Mourad Rouziek 

نبذه عن ألموسيقار وألفنان ألراحل عبد ألظيم عبد ألحق : 

هو أحد أبناء بلدتنا أبوقرقاص ألبلد بمحافظة ألمنيا وقد كان بمثابة ألأخ وصديق ألعمر لوالدي ألمرحوم ( لبيب رزيق داود ) غير أن الكثيرين يحفظون ملامح هذا الرجل، ويعرفونه كممثل قام بتشخيص الأدوار التي ما زال بعضها عالقا في ذاكرتنا، ولكن ربما إن سألت أحدهم عن اسمه سيتعثر ولن يتذكره، بل ربما إن سألته عن دور مهم له، أو اسم لشخصية قام بأدائها في فيلم أو مسلسل ما، سيعود إليك سؤالك بالصمت! هل كان قدر هذا الرجل شبيها بقدر الكثير من المبدعين الذين ساروا دائما في الظل، ولم تخلد أسماؤهم في ذاكرة الجماهير، على الرغم من أن الكثير من أعمالهم الفنية مخلدة حتى الآن؟ هل كُتب على البعض أن تكون شهرتهم أقل بكثير من شهرة بعض أعمالهم، وأن يعلو حظ العمل عن حظ صاحبه، للدرجة التي تجعلنا لا نربط العمل بمن أبدعه، ويصبح هذا العمل الفني كطفل شيطاني بلا أب؟ هل كان هذا الممثل من بين هؤلاء البائسين أصحاب الحظ العاثر، الذين لم يخلدهم التاريخ، بل ضنّ عليهم بالشهرة التي يستحقونها، ومنعهم من نيل المجد اللائق بقيمة أعمالهم. ماذا إذا عرفنا أن هذا الرجل لم يكن ممثلاً رائعًا فقط، بل كان أيضًا ملحنا عبقريا، وموسيقارا بارعا، وأنه قد ترك لنا رصيدا كبيرا جدا من الأغنيات العظيمة الشجية، تلك الأغنيات التي قام بغنائها كبار مطربي ومطربات جيله؟! هل سنعتبر عدم علمنا بهذه المعلومة دليلا آخرعن جهلنا، وعدم سعينا للبحث والتنقيب في كل صفحات تاريخ الفن، أم سنتأكد أنه واحد من هؤلاء المناحيس، الذين لم تسمح لهم الحياة بترك البصمة الموازية لقيمة أعمالهم في ذاكرة الجماهير؟!
 
دعونا نفتح صفحة من صفحات مناحيس المسيرة الفنية في مصر، ونقوم بمحاولة لنفي شبهة الجهل عن أنفسنا، ونقرأ أكثر عن هذا الرجل، عن عبد العظيم عبد الحق. ولد عبد العظيم عبد الحق في بلدة أبي قرقاص، محافظة المنيا، في بداية عام 1906، كان والده من أعيان الصعيد وأصحاب المقام الرفيع بها، كان من كبار تجار الغلال وأشهرهم في الوجه القبلي. حفظ عبد العظيم أجزاء من القرآن علي يد الشيخ "الكرداني"، الذي علّمه أصول التلاوة، فعرف كيف يصعد بصوته لمنطقة "الجواب"حين يتلو "السماوات"، وكيف يهبط به لمنطقة "القرار" حين يتلو "والأرض"، فتسربت الموسيقي في أعماقه من خلال تعلم تلاوة القرآن دون أن يدري، واحتلت مساحة كبيرة في لا وعيه!
 
وحين التحق عبد العظيم عبد الحق بمدرسة أبي قرقاص، بدأ مسيرته الموسيقية في غرفة الموسيقي، وتعلم أصولها على يد "الخوجه" شحاتة أفندي مدرس الموسيقي في المدرسة، بدأ في تعلم العزف على آلة الترومبا النحاسية، ثم تعلم العزف على آلة الفلوت الخشبية، وكلاهما من الآلات الغربية التي لا تحمل نغماتنا الشرقية، ورغم هذه البداية الغربية فإن جميع ألحانه فيما بعد تميزت بالشرقية الأصيلة، واحتضنت في كل "مازورة" منها مقام من مقاماتنا العربية البديعة. حين كان في الحادية عشرة من عمره قام بزيارة لأحد أقاربه في القاهرة، وجمعته الصدفة بالشيخ "سيد درويش"، الذي أعجب جدا بصوته وبأسلوبه في الغناء، وطالبه الشيخ سيد بأن يستمر في الفن، وشجعه على إثبات ذاته في عالم الفن. عرض "عبد العظيم" على عائلته رغبته العارمة في ممارسة الفن، إلا أن والده قد رفض هذه الفكرة بشدة وهدده بالحرمان من الميراث، بل إنه قد حدد إقامته في غرفته ومنعه من الخروج من البيت، كان وضع عائلته حساسا للغاية، فقد كان شقيقه "عبد الحميد باشا عبد الحق" وزيرًا للأوقاف والشئون الاجتماعية في تلك الفترة، وشقيقه الآخر كان وزيرًا للمواصلات، لذا أصر والده وبشدة على أن يرسل "عبد العظيم" إلى كلية الحقوق، كان طموحه أن يري هذا الابن الصغير جالسا على مقعد وزير العدل، حتى تكون حصته ثلاثة من الوزراء دفعة واحدة في التشكيل الحكومي!
كان شغف "عبد العظيم" الشديد بالفن، ورغبته الملحة في تحقيق نصيحة الشيخ سيد درويش، وحلمه بالوصول بموسيقاه إلى حناجر المطربين، أسبابا كافية تماما جعلته يفكر في الهرب والفرار من رغبات أبيه، ومن أحكام تقاليد الأسرة العريقة. وبالفعل نفذ مخططا سريا للهرب من قبضة الأسرة، وسافر إلى عاصمة الفن، مدينة القاهرة، حيث ستتغير كل حياته هناك. التحق "عبد العظيم" بفرقة "أمين صدقي" وعمل بها كمطرب من مطربي "كورال" الفرقة، وكان أجره ثمانية قروش فقط، إلا أن والده وبمساعدة واحد من ولديه الوزيرين أعاد عبد العظيم إلى بيتهم في محافظة المنيا مرة أخرى، وعاد "عبد العظيم" للهروب! هذه المرة اختبأ "عبد العظيم" في مخزن الإكسسوارات الخاص بفرقة الفنان "علي الكسار"، وعمل في كورال فرقة الشيخ "محمود صبح" لفترة طويلة، ثم انتقل للعمل في كورال الشيخ "زكريا أحمد" لمدة مشابهة، كانت هذا الفترة أشبه بالالتحاق بمعهد موسيقي كبير لتعلم أصول الموسيقى والغناء، إلا أنه لم يكتفِ بمعهد الشيخين غير الرسمي، وقرر الالتحاق بمعهد الموسيقي العربية، ورغم سنه الكبيرة (40 عاما) فإنه كان يملك رغبة شديدة في دراسة الموسيقى بشكل أكاديمي ممنهج، ومن الصدف الغريبة أن "عبد الحليم حافظ"، والملحن الكبير "كمال الطويل"، والموزع والمؤلف الموسيقي "علي إسماعيل"، كانوا جميعا زملاء الصف "لعبد العظيم" في معهد الموسيقى العربية!
 
