الأقباط متحدون - قميص دهشور المحترق
أخر تحديث ٢٣:٥٦ | الأحد ٥ اغسطس ٢٠١٢ | ٢٩ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٤٣ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قميص دهشور المحترق


بقلم- القس نصيف هارون فلتس
قميص دهشور المحترق يشعل الفتنة الطائفية القس نصيف هارون فلتس يعرف الكثير منا عن قميص يوسف ابن يعقوب \"القميص الملون\" الذي اشعل نار الغيرة في قلب اخوته تجاه، حيث ان يعقوب كان قد ميز يوسف ابنه عن باقي اخوته فصنع له قميصا ملونا مما اثار حفيظة اخوته ضده وحرك حقدهم الدفين نحوه ..وانتهت القصة انهم خططوا للتخلص منه وباعوه عبدا وحتفظوا لانفسهم بهذا القميص الملون لكنه كان ملتخا بالدماء. استرجعت هذه القصة وانا اتباع مثل الكثيرين الاحداث المؤسفة التي شهدتها بلادنا المصرية، وطننا الحبيب، في قرية دهشور مركز البدرشين محافظة الجيزة. والقصة باختصار هي ان مكوجي \"مسيحي\" كان قد حرق قميصا بالخطأ اثناء عمله لشاب \"مسلم\" الامر الذي ادي الي شجار ونزاع بين الاثنين وراح ضحيته شاب ثالث \"مسلم\".

الي هنا لم تنتهي القصة بل بدأت وتسبب هذا القميص المحترق في اشعال نار الفتنة الطائفية بين مسلمي القرية والمسيحيين بسبب هذا الامر الذي مات على اثره شابا برئيا. فقامت جموع المسلمين تحرق وتدمر كل ما يوجهها ينتمي الي المسيحيين من منازل او محال كالعادة وراحت ايديهم الاثمة تمتد الي بيت الله \"الكنيسة\" كنيسة ماري جرجس الكائنة بالقرية. وهنا لي بعض الملحوظات اولا: خالص العزاء لاسرة الشاب معاذ محمد حسن \"القتيل\" الذي راح ضحية هذا النزاع. فكلنا يعلم مدي قيمة الحياة ويقدر قسوة الفراق والموت ولا سيما بهذه الطريقة.

لكن السؤال: ماذا اذا لو هذا كان القتيل شخصا مسيحيا؟ هل كان سيناريو الاحداث سيكون هو نفسه؟ هل كان سيقوم المسيحيون بمثل هذه الامور؟ اشك. فان رد الفعل هذا لا ينبغي ان يكون في ظل دولة سيادة القانون والمؤسسات. فالقتل عمدا او سهوا هو جريمة يعاقب عليها القانون، فلماذا التعدي على القانون، كما ان التخريب واعمال الشغب التي قام بها سكان القرية المسلمين ايضا يعاقب عليها القانون. هذا ان كان القانون يطبق على الجميع! ثانيا: حرق قميص، هو خطأ مهني وارد في اي مهنة. فالطبيب في مهنته قد يخطئ ايضا ويعطي عقار بشكل خاطئ او يتسبب في قتل انسان، او قد يخطئ سائق في مهنته ويتسبب في قتل العشرات احيانا، وقد يخطئ العامل او المحامي ...الخ فكل مهنة فيها لاشك نسبة في الخطأ والمكوجي اخطأ، فلو قمنا كل مرة بمواجهة الخطأ بهذه الطريقة لتحولت الحياة الي جحيم. بل هناك طرق شرعية لعلاج الخطأ مثلا: يعوضه او يرد قيمته مثلا.

فالخطأ وارد ولكن ما قام به اهل القربة هو غير الوارد وغير مقبول او مبررا على الاطلاق. ثالثا: قيام اهل القرية بمهاجمة الكنيسة ومحاولة اقتحامها وحرقها او محاولة حرق بيوت كل المسيحيين امرا لا يقبله العقل ابدا. بل اشاعة ان الكنيسة هي السبب او القس هو الذي يشجع يقوي المسيحيين - كما قال والد القتيل في تسجيل له قامت به وكالة الاهرام للاعلام- امر غير منطقي. فما علاقة كل المسيحيين بخطأ مهني \"لمكوجي\"؟ وما هو ذنب باقي المسيحيين بل حتى اسرة هذا المكوجي حتى يتم تهجيرهم؟ اني ادين بشدة واستنكر ما قام به شيخ المسجد ايضا بتحريض الناس في القرية بعد الصلاة على الجثمان بالهجوم على الكنيسة اجبار كاهن الكنيسة وكل المسيحيين على الهروب من القرية وترك كل مالهم وحياتهم واستقرارهم نظير هذا القميص. رابعا: تهجير اكثر من 120 اسرة، عدد المسيحيين الموجودين في القرية امر يخالف كل الشرائع والقوانين بل هو محك عملي لاختبار الرئيس الجديد المنتخب \"محمد مرسي\" وكيفية ادارته للازمة، وان كان حتى الان لم يتحرك له ساكنا. فهل لا يعتبر نفسه مسئولا عن حياة هؤلاء المسيحيين الذين تم تهجيرهم من ارضهم وبيوتهم قسرا بصفته الرئيس؟ هل سيعود ملف الاقباط ثانية الي عهده السابق كما كان؟ ولو انه لم يحدث ابدا انه تم تهجير هذا العدد في العهد السابق برغم كل ما فيه من تجاوزات.

خامسا: انني اري ان القميص ليس هو السبب الذي اشعل نار الفتنة الطائفية، لان الفتنة الطائفية لم تنطفيء قبلا فبذار الكراهية والحقد مازالت دفينة داخل النفوس وان القميص المحترق هو الذي كشف عنها فقط واعطي لها ان تخرج من داخل النفوس الي السطح. ولذلك اقول ان الحل لن يكون بجلسات الصلح العرفية كالعادة او اقرار مبلغ ماليا تدفعه الكنيسة او اسرة الشخص المعتدي، او اعدام حتى المجرم الهارب الذي تسبب في فعل القتل. الحل الحقيقي في وجهة نظري في ازالة الكراهية من الصدور واستنارة العقل، وقبول الاخر. ان اعمال القانون وتطبيقه بالسواء على الجميع حتى تكون له قوة ردع على الكل قد يساهم في وأد مثل هذه الاحداث من مهدها. كما لابد من عدم الكيل بمكيالين فعندما يخطي مسلم او مسيحي ينبغي العدل في تطبيق القانون وهذا ما لم يحدث قبلا. اخيرا: علينا ان لا ننسي ان ثورة التحرير في 25 يناير قمنا بها جميعا وكنا معا مسلمين ومسيحين جنبا الي جنب ولم تفرقنا القنابل او الرصاصات بل لم تفرق بين هذا وذاك، فالخطر الذي يهدد امن مصر يواجه الجميع وعلينا معا مواجهته بحزم وشدة. فالنار لا تفرق بين مسلم ومسيحي، فانتبهوا قبل ان تشعلوها.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع