر فى القواعد القانونية التقليدية، بحيث يتم تطوير إطار قانونى جديد يأخذ في الاعتبار الخصائص الفريدة لهذه التكنولوجيا.

كما يؤكد الكتاب على الحاجة الملحة إلى تطوير منظومة تشريعية متكاملة تتضمن تحديد المسؤوليات القانونية بشكل واضح لجميع الأطراف المتدخلة فى تصنيع وبرمجة وتشغيل واستخدام الروبوتات، وضع معايير أخلاقية وقانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعى، بما يضمن عدم تجاوزها للحدود المسموح بها قانونيًا، تطوير آليات رقابية فعالة لمتابعة أداء الروبوتات والتأكد من التزامها بالقوانين، وأخيرًا استشراف المستقبل ووضع قوانين مرنة وقابلة للتكيف مع التطورات السريعة فى هذا المجال.

 هذا الكتاب يعد مرجعًا علميًا مهمًا لكل الباحثين والمختصين فى القانون الجنائى و إضافة نوعية مهمة للمكتبة القانونية المصرية والعربية على السواء ، خاصة أنه يعالج موضوعًا حديثًا يفتقر إلى دراسات شاملة، مما يجعله أحد المراجع الأساسية التى يمكن أن يعتمد عليها الباحثون وطلاب الدراسات العليا فى بحوثهم ودراساتهم المستقبلية، حيث يوفر تحليلًا دقيقًا وعميقًا للمسائل القانونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعى والروبوتات، كما أنه يقدم مقارنة بين القوانين الدولية والمحلية، مما يساعد على فهم كيفية تعامل الأنظمة القانونية المختلفة مع هذه التحديات.

إنها  رؤية قانونية متكاملة يقدمها المستشار نبيل غبريال، لمستقبل المسؤولية الجنائية فى ظل العصر الرقمى، بما يساهم في بناء إطار قانونى أكثر عدالة وشمولية لهذا المجال المتنامى.