تدخل بعض الحكماء للإصلاح بينه وبين أبيه، وحتى يرضى عنه والده، قَبِل بالفعل أن يعمل كموظف حسابات في مطار المنيا، لكن هذه الوظيفة لم تمنعه من ممارسة الفن، حيث إنه كان يسافر إلى القاهرة خلسةً في طائرة صديقه الطيّار "محمد صدقي"!
 
استطاع "عبد العظيم عبد الحق" أن يلتحق بالإذاعة المصرية وقدم لها عددًا كبيرًا جدًّا من الألحان الهامة، لكنه كان يعتبر أن بدايته الحقيقية كملحن صاحب شأن جاءت مع أغنية "تحت الشجر يا وهيبة" التي شدا بها الفنان "محمد رشدي"، وكتبها الشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودي"، والتي لاقت نجاحا مدويا. ربما قد تندهش بشدة إذا عرفت أن العدد المثبت والموثق للألحان التي قدمها "عبد العظيم عبد الحق" للإذاعة المصرية حوالي (400) لحن، كما أنه وضع الموسيقى التصويرية لأكثر من (30) فيلما سينمائيا، و(16) مسلسلا تليفزيونيا. ويعتبر "عبد العظيم عبد الحق" أول من أدخل المقدمة الغنائية على الدراما التليفزيونية مثل مسلسلات "الرحيل، وهارب من الأيام، والضحية، والنصيب، والقاهرة والناس، وعروس اليمامة، والساقية" والحلقات الإذاعية مثل "كلمات مضيئة". من أعمال "عبد العظيم عبد الحق" الغنائية المهمة في مسيرته الموسيقية، كانت أغاني، "في قلبي غرام لعبد المطلب، سحب رمشه وألفين صلاة على النبي لمحمد قنديل، الفرحة تمت لفايزة أحمد، تحت الشجر يا وهيبة لمحمد رشدي". كما قام بالتلحين لمطربين عدة، مثل كارم محمود، وسيد مكاوي، وشريفة فاضل، وملك محمد، وشفيق جلال، وحورية حسن، وعباس البليدي.
 
ومن الطريف أنه لحن أكثر من عمل لإسماعيل شبانة، شقيق عبد الحليم حافظ، الذي لما يحالفه التوفيق كما حالف عبد الحليم، كان من أشهر هذه الأغاني أغنية، قلبي حبك. لم يلتفت الكثير من النقاد، ولم يهتم الجمهور بتكريم "عبد العظيم عبد الحق" من أكبر معاهد الموسيقى في إيطاليا. ابتعد "عبد العظيم عبد الحق" عن التلحين نهائيا، حين شعر بهبوط الذوق الموسيقى، وانتشار الفن الهابط، وآثر الابتعاد عما سماه زمن الفن الرديء، بكلماته المبتذلة، وأدائه الرقيع، وهدفه الضائع، وكان يرى أن الغناء قد تم احتكاره من عديمي الموهبة وتجار الموسيقى! حاول "عبد العظيم" تعويض هجره للتلحين بهوايته الأخرى، وهي فن التّمثيل، ولا شكّ أن نجاحه في بعض تمثيليات التليفزيون وبعض الأفلام السينمائية، جعل الكثير منا ينسى "عبد العظيم عبد الحق" المُلحن الكبير، صاحب مجموعة من أهم الألحان في مكتبة الموسيقى العربية. "عبد العظيم عبد الحق" الذي بدأ ملحنا وانتهى ممثلا، لم يلقَ منا جميعًا التكريم المناسب لموسيقاه، ولا التقدير الكافي لتمثيله. لقد منحنا "عبد العظيم عبد الحق" أكثر بكثير جدا مما أعطيناه!