مدحت بشاي
جاء في المزمور (13) من مزامير داود الرائعة، وهو الاصحاح الذي يبدو فيه داود وقد واجه تجارب لا تنتهي في فترةٍ ما من حياته. فجاء هذا المزمور بمثابة تضرع يسكبه أمام الله حتى يعينه ضد الشيطان.
فجاءت تلك الآية التي يبتهل فيها النبي داود إلى خالقه، متضرعاً «أنر عيني لئلا أنام نوم الموت»، وهي الآية التي يرددها المسيحي في صلاة باكر كل فجر يوم جديد استقبالاً ليوم جديد بعد تقديم آيات الشكر على اجتياز ليله بسلام أن يمنحه الله نعمة الاستنارة للعين والقلب والعقل، حيث إن صاحب المزامير في تأكيده على أن الله هو النور الحقيقي
يرى أن نومه عن فعل الخير والتعبد والتسبيح والأهم التنوير بتعاليمه، فإنه سيظل نائماً نوماً يفصله عن نيل دخول ملكوت السماوات، فهو يطلب المعونة الإلهية التي هي الاستنارة التي يرى داود أن البعد عنها يجعله في مرمى سهام الشيطان وجحافل الشر..
في مقال رائع للكاتبة « سلمى قاسم جودة» تحت عنوان « لحظة وعي» تذكرنا بما قاله «تيد باندي» المحامي، الوسيم الذي قتل 99 امرأة.. قال: «أنت تشعر بآخر الأنفاس تغادر جسدها، أنت تنظر في عينيها، شخص في هذا الموقف هو إله»، (من بهجة القتل)! أما مانسون السفاح الأشهر مقترف مذبحة النجمة شارون تيت يقول: «انظر إليّ من تحت سوف تري أبله
أنظر إليّ من فوق ستري ربك، انظر إليّ مباشرة ستري نفسك». هؤلاء ولدوا ليقتلوا، من اعتنقوا (الدعشنة)(الأخونة) (القعدنة) (السلفنة) (النازية) (الفاشية) (الألوية الحمراء) و(التكفير والهجرة) هم يتقاسمون الشعور بأنهم شعب الله المختار ومن ثم وجب القتل المقدس الذبح كرسالة منزلة، فالمصاب بشهوة القتل، الأذي والسادية والغريزة الشريرة من اللطيف جدا له إضفاء تلك الهالة المقدسة علي تلك الجرائم الشنعاء وعنونتها بأنها جرائم تقترف باسم الله، فيهبط الدين من عليائه ويُلطخ في أتون تلك العربدة الشريرة وهذا الشبق الدموي الهادر هؤلاء المولعون بالعدم، الخراب لايجدي معهم الحوار بل المواجهة (الحاسمة) والرادعة لكل آخر يتلمظ من أجل إزهاق الأرواح..
نعم، سيدتي الكاتبة الرائعة إنه «القتل المقدس» من وجهة نظرهم الذي يجتاح العالم كله الآن بضراوة ووحشية من قبل من رفضوا كل رسائل الاستنارة الإلهية التي طلبها النبي داود في مزاميره، ورسائل التنوير المعرفية البشرية التي نادى بها أهل الإصلاح والفكر الحكيم، واستبدلوها بآيات أديان التأويلات الضيقة الظلامية لصناعة عالم موحش يفرضون قوانينه ونظمه الكافرة بكل القيم الداعمة لنشر الخير والعدالة والحب والجمال والتعايش السلمي.
وعليه، كم كانت فرحتهم برحيل الفنانة «فاتن حمامة» لأنها من قدمت «دعاء الكروان» و«أريد حلا» و«الخيط الرفيع» و«امبراطورية ميم» و«صراع في الوادي» و«الحرام» و«ضمير أبلة حكمت» وغيرها الكثير من الأعمال الداعمة لحقوق الفقراء والمرأة وعمال الترحيلة وكل من ضغط على رقابهم وأنفاسهم مُعلقات التكفير الظلامية بجهل وغباوة.. وللكلام عن التنوير بقية حتى التتمة.