تحدثنا الأسبوع الماضى أن الصيف فرصة نشاط ونمو، كما تحدثنا عن خطورة فراغ القلب، وفراغ الفكر، وفراغ الوقت. كذلك تحدثنا عن أفضل الطرق لاستخدام الوقت فى الصيف وذكرنا منها: أولاً: تقدير قيمة الوقت. ونستكمل حديثنا حول:

 
ثانيًا: تنظيم الوقت وهذا يتطلب أن:
 
1- تذكر قول الكتاب المقدس: «انْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أف 15:5-16).
 
يجب أن تفتدى أوقاتك، من أوقات ضائعة لتتحول إلى أوقات مثمرة، حيث أعظم وزنة- وزنة الوقت- هباء! وهذا الأمر هو قمة النضوج الروحى والنفسى معًا!
 
2- ترتيب الأولويات: وذلك يعنى وضع الأشياء الأكثر أهمية على رأس القائمة، تليها الأشياء الأقل، بحيث إذا لم يتبق وقت، تحذف الأشياء البسيطة القليلة القيمة، لنفسح الوقت لما هو أهم.
 
والعلاقة بالله يجب أن تحتل مكان الصدارة من صلوات، وقراءات مقدسة، وخلوات يومية، ومراجعة النفس، وتداريب روحية. ويلى ذلك الدراسة أو العمل، ثم الخدمة داخل المنزل (الالتزامات العائلية)، والخدمة خارج المنزل، ثم الهوايات وأوقات الراحة... هذه كلها تحتاج إلى تنظيم.
 
3- استثمار الزمن: حدد الأولويات فى صورة برنامج يومى، وحدد لنفسك أوقاتًا ثابتة، تلتزم فيها بهذا البرنامج. فقانون استثمار الزمن هام جدًا، لئلا تعتاد على الحياة المفككة، والتى تخضع فيها لاهوائك ورغباتك الوقتية، ثم تكتشف بعد ذلك، أنك لم تستخرج من يومك أفضل ما يمكن..
 
وقد لا يمكنا أن نصنع ذلك بأمانة من اليوم الأول، لكن يمكنا أن نتدرب على ذلك بالصبر والمثابرة، للوصول إلى هذا المستوى.
 
4- محبة النظام: يجب أن نؤمن أن النظام هو تدبير إلهى، وأن الفوضى والتشويش هى سمة خاطئة، دخلت إلى البشرية، فأفسدت الصورة التى خلقها عليها الله «اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ، بَلْ إِلَهُ سَلاَمٍ» (1كو 33:14)، «لْيَكُنْ كُلُّ شَىْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ» (1كو 40:14). العفوية والتلقائية قد تكون مفيدة فى بعض الأوقات، لكن يبقى النظام كقاعدة عامة لليوم كله.
 
5- والنظام هو سر الخليقة كلها: سر حركة الكون واستقرار الطبيعة بكل اتساعها، فالكواكب والشموس والأقمار تتبع نظامًا محكمًا منذ آلاف السنين، وهذا النظام هو الذى يمكنها من أداء دورها بكل دقة.
 
6- والنظام هو تعبير عن الصفاء الداخلى، وهدوء النفس، أما الارتباك والحيرة والتشويش، علامة عدم الراحة والصراعات الداخلية العنيفة...
 
لذلك ليكن لنا فرص لهدوء أنفسنا، واستخراج المشاكل الداخلية، وعرضها أمام الله فى الصلاة، ومن هذا الهدوء الداخلى فلنبدأ فى تحديد أهداف حياتنا، ونرتب لها برنامجًا منظمًا، ونحدد لأنفسنا أوقاتًا ومواعيد نلتزم بتحقيقها..
 
ثالثًا: حياة الانضباط:
الانضباط هو السمة الثانية للحياة المثمرة.. فالانضباط هو حسن استخدام الطاقة، وحسن توظيفها...
 
والانضباط يولد فى قلبك الحرية: الحرية من أهوائك ورغباتك الداخلية، التى تولد داخلك الانقسام والصراعات. والانضباط هو الخضوع للقانون الثابت، عوضًا عن التخبط وراء الذات بكل صراعتها، أو وراء آراء الآخرين بكل تضاربها..
 
والانضباط يبدأ من:
1- وضوح الهدف: كلما كان الهدف واضحًا فى أذهاننا، كلما كان يمكننا أن نضبط أنفسنا ونتنازل عن أشياء كثيرة لتحقيقه.. وإذا ضعف انضباطنا، نذكر أنفسنا بالهدف الذى نسعى له، ونشجع أنفسنا للوصول إليه.

2- ضبط العادات: العادة هى تكرار الشىء بحيث يصبح جزءًا من طبيعتنا، نحياه لا شعوريًا.. وتطوير الشخصية يبدأ من اكتشاف هذه العادات السيئة، التى تغلغلت فى حياتنا، والتى تبدد أوقاتنا، ثم السعى نحو استبدالها بعادات جيدة ومثمرة. لنراجع عاداتنا اليومية: ثم نسأل أنفسنا لأى مدى أنا مرتبط بعادات تبدد طاقاتى ووقتى؟ قد تكون عادات جسدية مثل: عادة الجلوس أمام النت والفيس والشات بدون ضبط، أو عادة الكسل والنوم، أو عادة الشراهة فى الأكل، وقد تكون عادات نفسية: مثل عادة مسايرة آراء الآخرين، عوضًا عن التمسك بالمبادئ، أو عادة تجنب المسئوليات وإيجاد الأعذار للهروب منها، أو عادة السلبية والاعتراض المستمر على آراء الآخرين، أو عادة الانتقاد وكشف الأخطاء والهفوات، أو عادة التحدث عن الذات، أو عادة مقارنة النفس بالآخرين، بدلاً من مقارنتها بحسب وصايا الله.
 
3- استبدال العادات: ليس كافيًا أن نحدد عاداتنا السيئة، بل علينا أن نستبدلها بعادات حسنة بناءة..
 
وكل عمل نكرره بشوق ورغبة صادقة، ويستقر فى عقلنا الباطن، ويتحول إلى موقف يكرر نفسه بسهولة.
 
إذن نحدد لأنفسنا قائمة من العادات المفيدة والتى نتمنى أن تقتنيها فى حياتنا، مثل: القراءة والأمانة والصدق والوضوح والمحبة والاعتذاز والجدية واللطف، ونثابر عليها بصدق، لكى تتحول مع الأيام إلى ثوابت فى حياتنا اليومية.
 
4- نتعلم المثابرة: قد نبدأ جيدًا بشوق ورغبة فى التغيير، ولكن هناك بالتأكيد نقص شديد فى المواظبة على إكمال ما بدأناه. البدايات الحسنة كثيرًا ما تتحطم على صخرة الكسل والتراخى.. علينا إذن أن نعرف الحق، ثم نثابر للوصول إليه بدون ملل، وندفع ثمن النجاح بالصبر والاحتمال ونحمل مشاق التغيير.
نقلآعن المصرى اليوم