خلال شهر مايو الماضي، أصدر هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركي، قرارًا بزيادة رواتب الإخوان الهاربين إلى تركيا، من العاملين فى قناتى «الشرق ومكملين»، عقب اجتماعه معهم ومطالبتهم بزيادة حدة الهجوم على الدولة المصرية.

ويُعد معتز مطر أعلى المذيعين أجرًا، حيث كان يتقاضى 28 ألف دولار وتم رفعه إلى 35 ألف دولار شهريًا، يليه محمد ناصر الذى كان يتقاضى 26 ألف دولار شهريًا وتم رفعه إلى 30 ألف دولار، ثم حمزة زوبع الذى يحصل على 14 ألف دولار شهريًا بزيادة 3 آلاف دولار، وجمال الجمل من 6 آلاف دولار إلى 8 آلاف دولار شهريًا، بينما تمت زيادة راتب سكرتيرة أيمن نور وكاتمة أسراره وزوجته الجديدة دعاء حسن، مقدمة برنامج «صباح الشرق» من 9 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار شهريًا.

كما أن سلامة عبد القوى أحد شيوخ الفتنة الموالين للإخوان يتقاضى راتبًا شهريًا يصل إلى 7 آلاف دولار بزيادة ألفيْ دولار، فى حين يتقاضى عصام تليمة 5 آلاف دولار بزيادة ألف دولار شهريًا، ويتقاضى أحمد العربى مقدم برنامج «كلام دوت كوم» وبرنامج «يستفتونك» 6 آلاف و500 دولار شهريًا بزيادة 2500 دولار.

كما شمل قرار رئيس جهاز الاستخبارات التركى زيادة رواتب إعلاميين آخرين، من الذين دأبوا على تلقى تمويلٍ مشبوه لمناصبة الدولة المصرية العداء، وهو ما يمثل خيانة صريحة للوطن مقابل حفنة دولارات.

ومنذ العام ٢٠١٣، ظهرت عديد من القنوات الفضائية الموجهة إلى مصر من الخارج «إسطنبول بالأساس بالإضافة إلى لندن والدوحة» تتبنى العداء للدولة المصرية بشكلٍ ممنهج، وتناصر المواقف السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، وسعت هذه القنوات إلى تقديم خطاب مغاير، يعتمد على عدد من البرامج الحوارية التى يتم بثها يوميًا، وفى كل حدث سياسى تتبنى هذه البرامج محاججة واستراتيجيات إقناعية، تستهدف بها تقديم خطابها المغاير على نحو يكسب عقول الجماهير.

وتُعد هذه القنوات «قنواتٍ مُعادية» لأنها قنوات فضائية ممولة من دول أجنبية، وموجهة من الخارج باللغة العربية تتبنى خطابًا عدائيًا ضد الدولة المصرية، ويمثل الخطاب السياسى الذى تقدمه تلك الفضائيات نموذجًا لفهم الاستراتيجيات التداولية التى تنتهجها هذه القنوات بشكلٍ متعمد.

من هنا، فإن منح الخطاب السياسي «المُعادى» حقّه من الدراسة والتحليل لأنه يستحق منّا الاهتمام والمجهودات الكافية، بدون الاكتفاء بالوصف الظاهر لمحتوى الاتصال أو الخطاب، فمن الأهمية بمكان دراسة لغة الخطاب السياسى الذى تقدمه هذه الجماعات، عبر وسائل الإعلام من فضائيات وشبكات تواصل اجتماعى.

وقد تطورت التداولية فى إطار تطور الفروع المعرفية لعلوم اللسانيات، فأصبحت موضوعًا مألوفًا فى تحليل الظاهرة الكلامية، حيث تهتم بدراسة الغايات من التواصل، وليس مجرد التراكيب والصياغات اللغوية، كما تُعد دراسة أسلوب الحِجَاج «المُحَاجَجة» بالإضافة إلى أساليب «المغالطة» من المحاور الكبرى فى دراسات التداولية، وهى آليات مهمة فى تحليل الخطاب السياسي، فغالبًا ما يلجأ الإعلامى ذو الأيديولوجية السياسية إلى أساليب المغالطة لتمرير محاولات الإقناع للجماهير، لأنها الأكثر قدرة على تحليل ودراسة الخطاب السياسى الذى تقدمه الفضائيات الموجهة، والخطاب السياسى يمكنه تحقيق غاياته من خلال اللغة، ومن آليات ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر، استخدام مقدمى البرامج التليفزيونية الاستعارة والتشبيه والأكاذيب والتلفيق والافتراضات المسبقة وأساليب التجميل والتقبيح.

