د. مينا ملاك عازر
اليوم يمر ستة وأربعين عاماً على ذكرى الوقفة التعبوية التي اختلف الفريق الشاذلي في ترجمة معناها في التخطيط للقتال واعتبرها وقفة ونهاية، ومصطلح استرضائي للسوريين لإقناعهم للدخول في الحرب مشتركين معنا، واعتبرها الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل أنه كلام جاد وسينفذ، ومن هنا كان الخلاف أنه تحولت وقفة الجيش المصري لوقفة حقيقية للتعبئة واستأنف القتال، وقت ما تراه القيادة السياسية أنه أمر مطلوب وضروري، لنقطة خلاف حين بدأت العودة للتحرك لم يرضا الفريق الشاذلي عن العودة للقتال والتقدم للأمام، فهو مدرك أن ذلك سيخرج الجيش كله خارج نطاق مظلة الصواريخ والحماية المنصوبة لصد هجمات العدو الجوية، كل هذا لم يهم الرئيس السادات والمشير إسماعيل لو ضغطوا للتحرك، فكانت الثغرة بحسب تعليقات الفريق الشاذلي وبحسب تحليلاته العسكرية، التي تلوم عليهم أيضاً جمع كل الاحتياطي الاستراتيجي ودفعه للعبور ما جعله مطلوب منه العودة لتغطية الخلف وصد الجيب الإسرائيلي، والذي وإن اختلفوا حول قيمته وإمكانية تدميره أم لا، لكنه في الحقيقة كان أمر واقع مهدد لأهل السويس ولسير العمليات.
الفرق الشاذلي في مذكراته التي أستمتع الآن بقراءتها، وإن استشفيت منها كم الحنق المنصب على الرئيس السادات والمشير إسماعيل، لكنها تفيدني في الدخول لعمق الأستراتيجية والعقيدة القتالية التي تبناها أحد قادة الجيش المصري، وتعرفني بقدرات السلاح الذي كنا نحارب به، ومدى تطور سلاح العدو، فلنترك المذكرات الآن جانبا، فربما يكون لنا معها موعد قريباً، لكن المهم أن من خلال تلك المذكرات بان واضحاً حجم التباين في اختلاف الرؤى التي تحكم أفكار الثلاثة المتحكمين في مقادير الجيش.
وأعود لما قاله لي شخصياً أحد القادة العسكريين، لائماً على القيادة العسكرية وقتها بأنها لم تستوعب حجم النجاح الذي حققه الجندي المصري في القتال حينها، وأنه كان يسبق لما خططوا له، فأطالوا في وقفتهم التعبوية أو أطالوا في اتخاذ القرار باستأناف السير قتالاً نحو الممرات، فأضاعوا فرصة كبيرة لتحقيق انتصار عسكري مذهل على العدو الذي كان غارق في بحر التصدي لهجمات السوريين، وعدم استيعاب خسائره الهائلة في سيناء، يعيب العسكري المحترم على قادة جيش مصر آنذاك أنهم لم يستمروا في المضي قدماً ويؤكد لي أنه لو حدث ذلك لوصلنا للمرات قبل يوم العاشر من أكتوبر وعلى أقصى تقدير يوم الحادي عشر من الشهر ذاته، وكان حينها من الممكن التحصن بها، ولكن كان السؤال الذي سيبقى يدق بعنف على أبواب عقولنا، من ذا الذي كان سيحمي ويوفر المظلة الحامية للجيش المحارب ضد هجمات العدو الجوية، فأجابني القائد العسكري كنا نمتلك دبابات صواريخ سام 6 المتحركة، التي دفعنا بها حقاً للأمام ولكن متأخراً، وعبرت القناة لتؤمن التقدم المرجو، ذلك التقدم الذي فشل للأسف وباعتماد الرواية السابقة بوجود صواريخ سام 6 الأكثر تقدماً، والتي يمكنها التحرك وتأمين المجال الجوي وتوسيع المظلة الجوية فوق رجالنا المقاتلين، يمكنني أن أنقد رواية الفريق الشاذلي التي لم تكن تثق في إمكانية الوصل للمرات، وترى أن ذلك عبث وخطر وضرر بجنودنا، فهل أورد الفريق الشاذلي روايته هذه ليهدم ما فعله السادات ويحمله خطأ الثغرة هو والمشير إسماعيل، فإن فعل هذا، فصواريخ سام 6 تصد عن السادات التهمة، لكن تلقي عليه والمشير إسماعيل خطأ وتهمة التأخر في التقدم لاحتلال أكبر مساحة ممكنة من سيناء وهي إن عرفتم ليست تهمة لكنها في حقيقتها إشادة بالمقاتل المصري الذي تفوق على نفسه، فمعدلاته التي حققها وقت التدريب تؤكد ضعف الجندي الإسرائيلي، وأنهم كانوا يفيضون في تقييمه ويغالون في تقديره.
المختصر المفيد تحيا كل نقطة عرق بذلها رجالنا الشجعان في سبيل رفعة وتحرير الأرض.