د.ماجد عزت إسرائيل

  
    بعد سيطرة العرب المسلممن على منطقة الشرق الأوسط تحول معظم السريان إلى رعايا في الدولة العربية الإسلامية،وزالت الحدود السياسية القديمة من بينهم. ولا أحد ينكر دور السريان في المساهمة في التراث الثقافي العربي،وإذا جاز لنا التعبير أن نقول أن الحضارة العربية الإسلامية نضجت في كنف علماء السريان وأدبائهم الذين ساهموا في رفع راياتها بين الأمم.
 
فبعد سقوط  الدولة الفارسية شرقاً،واليبزنطية غرباً، قامت الدولة العربية الإسلامية حيث جاء الأمويون ما بين عام (661-750م) ومن بعدهم  جاء العباسيون في عام (750م) وظلوا حتى سقوط بغداد في أيدي المغول عام 1258م بعد قتل أخر خليفة عباسي وهو "المستعصم بالله" (656 هـ /1258)، وطوال هذه الفترة  الممتدة ما بين(661-1258م) أبقى الخلفاء المسلمون على العنصر السرياني ليواصل عمله الثقافي. وهكذا شهدت هذه الفترة ازدهار وإنتاج ونشاطات فكرية علمية لم تشهدها المنطقة من قبل،ويرجع ذلك إلى أن جذور المنطقة الثقافية تضرب في عمق التاريخ، من حيث تعدد المؤسسات الثقافية،وكثرة المواهب لدى السريان، وإكرام الأمراء والخلفاء وخاصة العباسيين للعلماء والمفكرين والنبهاء من السريان.
 
   والحقيقة التاريخية أن بلاد الرافدين وما حولها شهدت منذ قديم الزمان نهضة ثقافية كبرى حيث أنشاء السريان العديد من المعاهد ،والمدارس في بلاد آرام قبل الميلاد لتلقين الآداب والعلوم،وإلا فأين درس الحكيم احقيقار،والشاعر الفيلسوف وافا، وراما بعد الميلاد؟
 
فبكل تأكيد كان في بلاد ما بين النهرين العديد من المدارس حيث ذكر رينان قائلا:"أن الآداب السريانية انتقلت من بابل إلى ما بين النهرين في عهد برديصان" أى في القرن الثاني الميلادي.وذكر أحمد أمين قائلاً:
 
"كان للسريان ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلم العلوم السريانية واليونانية،وكانت هذه المدارس يتبعها مكتبات، وما أكده جرجي زيدان من اهتمام السريان بالنشاط الثقافي كلما كانت تتيح لهم الفرصة وخاصة ما بعد أن احتلت بلادهم حيث ذكر قائلا:"السريان أهل ذكاء ونشاط فكانوا كلما اطمأنت خواطرهم من مظالم الحكام وتشويش الفاتحين؛انصرفوا إلى الاشتغال في العلم فأنشأوا المدارس للاهوت والفلسفة واللغة، وتعلم علوم اليونان ونقلوها إلى لسانهم وشرحوا بعضها ولخصوا بعضها".
 
وقد احصى البطريرك"أفرام برصوم"في كتابه النفيس"اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية" واحد وعشرين موطنا ومعهداً.اشتهرت وازدهرت معظمها في الفترة الواقعة ما بين القرن الرابع وحتى أوائل القرن الحادي عشر حيث نرى نخبة كبيرة من العلماء يتخرجون منها ويحملون مشعل الثقافة السريانية عالياً. فإليهم يرجع شهرة اللغة والخط السرياني،ونشاط حركة النسخ،الذى كان منهم الراهب "رابولا"،ولهم باع طويل فى تشيد المكتبات مثل مكتبة دير السريان في وادي النطرون بمصر، ودير مار متى بالعراق،ولديهم خبرات وطرق فى حفظ المخطوطات وتجليدها وترميمها.وبرعوا في الفنون الجميلة والفريسكات والجداريات التى لا تزال على جدران الأديرة والكنائس تشهد لهم حتى يومنا هذا.