الأقباط متحدون - مصر التى اختفت فى جنوب أفريقيا
أخر تحديث ٠١:١٦ | السبت ٦ ديسمبر ٢٠١٤ | ٢٧هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٠٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر التى اختفت فى جنوب أفريقيا

جنوب أفريقيا
جنوب أفريقيا

 أكتب هذا المقال بعد غياب دام ثلاثة أسابيع، نظرا لزيارتى لجامعة «كيب تاون» بجنوب أفريقيا.. ذلك البلد الغاية فى التعقيد، نظرا لماضى الفصل العنصرى وحاضر تحديات التعايش والتنمية، بعد تولى الأغلبية السوداء الحكم.. فى هذا الإطار لدىَّ عدة ملاحظات تتعلق بما يعنيه التقدم لبلاد الجنوب فى عالمنا المعاصر، وما متطلبات ذلك التقدم.

 
قبل السفر كتبت عن النظرة الدونية التى ينظر من خلالها البعض عندنا لدور العلوم الأساسية فى تطوير البلاد.. خلفية تلك النظرة تبدو بديهية، فـ«بلد مثل مصر» لديه ما يكفيه من مشاكل تنموية عملاقة وملحة تحتاج لحلول سريعة، ومن ثَمَّ يبدو من الواجب تكريس الدعم للبحث العلمى التطبيقى، الذى يخدم بطريقة مباشرة مجالات مثل الطاقة والصحة والتكنولوجيا ذات العائد الاقتصادى الفورى.
 
أول شىء مهم اكتشفته فى جنوب أفريقيا هو أن ضيق الأفق هذا لا يسيطر على النظرة للمستقبل هناك.. فرغم أن الأغلبية السوداء تعيش فى ظروف معظمها أصعب بكثير من مثيلتها فى مصر، فإن هناك اهتماما مذهلا فعلا بالعلوم الأساسية، ربما يفوق مثيله فى معظم دول الغرب الغنى نفسه. بل إن بعض العلماء الغربيين الذين قابلتهم خلال مؤتمر حضرته كان معنيا بموضوع نشأة وتطور الكون- أكدوا لى أن الاهتمام بمثل هذه الموضوعات، (من حيث الدعم والتمويل)، قد زاد بمراحل تحت إشراف حكومة الأغلبية السوداء عن أيام الفصل العنصرى.
 
لكن بدلا من أن يعتبر الحكم الجديد البحث العلمى الأساسى نوعا من الرفاهية المشتِّتة للموارد التى يجب أن تتجه نحو تحديات التنمية، اعتبر على العكس أن الحفاظ على المنظومة الأكاديمية المتميزة فى العلوم الأساسية التى تركها النظام السابق، بل تطويرها، من أهم ركائز التطور والنهضة نحو المستقبل.
 
وهذا عين العقل، لماذا؟ لأنه كما لاحظ طه حسين مثلا فى ١٩٣٨، بعد استقلال مصر الرسمى عن بريطانيا، فإن العالم سيسأل: ماذا فعلوا بهذا الاستقلال؟ ولا يمكن فعل الكثير فى ظل غياب البنية التحتية الفكرية- وفى أساسها العلوم الأساسية، الطبيعية والإنسانية- التى ينعكس منهجها العقلانى على واقع من استوعبته من مجتمعات، فالاندفاع فى عجلة فى مشاريع تنموية، مع تجاهل اللغة الفكرية التى تشيد على أساسها المجتمعات الحديثة- وجدانيا وإداريا وتخطيطيا أيضا- يؤدى إلى خلل وعدم اتزان.. تنتج عنهما بيئة عشوائية متهالكة قاتلة لروح الإبداع، فيكون الرد على السؤال الذى تنبأ طه حسين بأن العالم قد يأتى به يوما ما هو أننا لم نفعل الكثير بالاستقلال.
 
فى المقابل، مازالت جنوب أفريقيا تتطلع، بعد الحصول على الحرية، لدور مستقبلى كشريك حقيقى فى بناء الحضارة.. وأعتقد أن خيبة الأمل المنعكسة فى فقدان تلك الرؤية تشكل السبب الأساسى لتراجع مكانة البلاد فى العالم وداخل وجدان الإنسان المصرى أيضا، وليس الفقر ومشاكل التنمية.. بل إن العجز عن التعامل مع هذه المشاكل نابع عن فقدان الرؤية والثقة هذا، وليس العكس.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع