كتب - محرر الاقباط متحدون
 
"إختار الربّ يسوع إثنين وسبعين آخرين، وأرسلهم،.. وأعطاهم مهمّة وتوصيات" 
(لو 10: 1 و 3). 
 بالإضافة إلى الرسل الإثني عشر، أساقفة العهد الجديد، إختار يسوع إثنين وسبعين آخرين من الذين تبعوه وتتلمذوا له. إنّهم بمثابة الشعب المسيحيّ الأوّل في الكنيسة الناشئة. هؤلاء سيتكاثرون يومًا بعد يوم بسرّي المعموديّة والميرون. ومنهم يواصل الربّ يسوع اختيار كهنة وأساقفة، ويمنحهم سلطان التعليم والتقديس والتدبير. كما يختار أيضًا رهبانًا وراهبات ليتكرّسوا لخدمة المحبّة بالنذور الرهبانيّة: الطاعة والعفّة والفقر، ويشاركوا في مهمّة التعليم والتقديس والتدبير، بالتنسيق مع الأساقفة والكهنة، وفقًا لحاجات الكنيسة والمجتمع.
 
وكشف الربّ يسوع عن الحاجة إلى مثل هؤلاء المدعوّين وقال: "الحصاد كثير والفعلة قليلون، فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يخرج فعلة لحصاده" (لو 10: 2). فلنواصل نحن هذه الصلاة. فالحصاد الكثير هم شعوب الأرض؛ و"الفعلة القليلون" هم الأساقفة والكهنة الغيورون والأمناء على رسالتهم؛ وهم الرهبان والراهبات الملتزمون بنذورهم ورسالتهم وسيرهم على خطى المسيح نحو المحبّة الكاملة؛ وهم المسيحيّون الأمناء لمعموديّتهم ولتعليم الإنجيل والكنيسة، والعاملون على تطبيقه في الشؤون الزمنيّة.
 
فيما نرحّب بكم جميعًا، ونحتفل معًا بهذه الليتورجيا الالهية، ونحي ذكرى القديسين شربل ومارينا، فقد آلمتنا جدًا، كما الكثيرين، حادثة السير في بلدة عرسال التي أوقعت ثمانية قتلى، سبعة منهم من عائلة واحدة وخمسة جرحى. اننا نصلّي لراحة نفوسهم، ولعزاء آهاليهم، ولشفاء الجرحى.
 
إختارهم وأرسلهم للقيام بالرسالة الموكولة منه إليهم: "كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضًا" (متى 28: 18). وأضاف: "أرسلكم كالخراف بين الذئاب" (لو 10: 3). يقول الربّ هذا لا لتخويفهم، بل لتشجيعهم بسببين: 
الأوّل، لأنّ المسيح الراعي الصالح، لا يخاف على القطيع من الذئاب. فهو يسهر على الخراف، يحميها، يدافع عنها، كبيرها وصغيرها (راجع يو 10: 12-13). يسوع راعٍ للجميع: لعامّة الناس، للرؤساء، للمعلّمين، للشباب، للاطفال.
 
الثاني، لأنّه يخلّصهم من كلّ شرّ، ويروّض بقدرته ونعمته الحيوانات الضارية. يحوّل الذئاب إلى حملان، يجعل المضطهِدين مبشِّرين، مثل شاول بولس، والمسيئين شركاء في أعمال الخير والتقوى، والخطأة قدّيسين مثل أغسطينوس، إنّه "أتى ليجعل كلّ شيء جديدًا" (رؤيا 21: 5).
 
ويعطيهم الربّ يسوع توجيهات بمثابة مقتضيات للرسالة وهي:
نهج الفضيلة الرسوليّ، لا الهمّ بشأن الأمتعة الماديّة، ما يعني أن "نلقي الهمّ على الربّ، فهو يعولنا" (مز 55: 23). فيسوع يعطي القدّيسين كلّ ما هو ضروريّ للحياة (القدّيس كيرللس الإسكندريّ). 
التجرّد من المال ليكونوا مبشّرين، لا رجال أعمال.
إعلان سلام المسيح لجميع الناس. 
السعي إلى الواجب الرسوليّ،  من دون أيّ شيء يعيقه: "لا تسلّموا على أحد في الطريق" (الآية 4). السلام على الآخرين في الطريق والتحاور معهم أمر جيّد. لكنّ أداء واجباتنا لله أفضل وأبدى. ليست الواجبات الإجتماعيّة واللياقات أفضل من واجب العبادة لله (القدّيس أمبروسيوس). 
 
