بقلم: د. وجيه رؤوف 
 
الأستاذ الفاضل "إبراهيم عيسى" هو أحد كتاب "مصر" الأحرار الذين نجلهم ونحترمهم، هو بطبيعته رجل ثائر للعدل ولا يعرف في الحق لومة لائم، ولذلك نجلَّه ونحترمه لمواقفه الوطنية البطولية.. 
 
لا ننسى كم عانى الأستاذ "إبراهيم عيسى" من النظام السابق نتيجة اعتراضه على سياسات الحزب الوطني ورجاله، ولا ننسى أبدًا كم تحمَّل من سجن ومعاناة في هذا السبيل. 
 
لا ننسى أبدًا وقوف الفاضل "إبراهيم عيسى" ودفاعه عن حقوق الأقباط وهجومه على محافظ "أسوان" مفجِّر فتنة كنيسة "مار جرجس" بـ"المريناب" مركز "إدفو" بمحافظه "أسوان". 
 
ولذلك، ليس عندنا أدنى شك في اعتدال ووطنية الأستاذ "إبراهيم عيسى"..
 
ولذلك، نحن نجله ونقدِّره ونحبه. ولذلك، فواجب علينا تجاهه، وحقه علينا، أن نوضِّح له بعض الأشياء في أدبيات المسيحية، والتي قد يجهلها لبعده عن التراث الديني القبطي، وعدم إلمامه به.  ونحن لا نلومه على ذلك، فالتراث القبطي غير منتشر في "مصر" لغير الأقباط..
 
جاء في إحدى حلقات برنامج "في الميدان"، الذي يقدِّمه أستاذنا "إبراهيم عيسى"، وفي تلك الحلقة كان أستاذنا يدافع عن أقباط "مصر" كعادته ولكن التبث عليه فهم أن بعض المتظاهرين كانوا يرتدون لباسًا أبيض استعدادًا للاستشهاد. 
 
وهنا استنكر الأستاذ "إبراهيم عيسى" استعداد أقباط "مصر" للاستشهاد، وفهمها أنهم كانوا مستعدين للقتال طلبًا للشهادة كما هو في المفهوم الإسلامي..
 
وهنا نوضِّح للأستاذ "إبراهيم عيسى" ولإخوتنا المسلمين الذين لا يفهمون أدبيات الاستشهاد في المسيحية، إن مفهوم الاستشهاد في المسيحية يختلف اختلافًا كليًا عن مفهومه في الإسلام..
 
فالاستشهاد في المسيحية ليس معناه أن تقتل الآخر وتقتل من الآخر على الإطلاق.
 
فالمسيحية تحرِّم القتل تمامًا، ومفهوم الاستشهاد فيها هو أن يُقتل المسيحي (بضم الواو، وتُنطق يوقتل) من طرف آخر، نتيجة تمسك المسيحي بديانته وبأفكاره.
 
فمثلًا في العهود القديمة، وهي عهود الوثنية الرومانية، كان الإمبراطور "دقلديانوس" يضع منشورًا لكل المسيحيين بضرورة التخلي عن إيمانهم والسجود للآلهة (أبولون وأرطاميس)، ومن يرفض هذا يتعرَّض للقتل.
 
فكان أقباط "مصر" العُزَّل من السلاح يرتدون الملابس البيضاء ويتوجَّهون للسياف لقطع رقابهم لكي يموتوا على اسم المسيح وينالوا أكليل الشهادة.
 
وفي المسيحية كثير من الشهداء العظام الذين استشهدوا على هذا النحو، مثل: الشهيد العظيم الأنبا "أمونيوس" ومعه مائة وستون ألف شهيدًا استشهدوا، وسمِّي على اسمهم دير الشهداء بـ"إسنا"، وأيضًا أعدادًا مثلهم تقريبًا في مدينه "أخميم".
 
كما يوجد الكثير من الشخصيات المشهورة من شهداء المسيحية، أمثال الشهيد العظيم "مار جرجس" الروماني، الذي كان فارسًا، وحينما اعتنق المسيحية تم تجريده من زي الفروسية، وأُمر بالسجود للأوثان فرفض، وعانى العذابات الشديدة، وقُطعت رأسه في الأخير، ونال أكليل الشهادة.
 
وغيره كثيرون، مثل الشهيد "مرقوريوس" (أبو سيفين) الذي كان وهو في الوثنية يحارب على جواده ممسكًا بسيفين، وحينما أصبح مسيحيا تخلَّى عن كل هذا، وتقدَّم ليأخذ أكليل الشهادة.. 
 
وإذا تتبعتم تاريخ شهداء الكنيسة، ستجدون الآلاف منهم، وستعرفون أدبيات الكنيسة القبطية.
 
وهنا نصحِّح لك، إن هؤلاء الشباب الذين ارتدوا هذا اللباس الأبيض في "ماسبيرو" لم يكونوا ذاهبين لقتال أحد، ولكنهم كانوا يتوقعون القتل من الآخر، لذلك فقد ذهبوا مستعدين لنوال أكليل الاستشهاد، وقد نالوه بكل عظمه.
 
وستجد على الفيس بوك البعض ممن يلقِّب نفسه بـ"شهيد تحت الطلب"، وهذا ليس معناه أن هذا الشخص سيقاتل بالسلاح ليصبح شهيدًا، وليس معناه أنه سيضع حول وسطه حزامًا ناسفًا ليفجِّر الآخرين، ولكن معناه أنه مصرّ على ديانته المسيحية السلمية، وأنه على استعداد للاستشهاد في أي وقت سلميًا.
 
لو كان القتل هو هدف الديانة المسيحية، لكان كاهن الكنيسة الذي أنقذ الجندي من كارثة الغاضبين أولى له بقتل شخص سحق وقتل سبعة من الأقباط، ولكن روح المسيحية الحقة جعلت هذا الكاهن يأخذ الجندي في حضنه ويحميه من غضبة المتظاهرين.
 
أتمنى أن أكون قد أوضحت لكم معنى وأدبيات الاستشهاد في المسيحية، وأتمنى أن لا تتغير هذه الأدبيات مستقبلًا نتيجة الضغوط والظلم الذي فاق حده..
 
شكرًا للأستاذ "إبراهيم عيسى"، وأتمنى أن يقرأ مقالي هذا، وأن يستوعب ما جاء فيه.. 
شكرًا لكل كاتب ليبرالي حر يقف بجانب الحق ويعلي قيمه.. 
شكرًا لكم لوقتكم الثمين في متابعه هذا المقال.