الأقباط متحدون - أنا أنا أنا.. أبريق الشاى!
أخر تحديث ٠٢:٠٧ | الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠١٤ | ١٢هاتور ١٧٣١ ش | العدد ٣٣٩٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أنا أنا أنا.. أبريق الشاى!

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بقلم   حسام السكرى
عندما عشت فى مدينة برلين تشاركت فى مسكن مع صديق ألمانى اسمه مارتن شيفك. كنا نتقاسم كل شىء: الإيجار ونظافة المكان وغسل الأطباق بعد الوجبات المشتركة. دخل مارتن المطبخ ذات يوم وأنا على وشك أن أغسل إبريق شاى فخارياً يستعمله منذ سنوات. وقعت عيناه على يدى وفيها قطعة إسفنج غارقة فى الصابون. وقبل أن أبدأ فى «دعك» الإبريق من الداخل صرخ مارتن صرخة تردد صداها فى جدران البناية. ناااااااين (يعنى لأااااه).

أدركت للتو أننى أوشكت على ارتكاب جريمة فى حقه وحق البراد. وعرفت منه أن هذا الإناء الفخارى لا ينبغى أن يغسل بالصابون من الداخل، وإنما يتعين «شطفه» بالماء فقط. فالبراد المحترم تتكون على جداره الداخلى بمرور الزمن طبقة خفيفة، كلما زادت سمكاً صار طعم المشروب أجمل، ورائحته أكثر ذكاء.

عقل الإنسان، للغرابة، يعمل بنفس الطريقة. فى البداية تتكون فيه طبقة من معلومات أولية، نجتذب فوقها مزيداً من المعارف، تزداد غنى وعمقاً مع مرور الزمن. التكوين الأولى لا يكون انتقائياً بالضرورة. ويلعب فيه الإعلام دوراً مهماً بمشاركة المدرسة وميكروفونات المساجد والزوايا والكتاتيب.

منذ أيام، مررت بمكتبة لها واجهتان زجاجيتان. عرضت فى إحداهما طائفة من الكتب المنشورة بالعربية وفى الأخرى كتب بالإنجليزية. فى الأخيرة كانت معظم الكتب المعروضة تغطى مختلف الاهتمامات من التاريخ إلى دراسات المجتمع والعلوم المبسطة، والصحة والرياضة.

أما الواجهة العربية فحفلت بكتب السحر والشعوذة والطقوس الدينية أو ما يتم تداوله شعبياً عن غيبيات مثل عذاب القبر، إضافة إلى كتب الطبخ، وكرة القدم، وقصص حياة المشاهير، وعدد من الروايات المعروفة.

صاحب المكتبة استجاب باختياراته لخبرته بالمزاج السائد فى إضافة المعارف فوق طبقة تشكلت من اهتمامات محدودة فى عقول الغالبية. أما التاريخ، والعلوم والمبسطة، والصحة، والمعارف التى تتطور كل يوم، فلا يوجد من ينتصر لها أو يسهم فى تأسيس طبقتها الأولى.

مسؤولية تكوين وعى عام معاصر تقع بدرجة كبيرة على الإعلام. واجبه أن يقوم بـ«ترسيب» طبقة من المعارف يمكن لكل إنسان أن يبنى عليها بما يناسب اهتماماته، إلا أن الواقع يقول بغير ذلك.

إعلامنا استسلم لتجار الإعلانات، وتفرغ لاجتذاب الزبائن بآخر أخبار ياسر برهامى، ومرتضى منصور، وصافيناز، وببرامج لا تتجاوز اهتماماتها حدود الإثارة أو التسلية بالسياسة والرقص والغناء.

أبسط مبادئ العمل الإعلامى يقضى بتصميم خريطة برامج تغطى مختلف المجالات، وتجتهد فى تقديم وجبة متكاملة تسمح بتكوين طبقة من اهتمامات على جدار «إبريق العقل» من أجل نشر اهتمامات ومعارف أكثر اتساعاً ورحابة واتساقاً مع ما يجرى فى عالمنا.

فى انتظار إصلاح منظومة التعليم، ينعقد الأمل على إعلام الخدمة العامة المملوك للدولة من صحف ودور نشر، ومحطات إذاعة وتليفزيون تنتشر فى أرجاء المعمورة.

إعلام الدولة يمول من مواردها ومن ضرائب المواطنين، وينبغى تحريره من طغيان السياسة والإعلانات، ليتحمل المسؤولية الأكبر فى وقف عملية غسيل الأذهان اليومية «بالليفة والصابون». عليه أن يسهم بالدور المأمول فى حماية عقول الناس من أن تصبح ناعمة ملساء وجاهزة لاستقبال أحاديث التطرف، خاصة مع انتشار خطاب دينى مفرط فى استلهام الماضى، ومؤسس لثقافة الموت بدلاً من استشراف المستقبل والدعوة لحب الحياة.
نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع