علي سالم
ربما كان قد تخطى العشرين بسنوات قليلة. بنظرة خارجية سريعة، أستطيع أن أقول إنه لم يحلق ذقنه منذ أسابيع، وإن ملابسه لم تعرف الماء والصابون منذ شهور. قلت له: أنا مكلف بإجراء حوار معك عن الثورة والثوار وأرجو أن يكون مختلفا عن تلك الحوارات المنشورة والمرئية التى يردد فيها زملاؤك كلمات محفوظة أقرب للكليشيهات.
قال: موافق بشرط أن ينشر فى الصفحة الأولى.
قلت: أنا آسف يا بنى.. الصفحة الأولى مخصصة للأخبار المهمة فقط.
وهنا انفجر كقنبلة: وهل هناك ما هو أكثر أهمية من حوارى معك؟.. ثم ما هى حكاية «يا بنى» هذه؟ لا أحد فيكم يصلح أبا لأحد منا.. أنتم جيل الخنوع والاستسلام والانبطاح.. أنتم جيل الهزيمة، أما نحن فجيل الانتصار.
قلت: حسنا، بداية جيدة، هل تسمح لى بأن أسالك فى أى ميدان انتصرتم؟
رد والكلمات تخرج من فمه كشظايا قنبلة يدوية: انتصرنا فى معركة الدفاع عن إرادة المصريين، ولكنك لا ترى ذلك لأنك من جيل أعمى.
حتى الآن أنا متمسك بهدوئى، قلت: لا بأس.. دعنا نبدأ بالأسئلة البسيطة: ما هى مهنتك؟ أقصد ماذا تعمل؟
قال وهو يحاول أن يجارينى فى هدوئى: أعرف الهدف من السؤال، أنت تريد الوصول إلى أنى عواطلى.. بلطجى لا عمل لى ولا مهنة.. وهذا ليس مستغربا منك ومن جيلك من المفكرين السطحيين، أنتم عاجزون عن رؤية الأعماق لأنكم كسالى. أعترف بالطبع بأن العمل شرف وواجب وحياة، ولكن لو أن كل الناس انشغلت بالعمل فمن سيقود التحولات التاريخية؟.. هناك أصحاب مهن وهناك أصحاب رسالة، أنا صاحب رسالة.
قلت: نعم.. لقد شاهدتك على الشاشة الصغيرة وأنت تلقى بزلطة لا أعرف من أصابت.. هل هذا جزء من رسالتك؟
قال: آه.. أخيرا تلجأ للسخرية، وهى سلاح الضعفاء.. افهم يا أستاذ، نحن مَن يغيّر التاريخ، نحن أحشاء المدينة خرجنا للقضاء على هؤلاء الذين يريدون النيل من إرادة المصريين. الثورة مستمرة إلى أن تتحقق أهدافها، سنظل نقطع الطرق ونضايق الناس ونضغط على الحكومة إلى أن تتحقق أهداف الثورة.. تسألنى عن عملى؟ هذا هو عملى، أن أضغط على الحكومة إلى أن تتحقق أهداف الثورة التى أذكرك بها إذا كنت قد نسيت.. عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وقبل ذلك كله القصاص للشهداء والحصول على حقوقهم.
قلت له: يا عزيزى...
مرة أخرى انفجر صائحا: لست عزيزا عليك ولا أنت عزيز علىّ فلا داعى للنفاق، أنت ترى أننى وزملائى من أصحاب الرسالات نفسد الحياة فى مصر، بل نحولها إلى جحيم، وأعترف بأن ذلك صحيح، ولكن كل ما نفعله ضرورى من أجل تحقيق إرادة الشعب المصرى وبقية أهداف الثورة.. كلمنى بصراحة وكن واضحا.. هل أنت مع الثورة أم لا.
فصحت وأنا ألملم أوراقى وأستعد للانصراف: معاها والله.. معاها جدا.. معاها خالص.. وفيه ناس كتير شافونى ماشى معاها وقاعد معاها.. حتى اسألها.. وعموما أنا أشكرك، وسأنشر حوارك على الصفحة الأخيرة فى جريدة «الشرق الأوسط»، سلام عليكم.
نقلاً من كتاب «قزقزة فى لب الموضوع»
نقلآ عن المصري اليوم