كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م
كتب الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر مقالاً تحت عنوان "قيامة المسيح قيامة للإنسانية"، قال فيه: يأتى احتفال القيامة هذا العام ونحن نعيش حالةً من التوتر والخوف بسبب انتشار وباء كورونا، حيث يئن عالمنا جراء انتشار هذا الوباء كالنار فى الهشيم، وتحت وطأة هذه المعاناة تسلل القلق والخوف إلى قلوب البعض، خصوصًا فى ظل الإجراءات الاحترازية وفرض حظر التجول والعزل الصحى المنزلى. وأصبحنا نتساءل: حتى متى يستمر هذا الوضع؟ وكيف يمكن أن نحمى أنفسنا وأحباءنا من التقاط العدوى؟
مضيفًا في مقاله المنشور بالمصري اليوم، يبدو الأمر محيرًا أن نحتفل بعيد القيامة من الموت رغم انتشار رائحة المرض والوباء والموت فى كل بلدان العالم اليوم.
وتابع، يخبرنا يوحنا الرسول عن طبيعة العلاقة بين السيد المسيح ولعازر، هى علاقة الصداقة والمحبة الشديدة التى كانت تربطهما. ففى أربع مرات مختلفة، يذكر يوحنا الرسول أن السيد كان «يحب» لعازر (11: 3، 5، 11، 36). هنا يؤكد على علاقة الصداقة العميقة غير السطحية التى جمعت بينهما. يساعدنا فهمُ هذه العلاقة بين السيد المسيح ولعازر فى أعماقنا على إدراك مدى قرب السيد المسيح من الإنسانية لأن هذا هو توجُّه السيد المسيح نحو كل البشرية. إن السيد المسيح حينما عرف أن لعازر مريض قرر متعمدًا ألا يغادر فورًا إلى بيت عنيا، بل يقول النص الكتابى إنه مكث ليومين بعدما عرف بمرض لعازر (11: 6). تبدو تصرفات السيد المسيح خارج التوقعات، وأكبر من تصوراتنا. فالطبيعى أن يذهب مباشرةً للعازر لينقذه من المرض لأنه يحبه ولأنه صديقه. فى ظل عبارة السيد المسيح الغامضة بأن هذا المرض ليس للموت ولكن لمجد الله، تزداد الحيرة أكثر حينما نتوقع أن يتدخل السيد المسيح فى لحظة معينة ولكنه لا يتصرف بحسب توقعاتنا!
وأردف، لكن دعونا نلاحظ لغة السيد المسيح ومصطلحاته جيدًا، فإنه لم يخبر التلاميذ أولاً بأن لعازر قد مات، بل قال لهم: «لعازر حبيبنا قد نام، لكنى أذهب لأوقظه» (11: 11). يعيد السيد المسيح تسمية الموت على أنه مجرد نوم، ولكن التلاميذ لم يفهموا، بل ظنوه يقصد أن لعازر نائم ليستريح من مرضه. وكان السيد المسيح قاصدًا أن يتأخر على لعازر من أجل التلاميذ «حتى يؤمنوا». حينما نضع كل هذه الاعتبارات معًا، نفهم معنى قول السيد المسيح إن هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: قيامة لعازر من الموت سوف تمجد الله بانتصار الإنسانية على الموت. لقد تأخر السيد المسيح لأن الإنسانية كان يجب أن تجتاز الموت وتختبره قبل أن تختبر قوة ونصرة القيامة بعد ذلك.
أما المستوى الثانى: وإقامة المسيح للعازر من الموت فكانت فرصة تمجد الله لأنها كانت إعلانًا جديدًا للبشرية عمن هو السيد المسيح حقًّا، ولهذا قصد السيد المسيح ألا يذهب للعازر فورًا، لكى تتهيَّأَ هذه الفرصة.
أخيرًا، فالمستوى الثالث: وإقامة لعازر من الموت جعلت الكثيرين يؤمنون بالمسيح إذ فهموا من هو فعلاً (يو 11: 45) وبهذا أيضًا تمجد الله. وأمام موت لعازر، صديق السيد المسيح، نجد المسيح واقفًا عند القبر يبكى على موت صديقه للحد الذى جعل الحاضرين يتعجبون قائلين «انظروا كم كان يحبه!» إن السيد المسيح يشارك البشرية اختبارها المؤلم لكى تستطيع البشرية أن تشترك مع السيد المسيح فى خبرة قيامته المفرحة: وكأن المسيح يختار بإرادته أن ينكسر مع الإنسانية، ويبكى معها، شاعرًا بكل ما تشعر به، ومتأثرًا بكل حزن يوجعها.
وشدد بقوله، لا يبدو المشهد اليوم مختلفًا عن مشهد لعازر؛ فما زلنا نصرخ اليوم: يا سيد، لو كنت ههنا، لما انتشر الوباء، ولا مات أحباؤنا ولا توقفت حياتنا ولا أغلقت دور عبادتنا! ولكن المسيح يستمع لهذه التساؤلات بصدر رحب، بل يشجعنا اليوم أن نسأل ونصرخ ونطلب. فإن الموت الجسدى بالنسبة للسيد المسيح مجرد ظل للموت الحقيقى.
وأختتم زكي مقاله قائلاً: لقد أعاد المسيح تعريف الموت! فالموت الحقيقى لا يبدأ حينما تفارق الروح الجسد، بل الموت الحقيقى يبدأ حينما يفقد الإنسانُ إنسانيته، ويفقد معنى الحياة وقيمتها، ويفقد الهدف والغرض من الحياة، ويتوه بعيدًا عن خالقه ويسير بحسب نواميسه الخاصة وينسى سبب وجوده ومعناه. إذن فالسؤال الحقيقى الذى يواجهنا اليوم هو ليس عن الموت، بل عن نوعية الحياة التى نعيشها: هل نعيش اليوم؟ هل نحن أحياء اليوم؟ أم أن الحياة التى نحياها هى مجرد «حياة ميتة»؟