تحليل الخطاب السياسي للفضائيات المُعادية
فى هذا الإطار، جاءت الدراسة المهمة التى أعدها د. إيهاب حمدى جمعة المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعنوانها: «الاستراتيجيات التداولية فى تحليل الخطاب السّياسى للقنوات التليفزيونية الفضائية المُعادية: تغطية افتتاح المسجد والكاتدرائية نموذجًا» والتى عُرضت مؤخرًا ضمن جلسات المؤتمر العلمى الرابع للمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق، حيث استهدفت الدراسة توظيف أحدث ما جاء فى الدراسات التداولية، وهو كشف أسلوب المغالطات فى الخطاب السياسى باعتباره أقوى الخطابات وأكثرها وقعًا على المتلقي، بالإضافة إلى تقديم نماذج من محاولة فضائيتيْ «مكملين» و«الشرق» المعاديتين أثناء التغطية الإعلامية لافتتاح مسجد «الفتاح العليم» وكاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة، لكى نفهم من خلالها كيفية ورود الآليات فى خطاب هذه القنوات وما تسعى لتحقيقه فى الواقع السياسي.

وقد سعت الدراسة إلى محاولة الإجابة عن تساؤليْن مهميْن هما: ما أهم الاستراتيجيات التداولية المستخدمة فى الخطاب السياسى للفضائيات المعادية؟ وما أهم أساليب المغالطات والتضليل الحجاجى المستخدمة فى الخطاب السياسى للفضائيات المعادية؟

تحليل مقاطع من «الشرق ومكملين»
يتمثل مجتمع الدراسة التحليلية فى عدد «٢٠» مقطعًا من مقاطع حلقات برامج من فضائيتيْ «الشرق» ومكملين»، برنامج «مع معتز» برنامج التوك شو الرئيسي، وبرنامج «ابن البلد» هشام عبدالله، وبرنامج «مصر النهاردة» لمحمد ناصر، علاوة على مقاطع فيديو لبعض الإعلاميين الهاربين، تم إذاعتها منها مقاطع للمجرم الهارب وجدى غنيم، والهارب صابر مشهور، والهارب حمزة زوبع، ويدعون العمل فى المجال الدعوى والإعلامي والسياسي، كنماذج للخطاب الإعلامي المُعادى.

الاستراتيجيات التداولية فى الخطاب السياسى للفضائيات المعادية
توصلت الدراسة إلى استخدام الفضائيات المُعادية نوعيْن من الاستراتيجيات التداولية بشكل متفاوت:

أولًا: الاستراتيجية التَصريحية، وفيها يتعامل المُخاطِب من منطلق السلطة، ويتكلَم من مواقع القوة والنَفوذ وغالبًا هنا ما يستهدف المؤيدين والتابعين ممن له سلطة عليهم، وبالتالى يستخدم التَعبير الصَريح والمباشر، ويأخذ الخطاب منحى تعليميًا وتوجيهيًا مستندًا إلى مبرراتٍ محددة تعطيه هذه السلطة، ويبدو المُخَاطِب آمرًا، ويبدو المُخَاطَب مُلزمًا بالامتثال له وتنفيذ أوامره، وسلطة المرسل هنا مستمدة من عنصريْن توصلت الدراسة إليهما من تحليل الخطاب فى عينة الدراسة وهما: سلطة حرية التعبير المزعومة.

حيث يفترض القائمون على هذه الفضائيات، قبول المتلقى من الجمهور المصرى المتابع لبرامج الفضائيات المعادية للمحتوى، من واقع ما يترسم فى الأذهان من كون مقدمى البرامج يعيشون فى أمان نسبى خارج مصر، وبالتالى فهم ليسوا فى حاجة إلى مجاملة النظام المصرى أو نفاقه، ومن هنا فإن حديثهم حرًا وينطلق من قناعاتهم الشخصية وليس مجاملةً أو نفاقًا، وبالتالى يمكن أن يمثل ذلك عنصر أفضلية فى المقارنة بباقى القنوات المصرية الوطنية التى تبث فى الداخل المصري، على نحو يجعل من حرية التعبير التى يدعون توافرها لديهم فى دول المهجر التى لجأوا إليها، سُلطةً تسمح لهم بتوجيه الخطاب نحو الداخل، وهى فى واقع الأمر حجة واهية، ويكفى مراجعة الأحاديث الصحفية والمنشورات التى بثها موظفو هذه المحطات، التى فضحت شكل الإدارة لهذه القنوات والسلطوية التى تعامل العاملين بها، وعقوبات الفصل والتشريد التى تلاحق من ينتقد آليات الإدارة فى هذه الفضائيات، من جهة أخرى فهذه القنوات لا يمكنها بحال توجيه أى نقد للسلطة فى تركيا، ولا يمكنها انتقاد مواقف وسياسات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وممارسات حزبه القمعية.

