امتلكت مصر على مدى تاريخ الإسلامي إرثًا حضاريًا تمثل فى سلسلة من المدن التى اتخذها الحكام عاصمة لمصر، وتبقى الفسطاط أقدم تلك المدن التى أسسها المسلمون عند قدوم الفتح الإسلامى لها.

 
و خلال اجتماع له مع رئيس الوزراء ووزير الإسكان بالأمس، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتطوير منطقة حديقة الفسطاط في مصر القديمة، وذلك لاستعادة الوجه الحضاري للمنطقة وزيادة نسبة المسطحات الخضراء، ولتتكامل على نحو نموذجي مع التطوير الذي تم ببحيرة عين الصيرة والمتحف القومي للحضارة المصرية، وفيما يلى أبرز المحطات الرئيسية فى مسيرة مدينة الفسطاط:
 
1-تم تأسيس الفسطاط بعد اكتمال فتح الإسكندرية عام 21هـ/641م، وقد فكر عمرو بن العاص فى أن يبقى على الإسكندرية عاصمة للبلاد، لكن الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رفض ذلك، وأمره بأن يُنشئ مدينة أخرى لا يفصله فيها عن المسلمين ماء فى شتاء أو صيف بحسب ما أورد جمال الدين ابن تغري بردي فى "النجوم الزاهرة".
 
2- كلمة الفسطاط تعنى المعسكر، وسُميت المدينة بذلك، لأن عمرا حينما توجه لفتح الإسكندرية ألفى حمامة قد باضت على أطراف خيمته، فأبقى لها الخيمة منصوبة حتى عاد، ليشيد فى ذلك الموضع أول عاصمة لمصر الإسلامية.
 
3- أمر عمرو بن العاص بتأسيس الفسطاط لتكون قاعدة للبلاد ودارا للإمارة، واختط عمرو الجامع العتيق على أطلال حصن تراجان بالقرب من بابليون، ثم اختطت القبائل العربية من حوله.
 
4- يعد مسجد عمرو بن العاص أقدم مساجد العالم الإسلامي وجودا وبقاء بعد المسجد النبوي الشريف، وقد اختار عمرو مكانه بالقرب من أهل الراية، وهم نخبة من جند المهاجرين والأنصار الذين شاركوا في فتح مصر.
 
5- اختلف المؤرخون حول من اختك مدينة الفسطاط، ف-ورد البلاذرى فى فتوح البلدان أنه الزبير بن العوام رضي الله عنه، وقد بنى فى منتصفها دارا له جعل فيه سلمه الذي صعد عليه لفتح حصن بابليون، وقيل بل الذى اختطها مجلس استشاري شكله عمرو بن العاص بعضوية معاوية بن خديج التجيبي، وشريك بن سُمر الغطيفى، وعمرو بن قخزم الخولانى، وجبريل بن ناشرة المعافري بحسب ما أورد المؤرخ ابن دقماق فى كتابه "الانتصار لواسطة عقد الأمصار".
 
6- وصف المقريزي فى خططه الحال التى كانت عليها أرض الفسطاط قبل تشييد المدينة فقال:"اعلم أن موقع الفسطاط الذي يُقال له اليوم مدينة مصر كان فضاء ومزارع بين النيل و الجبل الشرقى الذى يُعرف بجبل المقطم، ليس فيه من البناء والعملية سوى حصن يعرف بعضه اليوم بقصر الشمع والمعلقة" .
 
7- زادت عمارة الفسطاط وبلغ امتدادها على ضفة النيل ثلاثة أميال، وأنها كانت تمثل عمارة بغداد عاصمة الدنيا فى ذلك الزمان، كما ذكر الجغرافى ابن حوقل فى "صورة الأرض".
 
