مدحت بشاي
يقول الأب متى المسكين لمن يغالون في خطابهم الديني وقوله : احذروا الطموح في النسك " النسك : تزهد وتعبد " فإن هذا الباب أسقط جبابرة ذوي بأس في الصوم والصلاة .. إن أي استخدام لوسائل غير المناداة الحرة بالتوبة لدعوة الخطاة إلى الخلاص من خطاياهم هو عمل مستحيل ، وكل وسيلة أخرى مثل ترغيب الناس بالمال أو بالهدايا أو بالأكل أو بالملابس تُعتبر كلها وسائل غير مشروعة،وكذلك محاولة إغراء وشراء ضمائر الناس لله بأموالنا وحاجات الدنيا ، وكذلك كل محاولة لاستخدام السلطان سواء كان سلطان الدين أو السلطان الزمني أو استخدام التهديد أو الوعيد أو استخدام العقوبة أو المقاطع لإجبار الخاطئ على التوبة يُعتبر عمل اغتصاب وسلباً لمشيئات الناس واستعبادهم باسم الدين والكنيسة ..
لا نتوقف أبداً عن الحديث حول ضرورة البحث عن المشتركات الدينية وأهمية حوار الأديان وحوار الثقافات والحضارات .. الخ تلك المسميات التي ــ للأسف ــ تتجدد وتتنوع وفق افتكاسات أهل الفكر تارة وأهل الاسترزاق تارة أخرى ، وأحياناً بتوع التلات ورقات في ميادين اللعب بعقول البسطاء منا عبر العصور!!
ورغم قناعة كل المشتغلين في صناعة وصياغة دوائر الحوار والبحث عن مشتركات عن فشلهم في المساهمة في وقف تراجع حالة الاحتقان والسجال الديني والطائفي ، فإننا نكرر الحديث عن تلك المصطلحات ، ونعتبرها مسلمات ضرورية ، وعليه تثور الدنيا لو أعلن أي طرف أو أعرب في تصريحاته ( على سبيل المثال ) عن حقيقة عدم إيمانه بمعتقدات الآخر ، رغم أن تلك هي البديهية التي لا ينبغي أن نختلف عليها بداية ..
وعليه فإنني لا أغضب أبداً لإعلان رمز متشدد بعدم قبوله الآخر وإلى حد تكفيره لتعاليمه التي يرفضها لأنه يؤمن شأنه شأن كل مؤمن بعقائده التي لا ينبغي أن يجامل بشكل أو بآخر حال سؤاله عن ثوابتها ، وعلى الطرف الآخر أيضاً بنفس التفهم .. ولعل ذلك هو الفارق بين رموز الفكر السلفي ورموز الإخوان الذين يلعبونها سياسة ..
وفي هذا الشأن أراني أصطف مع الرمز السلفي ولا أتفق مع الرمز الإخواني الذي يذهب لتسييس خطابه الديني ، وتكون المفاجأة عند تقلد مسئولية كراسي السلطة أن أمور دينه لاتهمه بقدر التمكين من رقاب العباد فور حكم البلاد ..
ولكن يبقى الاختلاف مع الرموز السلفية في إيمانهم بضرورة فرض تعاليم معتقداته على من لا يدين بها إلى حد زعم البعض منهم وبشكل استبدادي بأن من أدوارهم تنفيذ أحكام الشرع بعيداً عن جهات الاختصاص ، وأنه لا اختصاص للدولة في تطبيق أليات العدالة وأحكامها ..
أيضاً يضايقني تكرار القول بضرورة الذهاب إلى خطاب ديني معتدل أو وسطي ، والقول بأن خطاب الأزهر الشريف وإمامه الأكبر هو خطاب معتدل في غير اتجاه رموز الفكر المتشدد ، وأن خطاب قداسة البابا وسطي مغاير لخطاب الأسقف أو الكاهن فلان غير المقبول ، والحقيقة أن تعاليم الأديان وصحيحها وتشريعاتها عبر آياتها معلومة ، ولا ينبغي أن نصفها مرة بمعتدلة ومرة أخرى بمتشددة ، وإنما هي تصير كذلك عبر تسييس تلك التعاليم وتلوينها وأحياناً لي عنق مضمونها لتحقيق مكاسب وغنائم دنيوية ، أو من أجل فرض المزيد من الشكل الاستبدادي لبعض الرموز والمؤسسات الدينية لتكريس مفاهيم ما على أرض الواقع ، وعليه ينبغي التوقف عن إطلاق تلك المسميات لأنها تهين مقدساتنا وثوابتنا التى باتت وكأنها " على كل لون يابتستا " !!
ولكن ينبغي ضبط الأمور في التناول الديني وفق جمهور الناس والزمان والمكان ... في تناول بديع ومهم لمواجهة تطرف أو تراجع قيم مضمون ورسالة الفتاوى يقول الإمام الشاطبي " المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور ، فلا يذهب بهم مذهب الشدة ، ولا يميل بهم إلى درجة الانحلال ، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة ، فمقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط ، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين ، خرج عن قصد الشارع ، ولذلك كان من خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين ، فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل ، ولا تقوم به مصلحة الخلق ، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً "..
medhatbeshay9@gmail.com