لا يستطيع أن ينسى متعاطو الشأن السياسيّ أنّهم هم أيضًا مؤتمنون على رسالة خدمة الخير العام، الذي يتوفّر فيه خير الجميع وخير كلِّ مواطن. كيف نوفّق بين هذه الرسالة ونقيضها؟ فالواقع عندنا لا يجهله أحد. وهو أن الأزماتِ المعيشيّةَ المتناميةَ لا تُوفِّرُ عائلةً لبنانيّةً مهما كان وضعُها المالي. وهذا ظاهر للعيان: في أزَماتِ الطحينِ والخبزِ والكهرباءَ والماءِ والموادّ الغذائيّة، وأقساطِ المدارس، والدواءِ ومُستلزماتِ الـمُستشفياتِ وعودةِ وباءِ كورونا، والتخبّطِ في معالجةِ أجورِ موظّفي القطاعِ العامِّ وسطَ استنسابيّةٍ في الزياداتِ تُناقضُ مفهومَ المساواةِ بين المواطنين والموظفين. ويَترافق ذلك مع الالتباساتِ حولَ مفاوضاتِ ترسيمِ الحدودِ البحريّةِ بين لبنان وإسرائيل. وفي هذا المجال، ليس بمقدورِ لبنان أن يَنتظرَ طويلًا ليَستخرجَ الغازَ والنفطَ، فيما تقومُ إسرائيل بذلك. ونتمنّى على الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ، الدولةِ الوسيط، أنْ تَحسِمَ الموضوعَ مع إسرائيل، فلبنان قَدّمَ الحدَّ الأقصى من أجلِ إنجاحِ المفاوضات.
 
أمام هذا الواقع، يَنتظرُ الشعبُ اللبنانيُّ حلولًا إنقاذيّةً، فتأتيه مشاكلُ تَزيدُ من فَقره. يأملُ أن تَنحَسِرَ عنه الأزَماتُ، فتُطِلُّ كلَّ يومٍ أزمةٌ جديدة. يَترقّبُ أن يَتوجّه إليه المسؤولون ويُخفِّفون من مآسيه، فيَجِدُهم غارقين في صراعاتٍ عبثيّةٍ كأنَّ البلادَ بألفِ خير. إنَّ هذه المشاعرَ والمآسي تُضاعف عدمَ الثقةِ بالجماعةِ السياسيّةِ وتُضعِفُ صِدقيّةَ لبنان في طلب المساعداتِ من الأصدقاء. ومن مظاهرِ فِقدان الثقةِ بالسلطاتِ وبالجماعةِ السياسيّة أنّ الشعبَ في المدّةِ الأخيرة راحَ يتظاهرُ وحيدًا في الشوارعِ والساحاتِ احتجاجًا على الحالةِ المعيشيّةِ المزريةِ التي وصل إليها، فيما المسؤولون في مكان آخر ولا يَهتمّون بصرخِته.
 
على ضوء المعطيات السياسيّة والنيابيّة والأمنيّة نطالب القوى السياسيّةِ إن تَبتعدَ عن أجواءِ التحدّي التي تُعقّدُ عَلاقاتِ لبنان وتباعدُ بين المكوّناتِ اللبنانيّة، في وقتٍ يجتاز فيه لبنانُ أخطرَ تّحدٍّ وجوديٍّ في تاريخِه الحديث. فالتحدّيات تُعثِّر انتخابَ الرئيسِ الجديد للجمهورية، وهذا أمرٌ نَرفُضه بشِدّةٍ، ونعمل بكلّ ما لنا من علاقات على أن يَتحقّق هذا الانتخاب. ومن موقِعنا المترفِّعِ عن المحاورِ الداخليّةِ والخارجيّة، نَتمنى على الأطراف المختلفةِ إلى التموضُعِ وطنيًّا وخلقِ مناخٍ إيجابيٍّ لتأمين تشكيلِ حكومةٍ وانتخابِ رئيس.
وحين ندعو إلى انتخابِ رئيسٍ لا يُشكّلُ تحديًّا لهذا أو ذاك، نَتطلّع إلى رئيسٍ يَلتزم القضيّةَ اللبنانيّةَ والثوابتَ الوطنيّة وسيادةَ لبنان واستقلالَه، ويُثبّتَ مبدأ الحياد. لا نستطيع أن نُناديَ بحيادِ لبنان ونختارُ رئيسًا منحازًا للمحاورِ وعاجزًا بالتالي عن تطبيق الحياد. والرئيسُ الذي لا يُشكّلُ تحديًّا ليس بالطبعِ رئيسًا لا يمثّلُ أحدًا ولا رئيسًا يَخضعُ لموازين القوى، فيَستقوي على الضعيفِ ويَضعُفُ أمام القوي. لا يُحكَمُ لبنانُ استنادًا إلى موازين القوى، بل استنادًا إلى الدستورِ والقوانين والشراكةِ لكي تَبقى الشرعيّةُ المرجِعيّةَ والملاذ ومصدر القرارات الوطنيّة.
 
فيما تحتفل الكنيسة بعيد القدّيس شربل، نسأل الله أن يجعل كلّ واحد وواحدة منّا وكلّ مسؤول حامل سلطة، على مثال القدّيس شربل صاحب قرار والتزام من دون تراجع والتواء. كما نصلّي إلى الله أيضًا والكنيسة تحتفل اليوم بعيد القدّيسة مارينا، كي يجعلنا مثلها صابرين على الظلم ريثما تظهر الحقيقة التي لا أحد يستطيع إخفاءها، وريثما تُمارس العدالة التي بدونها لا يسلم أي مُلك. لله القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، نرفع نشيد المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.