ما يحدث حاليا في ليبيا الواقعة الآن تحت رحمة ميليشيات مسلحة تريد إعادتها إلي الوراء هو نتاج لسياسات القذافي التي لم تترك مؤسسات قوية تستطيع أن تصمد وقت الأزمات، ونتيجة أيضا لخيارات سياسية واقتصادية خاطئة جعلت الاقتصاد الليبي رغم ما تتمتع به ليبيا من ثروات وخيرات هو الأسوأ بين الدول النفطية في منطقتنا، ذلك بالإضافة إلي تحويل الجيش الليبي إلي جيش قبلي مفتت زج به في حروب فاشلة أبرزها حرب تشاد التي أودت بحياة الكثير من جنوده، وهو نقد يوجه أيضا للواء حفتر لمشاركته في تلك الحرب الفاشلة رغم التقدير والتشجيع الذي يحظي به الآن لخروجه لدعم الشرعية ومحاربة الإرهاب.
لقد انزعجت من تصريحه أخيرا بأنه «رغم سعادته بموقف مصر المشرف في مواجهة الإرهاب ومساندته فإن التعاون مع مصر مازال محدودا»، حيث إن ما يحدث في ليبيا الآن يمثل خطرا أساسيا علي مصر؛ فما بين تحالف «درنة – مصراتة» و»فجر ليبيا» المختلف في عناصره وأسبابه القبلية والتاريخية، إلي أنصار الشريعة والقاعدة في بني غازي يصبح الموقف في غاية الخطورة؛ وخاصة أن الإطالة في هذه الحرب وعدم حسمها يحول ليبيا إلي عراق وسوريا جديدة ومرتعا لداعش وأمثالهم.
وقد وثقت هيومن رايتس ووتش التي عادة ما تدافع عن الإسلام السياسي ثلاث عمليات إعدام ميداني، وما لا يقل عن 10 عمليات جلد علني وقطع رؤوس ثلاثة أشخاص نفذها «مجلس شوري شباب الاسلام» في مدينة درنة شرق ليبيا معتبرة هذه الأفعال جرائم حرب.
و يتبقي الآن أمام الشعب الليبي خياران هما:
1- انتصار القوة المدنية المؤيدة من البرلمان المنتخب ديموقراطيا في معركة مسلحة ضد قوي التطرف وذلك يستدعي زيادة الدعم من الدول المؤيدة وهي مصر والإمارات والسعودية، مقابل دعم سخي ومفتوح من قطر وتركيا وأجهزة مخابراتها والأخيرة نشطة جدا ومازال رئيسها أردوغان يعاني من حالة عصبية ونفسية منذ قيام ثورة 30 يونيو في مصر ولا تفوته فرصة إلا تطاول علينا بهذيانه المعتاد.
2- الحل الآخر هو اجتماع الأطراف جميعها لمحاولة إنقاذ ليبيا من الدمار وهو المسعي الذي دعا إليه الرئيس البشير ووافق عليه رئيس الحكومة عبد الله الثني وكذلك اجتماع مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا الذي عقدت أولي جلساتها في 3 ديسمبر بأديس أبابا بدعوة من الاتحاد الإفريقي ومشاركة مصر وممثلين عن دول الجوار الليبي وممثلين عن الجامعة العربية بالإضافة إلي برناردينو ليون مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلي ليبيا وبعض الدول المهتمة بالشأن الليبي.
إن الانتصار الذي حققته «فجر ليبيا» في معركة السيطرة علي مطار طرابلس الدولي والعاصمة قابلته من الناحية الأخري خسائر سياسية كبيرة تصب في صالح البرلمان الشرعي الجديد في طبرق وأصبح غالبية الشعب الليبي يصرون علي أنه علي «فجر ليبيا» ان تعترف بالبرلمان الذي اختاره الشعب وفقا لصناديق الاقتراع وبالطريق الديمقراطي.
لقد أصبح علي مصراتة أن تدرأ عن نفسها تهمة دعم الاخوان والتنظيمات المتطرفة المرتبطة فكريا بتنظيم القاعدة بعد أن أصبحت ترزح هي وسرت وبني غازي والزنتان تحت سيطرة وسطوة القيادات الإخوانية وهيمنتهم علي ميليشيات تضم الآلاف من الشباب المغرر بهم والذين لا يجدون فرص عمل؛ مما يؤكد أهمية مسار التنمية والاستثمار لخلق فرصة عمل لهم بدلا من الموت والهلاك، كما أن عليها أن تعدل عن الارتكاز علي قوات «فجر ليبيا» وعن تشكيل برلمان موازٍ وحكومة موازية.
كذلك يري غالبية الشعب ضرورة فصل الثوار عن ميليشيات الإخوان لتسهيل مهمة التفاوض مستقبلا، وضرورة أن تقتصر طموحات اللواء حفتر علي إعادة الاستقرار إلي ليبيا ودعم الشرعية وقيادة معركة الكرامة دون أي أهداف شخصية أخري.
أنا شخصيا أؤمن بأن الحل الثاني (الحل التونسي) هو الحل الأمثل إذا قدم الجميع المصلحة الوطنية علي المصالح الطائفية والقبلية، وهو الشيء الصعب بالنسبة لقوي الإسلام السياسي، إلا أن التجربة التونسية قد أعطت أملا صغيرا بأن تكون قوي الإسلام السياسي قد تعلمت درساً جيداً مما حدث لأقرانهم في مصر.
وفق الله شعب ليبيا الشقيق لتحقيق ما فيه صالح ليبيا وشعبها العزيز علينا وإعادة السلام إلي هذا البلد الجميل.
نقلا عن الاخبار