8- تشكلت الفسطاط من ١٢ خطة أو حى، توزعت تلك الأحياء لتكون سكنا للقبائل العربية فيما بين النيل فى الغرب حتى عين الصيرة فى الشرق، ومن جبل يشكر من الشمال حتى الشرق، وجبل الرصد المعروف باصطبل عنتر، وهذه الخطط هى: خط أهل الراية، خط مُهرة، خط تجيب، خط لخم، خط اللفيف، خط أهل الظاهر،خط وعلان، خطط الفرس، خطط خولان،خطط المعافر،خطط الروم واليهود، خطط القبط، وبمرور الوقت تكامل بنيان الفسطاط حتى بلغت أوج الكمال فى القرن العاشر الميلادى/ الرابع الهجري، وظلت حاضرة وبقوة على خارطة إنشاء المدن حتى فى الوقت الذى سُحب منها لقب العاصمة لصالح مدينة العسكر التى تم تشييدها عام 133هـ من قبل العباسيين، ومدينة القطائع التى شيدها ابن طولون سنة 256هـ.، أو القاهرة عام 358هـ.
 
9ـ ضمت مدينة الفسطاط دورا للشرطة لتوفير الأمن والانضباط، فضلا عن إنارتها بالفوانيسمنذ عهد الخليفة العزيز بالله الفاطمى ونجله الحاكم بأمر اللهن وقبل ذلك بثلاثة قرون ضمت الفسطاط فرقا للإطفاء؛ للمساعدة فى مكافحة الحرائق، وذلك منذ عهد الوالى عبد العزيز بن مروان الأموى(65-85هـ) .
 
10ـ ساعد حفر قناة قديمة تسمى قناة تراجان تصل النيل بالبحر الأحمر على رواج حركة التجارة بالفسطاط، لكن عند مجئ الفتح الإسلامى لمصر كانت القناة قد رُدمت فأعاد عمرو ابن العاص حفرها، وسُميت باسم "خليج أمير المؤمنين"، لتجرى فيه السفن محملة بالطعام والغلال إلى الحجاز. ، وظل هذا الخليج المصري يؤدى دوره حتى عام 1897/ 1899م فرُدم الجزء الواقع من الخليج داخل القاهرةن وحل محله شارع الخليج المصري الذى سُمى بشارع بورسعيد سنة 1957م,.
 
11ـ امتلكت الفسطاط ميناء تجارية مزدهرة وصفها ابن سعيد المغربى فى رحلته إلى مصر خلال العصر الأيوبى بقوله:"أما ما يرد الفسطاط من متاجر البحر الاسكندرانى (المتوسط) والبحر الحجازى (الأحمر)فأنه يفوق ما يوصف، وبها مجمع ذلك لا بالقاهرة، ومنها تجهز إلى القاهرة وسائر البلاد".
 
12ـ ظلت الفسطاط مدينة زاهرة عامرة حتى تعرضت للخطر الصليبى، فحين أقبل ملك أورشليم أمالريك"عمورى ملك مملكة بيت المقدس الصليبية لغزو مصر"، ووقف على الفسطاط سنة 565هـ، خشى الوزير الفاطمى شاور وزير الخليفىة العاضد بالله من سقوط المدينة، فأمر بإضرام النيران فى المدينة، ويصف المقريزى حادث إحراق المدينة، فيقول:" بعث شاور بعشرين ألف قارورة نفطن وعشرة آلاف مشعل نار، فُرقت فيها فارتفع لهب النار ودخان الحريق إلى السماء فصار منظرا مهولان واستمرت النار تأتى على مساكن مصر لتمام أربعة وخمسين يوما".
 
13ـ تنقسم مدينة الفسطاط حاليا إلى قسمين، قسم شرقى مجاور لجبل المقطم، وهذا الذى وقع فيه الحريقن ولا يشتمل على أى بنيان سوى مسجد عمرو بن العاص وقصر الشمع، وانطلقت فيه حفائر علماء الآثار للتنقيب عن أطلال المدينة المحترقة، والفسم الغربى المجاور للنيل والذى يُعرف اليوم بمصر القديمة أو العتيقة.