الأقباط متحدون - أوروبا حين تسيء التصرف
أخر تحديث ٠١:٢٣ | الأحد ٧ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٨هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أوروبا حين تسيء التصرف

بوك كروغمان
بوك كروغمان

يبدو أن الاقتصاد الأميركي يتعافى أخيرا ويخرج من الهوة العميقة التي سقط فيها خلال الأزمة المالية العالمية. ولكن للأسف لا يمكن قول الشيء نفسه عن أوروبا، التي كانت مركزا آخر للأزمة. وصل معدل البطالة في منطقة اليورو عند مستوى يقارب ضعف المعدل الموجود في الولايات المتحدة، بينما أصبح التضخم أقل كثيرا من المستوى المستهدف الرسمي، وصار معدل الانكماش الاقتصادي المعلن خطرا يلوح في الأفق.

وقد انتبه المستثمرون إلى ذلك، حيث انخفضت معدلات الفائدة الأوروبية بشكل كبير، فصارت السندات الألمانية طويلة الأجل تدر عائدا يبلغ 0.7 في المائة فقط. إن الأسواق تعطي بالفعل إشارات تفيد بأنها تتوقع لأوروبا «عقدا ضائعا» مثل ذلك الذي مرت به قبلها.

لماذا وصلت أوروبا إلى مثل هذا المأزق؟ يرجح صناع السياسة الأوروبية السبب إلى أننا ندفع ثمن السلوك غير المسؤول، فقد فشلت بعض الحكومات في التعامل بحكمة وحذر يتطلبهما استخدام عملة مشتركة، فاختارت بدلا من ذلك إرضاء ناخبين مخدوعين والتشبث بمذاهب اقتصادية فاشلة. إن مصدر سوء التصرف الذي يمثل السبب الرئيسي للكارثة التي تتحرك ببطء في أوروبا ليس اليونان، أو إيطاليا، أو فرنسا؛ بل ألمانيا.

لا أنكر أن الحكومة اليونانية تصرفت بطريقة غير مسؤولة قبل وقوع الأزمة، أو أن إيطاليا لديها مشكلة كبيرة في ركود إنتاجيتها، لكن اليونان دولة صغيرة تعتبر حالة الفوضى المالية التي مرت بها فريدة من نوعها، في حين أن مشاكل إيطاليا طويلة المدى ليست هي مصدر الانكماش الاقتصادي في أوروبا. إذا حاولت تحديد الدول التي كانت سياساتها بعيدة كل البعد عن المسار الصحيح قبل الأزمة وتسببت في إلحاق الضرر بأوروبا منذ بداية الأزمة، وترفض الاستفادة من التجربة، فإنك ستجد كل الأصابع تشير إلى ألمانيا باعتبارها الطرف الفاعل الأسوأ.

فلنقارن، على وجه التحديد، بين ألمانيا وفرنسا..

يوجد في فرنسا الكثير من الانتقادات السلبية في الصحافة، حيث يكثر الحديث عن خسارتها المفترضة في قدرتها التنافسية. وهناك في هذا الكلام الكثير من المبالغة؛ فلن تخبرك أبدا أغلب التقارير الإعلامية بأن فرنسا لا تعاني إلا من عجز تجاري صغير. ومع ذلك، وفي ما يتعلق بالحد الذي يجعل من الأمر مشكلة، ما مصدر هذا العجز؟ هل تآكلت القدرة التنافسية الفرنسية بسبب الزيادة المفرطة في التكاليف والأسعار؟
لا، ليس هذا هو السبب على الإطلاق. منذ خروج اليورو إلى حيز الوجود في عام 1999 ارتفع معامل انكماش إجمالي الناتج المحلي الفرنسي (وهو متوسط أسعار السلع والخدمات التي تنتجها فرنسا) بمعدل 1.7 في المائة سنويا، بينما ارتفعت تكاليف وحدة العمل بمعدل 1.9 في المائة سنويا. توافق الرقمان مع مستهدف البنك المركزي الأوروبي الذي يقضي بأن يظل التضخم أقل قليلا من 2 في المائة مثلما هو الحال في الولايات المتحدة. أما ألمانيا، من ناحية أخرى، فهي بعيدة عن هذا المسار، حيث بلغت نسبة زيادة الأسعار 1 في المائة، بينما بلغت نسبة زيادة تكلفة العمالة 0.5 في المائة.

كما شهدت إسبانيا ارتفاعا في التكاليف والأسعار خلال فترة «فقاعة العقارات»، ولكن ضاع في هذه المرحلة كل الفائض خلال سنوات من معدل البطالة الضخم والانخفاض الكبير في الأجور. ويمكن أن يقال إن زيادة التكلفة في إيطاليا كانت كبيرة نوعا ما، لكنها لم تبلغ الحد الذي وصلت إليه ألمانيا.

وبعبارة أخرى، في ما يتعلق بمشكلة في القدرة التنافسية في أوروبا، فإن السبب يعود بشكل كبير إلى سياسات إفقار الجار التي تنتهجها ألمانيا، والتي تؤدي في الواقع إلى تصدير الانكماش الاقتصادي لجيرانها.

ولكن ماذا عن الديون؟ ألا تدفع أوروبا في ما عدا ألمانيا ثمن انعدام المسؤولية المالية في الماضي؟ في الواقع، هذا أمر يقتصر على اليونان دون غيرها. ولا ينطبق هذا على فرنسا، التي لا تواجه أزمة مالية على الإطلاق؛ فباستطاعة فرنسا أن تقترض حاليا على المدى الطويل بمعدل فائدة منخفض على نحو قياسي يقل عن 1 في المائة وهو يرتفع قليلا عن معدل الفائدة الألماني.

ولكن يبدو أن صانعي السياسة الأوروبيين مصممون على إلقاء اللوم على الدول التي لا ذنب لها، وعلى السياسات التي لا علاقة لها بالأزمة التي يمرون بها. صحيح أن المفوضية الأوروبية طرحت خطة لتحفيز الاقتصاد باستثمار في القطاع العام، لكن الإنفاق العام قليل للغاية مقارنة بحجم المشكلة.

ماذا عن حل مشكلة انخفاض التضخم كثيرا في ألمانيا؟ يمكن لانتهاج سياسة نقدية عنيفة أن يقوم باللازم (رغم أنني لن أعوّل على ذلك)، لكن مسؤولي النقد في ألمانيا يحذرون من هذه السياسات لأنها قد تسمح للمدينين بالإفلات من تحمل المسؤولية.

ما نحن إزاءه إذن هو القوة الهائلة للأفكار السيئة المدمرة. وليس الخطأ خطأ ألمانيا وحدها، فألمانيا طرف فاعل كبير في أوروبا، لكنها تستطيع فقط فرض سياسات انكماشية لقبول الكثير من النخبة الأوروبية للخطاب الزائف نفسه. وعليك أنت التساؤل عن الشيء الذي سيظهر الحقيقة.
* خدمة «نيويورك تايمز»

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع