بقلم: جون الفي

 
لم اكن أتمني ان آري بلادي آلت الي ما آلت اليه الان ، ولكن استغرقتني الاحداث المتتالية علي الساحة المصرية في الآونة الاخيرة كثيرا من الوقت والهدوء والتركيز لأتمكن من وصف الحال المصري من جانب قد يراه البعض ولا يراه الكثير منا ، فكنت مثل كثيرين مخدوعا وواهماً بأن المجلس الاعلي للقوات المسلحة متمسك بموقف الند للند ورمانة ميزان الحياة السياسية والسلطة في مصر - مع تحفظي انه ارتكب حماقات وأخطاء وخطايا لا تغتفر- حتي حدث ما كنا فعليا نستبعده بإزاحة المجلس الاعلي من الصورة نهائيا وتفكيكة وإقالة معظم قياداته لتظهر ( الصفقة ) التي تسلم علي اثرها الاخوان البلاد ممن اشترطوا عليهم - علي الاخوان - امنهم وأمانهم وليس أمان مصر ، ومصلحتهم وتكريمهم وليس مصلحة مصر ، بمنطق ( اشبعوا بالبلد اياكش تولع بيكوا ) . 
 
نعم ، لا يخطئ كل من تابع ما حدث أخيرا من قرارت مرسي في ان يعرف ان كل شئ تم في غرف مغلقه وكلٍ يبحث عن مصلحته من الطرفين ، الاخوان يريدوا السيطرة والاستحواذ والتمكين من حكم مصر ، والمجلس الاعلي الذي تعامل مع الثورة ( ككوبري) يعبر منه الي المنطقه الآمنة بعيدا عن مصير مبارك ، وهنا انوه ان مبارك نفسه لو كان دخل في مفاوضات مع الاخوان وقت الثورة لتمكينهم من الحكم ، لكان مبارك الان حاملاً قلادة النيل وارفع الأوسمة ونزيلاً عزيزا في شرم الشيخ هو واسرتة ، هنا مربط الفرس كما يقولون ، إرضاء الاخوان وتسليم مصر اليهم ، فيسيل اللعاب ، وتجحظ العيون ، وتفتح الأفواه ، ويمحي التفكير ، وافعل ما شئت بل وتستحق التكريم تحت رعاية كل من الغي دينه واعتنق الإخوانية ديناً ومذهباً ، وطبَّل وهلل لكل ما يفعله ( اولي الامر ) فهم اليهم سامعين مطيعين مستأنسين ، فيكفي ان تنافقهم وان كانوا يعلموا انك تكرههم حتي تؤخذ علي ( الحجر ) وتتقلد النياشين .
 
المجلس العسكري كان اذكي من مبارك ، وتعلم الدرس ان الاخوان اصبحوا يملكوا ( زمبلك) التحرير ، تحت اي مسمي هم فقط من يختاروه ، فقام العسكري بوضع شروطة قبل اعلان الرئيس ، بما يجعل مرسي بطلا أسطوريا ينتزع صلاحياته ويفرد عضلاته ، ويتراجع أمامه العسكري مطأطأ الرأس في مشهد درامي لا يخطئه اي ( مغفل ) الا الاخوان، وكله في سبيل تقاعد مريح وثير مبطن بواقي من المقاضاة والملاحقة وأصابع التخوين والاتهام بمنصب شرفي في الفريق الرئاسي ، فيكفي لكي تعرف تلون هؤلاء المنتفعين ان تتابع موقفهم من المجلس الاعلي للقوات المسلحة منذ بداية الثورة الي الان ، تأييد في أعقاب تنحي مبارك ، وتعبئة وحشد ضد العسكري وقت الاستفتاء ، ثم تأييد ومساندة وقت الانتخابات التشريعية ، ثم انقلاب واتهامات ومظاهرات مصطنعة ضد حكومة الجنزوري - الذي كرموه وعينوه في نفس مناصب العسكر في الفريق الرئاسي - ثم ازدياد في المواجهة والمعارضة والتخوين ضد العسكر اثناء انتخابات الرئاسة ، ثم احتفاء واحتضان بعد توليهم الحكم ، هؤلاء هم الاخوان ، لا مبدأ ، ولا عهد ، ولا حتي إيمان ، فالذي يحركهم فقط ( مصلحتهم ) ليس اكثر .
 
الاخوان الان لا يروا غضاضه في تقييد وتكميم وإقصاء كل من يمس الذات الإخوانية بكلمة او فعل ، وهم يعلموا ان آلاف ( المنساقين ) مستعدون لجعل كل قرار كارثي او اقصائي او ديكتاتوري  معجزة المعجزات وعبقرية القرارات ، هذا المنطق الذي جعل كل لجانهم الالكترونية ومنافقيهم  يتمادوا في الاستهتار بوجود من يعارض حكمهم ويدعوا لمظاهرات سلمية للتأكيد ان مصر لن تختزل في الاخوان وحدهم ، منتهي الاستعلاء والتكبر والعنجهية تجاه مجرد فكرة وجود من يعارضهم ، ورئيسهم من يوهمنوا يوميا بالدولة الديمقراطية الحديثة في الصباح ، ويحبس وينكل بكل من يعارضه في المساء لانه ببساطه يجد من يصفق له ، وسيستمروا في التصفيق وغض النظر عن كل علامات الاستفهام المهولة التي نواجهها الان من سيول أموال قطر ومغزاها ، ومن قبلها العفو عن من صنفهم القضاء المصري الذي لا يحترمه مرسي بالطبع انهم إرهابيين وحُكم عليهم بأحكام مشددة ، وتولية الوزارة لشخص مغمور سياسيا ، وأزمات في تصاعد وتزايد بسبب قبلة الحياة التي أعطاها الرئيس الإخواني لعشيرته من ارهابيي حماس ومن علي شاكلتهم ، والترحيب بكل من هو متشدد لتطأ قدمهم مصر التي طردوا منها شر طرده والنتيجة ( محدش فاهم حاجة خالص ). 
 
وهنا ترسي مصر في ميناء غير مرحب بها فيه ، كل من به ينظر اليها كمغنم او سلعة او ثروة ، ولكن في حقيقة الامر تظل السفينة اكبر حجما واشد بأساً ممن يحاول ان يتعملق أمامها بعزوته او سلطانه او ماله او فكره .
 
مصر مازالت في انتظار القبطان ، الذي يحبها ويبذل الغالي والنفيس لأجلها حتي تصل لبر الأمان ، لا لمن يوجهها حسب مصالح من يطلق عليهم بالاسم فقط مصريين ، وأما قلبهم وفكرهم رهن خزائن مكتب الإرشاد.