بتأثر شديد وعبارات قصيرة وقاطعة، قال لى الأستاذ هيكل إن مصر تعانى الآن من أصعب ظرف فى تاريخها الحديث، فالمشهد مؤسف: «لقد أهدرنا مائتى عام من التنوير، وعدنا إلى الحال البائس الذى كنا عليه فى لحظة الصدمة الحضارية مع دخول الحملة الفرنسية إلى القاهرة فى نهاية القرن الثامن عشر».
مصر حائرة ومترددة، تقف عند مفترق طرق بين زمنين، ماض مرهق ومتخلف لم يعد يصلح لحياة كريمة فى هذا العالم المنفتح المتصل، الذى انهارت فيه فكرة الحواجز والحدود بكل أشكالها، ومستقبل نحتاجه لتلبية تطلعات الأجيال الجديدة التى تشربت قيم العولمة، وتأثرت بمنتجات العالم المتقدم، وصارت تستهلك أحدث السلع، فى حين أنها لا تستطيع أن تقدم شيئا يذكر للحضارة الإنسانية.
هذه الصورة المفزعة للحالة المصرية ليست دعوة للتشاؤم، وليست مدخلاً لهدم صورة الذات وأمجاد الحضارة التليدة، لكنها دعوة للتحفيز واستنهاض الهمة، وتحديد الاتجاه: هل نقف فوق الأطلال لنبكى مجداً ذهب، أو نعاند ونواصل الغناء له بالكلمات الجوفاء، أو ننسحق أمام الآخر المتفوق جرياً وراء مصالح عابرة ورضاء بوضع متدن، أم ننتفض بحثا عن مخرج من هذا المأزق المهين لتاريخنا والمهدد لمستقبلنا؟
الإجابة لا تحتاج إلى تفكير، لأن كل مصرى مهما كان غضبه، أو ثقافته، أو مستواه الطبقى، أو انحيازه السياسى، يريد فى أعماق نفسه أن يعيش فى بلد عصرى، قوى، متقدم، مؤثر فى محيطه الجغرافى، ومرحلته التاريخية، لكن المشكلة تأتى دائما من اختلاف الأساليب، وتقاطع المسارات نحو الهدف، ولهذا فإن التحرك نحو النهضة يستلزم بالأساس وجود حالة من التنوير المعرفى التى توضح خريطة الحركة، وتنسق بين الجهود المختلفة والآراء المتباينة، بحيث يبدو المجتمع مثل فريق كرة القدم، يختلف أفراده فى المهام والحركة داخل الملعب، لكن يجمعهم بالأساس وضوح الرؤية والهدف.
هذا المثال يفرض علينا ضرورة البحث عن وسيلة حاسمة لكيفية بناء روح الفريق، وتوزيع المهام، وتوظيف الإمكانيات بمعايير تضمن أفضل أداء لصالح الفريق أولا، وبالتالى لصالح اللاعب إذا تحققت مصلحة الفريق، فلا مصلحة للاعب على حساب مصلحة الفريق، اللاعب الجيد هو الذى يلتزم بالخطة، ويحقق الهدف الذى تنتظره الإدارة والجماهير، أما الذى يستعرض مهاراته ويبحث عن نجومية مظهرية فى الوقت الذى يخسر فيه الفريق، فهو فى حقيقة الأمر يلعب لصالح الآخر.
هذه مشكلة اللاعبين، أما مشكلة القائد، فهى أخطر من ذلك بكثير، لأن المدرب الجيد يستطيع وضع الخطة بما يلائم إمكانات فريقه، ويستخدم أحدث التكتيكات وطرق التدريب، ويدرس التحديات وثغرات الفريق المنافس، ويلعب بصورة عصرية جديدة تراعى القوانين، وأحدث المنجزات العلمية والخططية فى الزمن الذى يعيشه.
هناك دور مهم للاعبين وللجمهور فى اللعبة، لكن الدور الأبرز يظل للمدرب، فهو الأساس الذى تنتظم عليه بقية الأدوار، لذلك فإن البحث عن بوابة الخروج من الأزمة المصرية يبدأ من مدى وضوح الرؤية لدى الرئيس السيسى، ومدى رغبته فى بناء فريق وطنى، وتوفير المناخ لتكاتف جماهيرى مؤزر، وانحياز واضح للمستقبل عن طريق نبذ الأساليب القديمة المستهلكة، واعتماد معايير العلم الحديثة فى انتقاء اللاعبين حسب قدرتهم على العطاء والالتزام، دون التفات إلى شلل النفوذ والمحسوبية.
يا سيادة الرئيس، مصر تعانى من القديم المتهالك، وتنتظر منك إفساح المجال لخلق روح مصرية جديدة، لا تخضع لوحوش الفساد الذين يصارعون من أجل فرض هيمنتهم على مستقبلنا بعد أن أفسدوا ماضينا ودمروا حاضرنا.
بالله عليك يا ريس احسمها، واتخذ المزيد من الإجراءات العملية لتحقيق شعارك الفاصل: لا عودة إلى الوراء.
نقلا عن المصرى اليوم