بقلم : يوسف سيدهم
في ختام استعراضي لواقع الساحل الشمالي الأسبوع الماضي, ذكرت أنه كانت هناك محاولة جادة واعدة لإنقاذه من بياته الشتوي ولكنها لم تر النور.. وقد عاصرت هذه المحاولة في غضون عقد تسعينيات القرن الماضي حين ثبتت لدي الكثيرين من المعنيين بصناعة السياحة الطبيعة الاستثمارية التي اقترنت بتمليك الأراضي وما يقام عليها من وحدات خاصة علي طول ما يقرب من مائتي وخمسين كيلومترا موزعة علي ما يتجاوز مائة وخمسين قرية غير سياحية, وما نتج عن ذلك من إهدار جسيم للموارد الطبيعية والثروة السياحية التي تستغل فقط أربعة أشهر في فصل الصيف كل سنة, وتترك مهجورة خاوية موحشة باقي فصول السنة.
في ظل ذلك الإهدار والإحباط وعي المهمومون بالأمر إلي استكشاف إمكانية جذب السياحة الأجنبية -خاصة من دول شمال أوروبا وآسيا وأمريكا- والتي يجذبها جدا الطقس الشتوي لساحلنا الشمالي بشمسه الدافئة وبحره المستقر -باستثناء أيام قليلة محددة ينظمها جدول ثابت ومستقر للنوات- فإذا كان المصريون يعرضون عن الاستفادة بالساحل الشمالي فيما يتجاوز فصل الصيف إما لانقضاء موسم الإجازات أو لعدم ذهابهم للسياحة الشاطئية شتاء, فالفرصة سانحة لجذب السياحة الأجنبية وبعث الحياة في الساحل الشمالي طوال العام بما يحمله ذلك من فرص عمل دائمة للمصريين ودخل أجنبي ينعش الدخل القومي… والحقيقة أن تلك الدعوة لم تكن بالغريبة أو بعيدة المنال علي امتداد سواحل شمال أفريقيا المطلة علي جنوب البحر المتوسط, فهي راسخة رائجة في كل من تونس والمغرب.
نشأ ذلك الحلم لمحاولة إنقاذ الساحل الشمالي في ظل إدراك أمرين كان يصعب تغييرهما: الأول عدم جدوي الاعتماد علي بناء فنادق سياحية, فالمساحات المباعة تم بالفعل استغلالها بالكامل لبناء الفيللات والوحدات السكنية والعمارات الصغيرة, والثاني ندرة قطع الأراضي التي لم يتم بيعها حتي يعاد توجيهها للاستثمار الفندقي… من هنا اتجه الخبراء إلي استكشاف جدوي استقدام صناعة سياحية رائجة في العالم كله هي صناعة سياحة مشاركة الوقت وهي تعتمد علي قيام الشركات التي تعمل في هذا المجال بمشاركة ملاك الوحدات في قري الساحل في استثمارها سياحيا بحيث تخصص للمالك الأسابيع التي يرغب فيها لتمضية إجازته الصيفية, وما دون ذلك يتم عرضه للتأجير السياحي إما للأفراد أو للمجموعات أو للشركات السياحية حول العالم بمشاركة المالك الأصلي في الأرباح… وذلك نشاط عرفته مصر واستفاد منه المصريون منذ أكثر من أربعة عقود علي شواطئ البحر الأحمر.. وكان بطبيعة الحال أن الشركات العالمية التي تعمل في نظام سياحة مشاركة الوقت والتي تحمست ورحبت بفتح سوق لها علي ساحلنا الشمالي تطلب خضوع القري التي ترغب في الدخول في تلك المشاركة لتطبيق المعايير العالمية التي تنتهجها تلك الشركات من توحيد الطابع المعماري ونظام الأثاث الداخلي والتجهيزات الفندقية في الوحدات, علاوة علي اهتمامها بالنهوض بالخدمات الشاطئية والترفيهية وتنسيق وتجميل المواقع.
لكن للأسف كانت النتيجة محبطة ومخيبة للآمال, حيث أحجم السواد الأعظم من ملاك الوحدات والقري عن الخضوع لتلك السياسات وترفعوا عن المشاركة في استثمار وحداتهم سياحيا وفضلوا إغلاقها ما يقرب من ثلثي العام مع كل ما يترتب علي ذلك من تآكل مرافقها وتشطيباتها وحرمانها من الصيانة الفندقية الدورية, بالإضافة إلي حرمان صناعة السياحة والدخل القومي من عائد مشاركة الوقت.
هنا تم وأد الحلم وبقي الساحل الشمالي علي حاله ينتظر الخلاص الذي لا يدري أحد من أين يجيء… ومرت السنين وانقضي نحو ثلاثة عقود حتي جاء الخلاص بواسطة المشروع الطموح مدينة العلمين الجديدة الذي وصفته أنا في مقال الأسبوع الماضي بأنه بمثابة مصالحة عمرانية وتنموية مع الساحل الشمالي.. فما هي مقومات هذا المشروع الواعد؟
* تشغل المدينة مساحة 50ألف فدان تضم تخطيطا متميزا لمناطق الأعمال والإسكان والخدمات بالإضافة إلي مدينة الفنون والثقافة والأنشطة الترفيهية التي تشمل مسرحا رومانيا ودار أوبرا ومجمعات لدور العرض السينمائي ومكتبة مركزية ومركزا لتنمية الصناعات الحرفية والمهارات اليدوية… هذا علاوة علي تنمية شاطئية ممتدة بطول 14 كيلومترا يتوازي معها ممشي سياحي جذاب متميز يزخر بالخدمات.
** تؤم المدينة جامعة العلمين الدولية التي تأسست بالشراكة مع عدد من الجامعات الأجنبية الكبري لتمثل نقطة جذب تعليمية للطلاب الساعين للحصول علي شهادات جامعية مزدوجة.
** هذه المقومات والعناصر الطموحة تؤهل المدينة المخطط لها أن تستوعب نحو مليوني مواطن لأن تكون باكورة تنمية مستدامة في الساحل الشمالي تعيش وتعمل وتفرز فرص عمل بصفة دائمة مستقرة طوال العام.