د. سامح فوزى
كثر الحديث فى جلسة مكافحة التمييز فى الحوار الوطنى الأحد الماضى عن أهمية تنفيذ الاستحقاق الدستورى بإنشاء مفوضية مناهضة التمييز، الوارد ذكرها فى المادة (53) من دستور 2014، وتعددت المشروعات المقدمة من المشاركين فى هذا الخصوص، وهو ما يعكس وجود رغبة حقيقية فى القضاء على أشكال التمييز، ما ظهر منها وما بطن. وأهم ما يتصف به التمييز هو القدرة الشديدة على التحور، مثل الفيروسات الخطيرة، حيث يعيد إنتاج نفسه، فقد يكون قانونيًا ظاهرا، أو اجتماعيًا مستبطنًا فى العلاقات بين الناس، أو ثقافيا مستقرًا فى الأذهان، أو عرفيًا يُمارس دون سند من قانون أو قرار، ويستمد قوته من تواتر السوابق، وقوة العادة.
ويُعد إنشاء مفوضية مناهضة التمييز بكل أشكاله خطوة مؤسسية مهمة، لاسيما أنها التزام دستورى يجب الوفاء به. وفى تقديرى هناك ثلاثة أدوار ينبغى على المفوضية القيام بها هى التوعية، ومراجعة التشريعات والقرارات الإدارية، وتلقى وبحث شكاوى الناس. فمن ناحية أولى، تعد التوعية، أو الارتقاء بوعى الناس من خلال التعليم والثقافة والإعلام ضرورة أساسية، حتى يدركوا ممارسات التمييز التى يقترفونها فى حق غيرهم، وما يصدر عنهم من آراء تحض على الكراهية أو أقوال تحط من شأن الآخرين دون وعى منهم. ويتعين أن تقوم المفوضية- ثانيًا- بمراجعة التشريعات والقرارات حتى يتسنى الوقوف على أوجه التمييز، والاخلال بالمساواة بين المواطنين فى بعض منها، وهى شكوى دائمة من جانب المرأة – على سبيل المثال- فى وجود نصوص قانونية تمييزية حيالها، وثالثا، تتلقى المفوضية شكاوى الناس فيما يتعرضون له من ممارسات تمييزية، وهى مسألة مهمة تحتاج إلى التحقيق فيها فى ظل ضوابط مؤسسية معينة، حتى لا نُفاجأ بأن المفوضية تتلقى يوميًا آلاف الشكاوى، الكثير منها كيدى وغير جاد، مما يسبب حالة إرهاق مؤسسى شديد لها، ويقلص من حركتها.
وإذا كانت هذه المهام الثلاث هى جوهر عمل مفوضية مناهضة التمييز المُقترح إنشاؤها، فإن هناك اشتراطات أساسية بنيوية تضمن لها الفعالية:
أولا:الاستقلال المؤسسي، وهو ما يتحقق من خلال وجود ميزانية مستقلة، وكادر إدارى خاص بها، ومقر لها فى العاصمة، ومقرات فرعية فى مختلف المحافظات تستطيع من خلالها أن تمارس عملها، ويكون رئيسها مٌعينا من قبل رئيس الجمهورية بعد ترشيح مجلس النواب له، ويكون متفرغًا وغير قابل للعزل خلال مدة عمله التى سوف ينص عليها فى قانون إنشاء المفوضية.
ثانيا: وجود الكادر الإدارى المناسب والمؤهل الذى يمكنه أداء المهام المتعددة المنوطة بالمفوضية، من توعية ثقافية، ومراجعة التشريعات والقرارات، وتلقى وفحص شكاوى المواطنين، وهى مهام تتطلب جهازا إداريا كفئا، ليس فقط فى العاصمة أو المدن الكبرى ولكن أيضًا فى الأقاليم حتى لا يتكبد المواطن البسيط تكلفة الانتقال من محل إقامته إلى المدينة لتقديم شكوى، أو تكون هناك وسائط الكترونية تسهل التواصل بين مقدم الشكوى والمفوضية.
ثالثا: يحق للمفوضية – بحكم اختصاصاتها- طلب بيانات أو معلومات من الجهات الإدارية فيما يتعلق بالشكاوى التى تفحصها، بما فى ذلك مناقشة الأشخاص المعنيين بالأمر فى الجهاز الإدارى بعد استئذان السلطة المختصة، ويمكنها أن تطلب من المؤسسات العامة اتخاذ إجراءات تصحيحية لمواجهة حالات التمييز التى يثبت حدوثها، وإذا لم تمتثل لذلك، يصير للمفوضية الحق فى مخاطبة الجهات الرقابية، وأن ترفع تقريرها إلى مجلس النواب حول مدى تعاون الإدارة الحكومية معها.
رابعا: تمتع المفوضية بالحق فى مخاطبة النيابة العامة فيما يقع تحت يديها من وقائع موثقة بحدوث تمييز ضد مواطنين، ويطالب البعض بأن تكون هناك نيابة مختصة بالنظر فى قضايا التمييز أسوة بقضايا الأسرة، ويحق أيضا للمفوضية طلب تعويض للمواطنين المضارين من التمييز أمام المحاكم.
بالطبع، هناك الكثير من التطبيقات العالمية لمفوضيات مماثلة لمناهضة التمييز، يمكن للمشرع الاطلاع عليها، والإفادة منها دون نقل حرفى لتجارب الآخرين، ولكن من خلال مقاربة ابتكارية فى ضوء ظروف وتحديات المجتمع المصري..وسوف يظل الهدف الأساسى هو مواجهة التمييز، وقد خطت الدولة بالفعل خطوات ملموسة فى سبيل مواجهته فى السنوات الماضية، وهو ما يستلزم أن تكون المفوضية المزمع انشاؤها فاعلة، ولا تتحول إلى كيان مؤسسى شكلى
نقلا عن الاهرام.