سلطة التضحيات المزعومة
يدعى مقدمو البرامج صورة نمطية للاضطهاد، فيقدمون أنفسهم على أنهم الهاربون من بطش الحكومة المصرية المُضَحين بالغالى والنفيس من أهلٍ وأقاربَ وأموالٍ، لإصرارهم وثباتهم على منهج قول «الحقيقة» وإعلام الجمهور المصرى بها، وبالتالى فإن ذلك يمنح خطابهم هذا السلطة التوجيهية المزعومة للجماهير التى لم تقدم أية تضحيات، ولا يمكنها وفقًا لذلك المعيار المزايدة على هؤلاء، وواقع الأمر أن هؤلاء لم يقدموا أية تضحيات، بل على العكس تحسنت أحوالهم جميعًا من الناحية المادية، ويتم تكرار سردية المعاناة والاضطهاد خلال الخطاب، فمثلًا فى أحد مقاطع زوبع بعنوان: «زوبع يكشف عن دعوة سما المصرى لصلاة الجمعة بمسجد الفتاح العليم» يتحدث كيف أنه لا يجد وجبة العشاء هو وطاقم العمل فى المحطة، فيقول: الناس بتشفق علينا - اتعشيتوا يا ولاد ولا حد من المشاهدين يبعتلنا عشاء - فتكرار خطاب المظلومية يجعل لمقدمى تلك البرامج السلطة، بحيث يستعملون خطابًا توجيهيًا يُعدّ إلزامًا للمُخَاطَب من عموم الجماهير.

سلطة الفقه الديني والعلم الشرعي
غالبًا ما يعتمد المتحدثون أسلوب الإيهام للجمهور بالعلم الشرعى والفقه من خلال المظهر من «لحية» و«جلباب» ومن خلال الخطاب الدينى الذى يستند إلى أحاديث نبوية وآيات قرآنية، وبالتالى تُستخدم الاستراتيجية التصريحية، فى إصدار فتاوى مباشرة لجمهور التابعين والأعوان، وهم لا يحتاجون للتلميح بل يتم التعامل معهم بسلطة العمل القيادى، حيث يصرح المتحدثون بمواقفهم مثلًا فى «تكفير» رموز الدولة: فمن أمثلة التكفير من مقاطع وجدى غنيم حلقة بعنوان «ردى على كذب وتدليس وجهل أحمد الطيب فى افتتاحه للكاتدرائية الصليبية» يقول حرفيًا: «المهندسين اللى ساعدوا فى بناء الكاتدرائية حسبى الله فيهم وف لحمه وف دمه وعضمه فلا يجوز معاونة أهل الشرك على شركهم، وموالاة ظاهرة وضعف ف العداء وترميمها معصية، ده كلام العلماء مش كلام شيخ الأزعر المدلس الكاذب».

الاستراتيجية التلميحية: وهى تبدو أكثر تعقيدًا من حيث طرائق الأداء، وفى هذا السياق يُجمع أغلب الباحثين فى التداولية، على أن المتكلَم يلجأ فى حالات كثيرة إلى أساليب التَعبير الضَمني، ويلجأ إلى الإيحاء والتلميح أكثر من التعبير الصَريح، آخذًا بمبدأ «المواربة» و«الالتواء» من خلال اجتناب المباشر والتَصريح، وترتكز فى الخطاب الإعلامى للقنوات محل الدراسة على آليات متنوعة من التضليل والإيحاءات والمغالطات والسخرية والتهكم، أو يتم استخدام أسلوب التهكم والسخرية ونشر الشائعات من مقاطع برنامج مع زوبع على فضائية «مكملين» حيث يقول: «مسجد فى الصحراء - مفيش زبون هناك - نبنى جامعة و٢ مستشفى لزراعة الكبد بثمن المسجد اللى محدش حيصلى فيه - والتهكم «مسجد الفتاح فيه تخفيض هائل تصلى فيه ٣ صلوات ف اليوم بس» - «يا عينى ملبسين كل البنات فى الرحلة إشارب أحمر ده إعدام ده وللا إيه؟ هوه ده أوكازيون هو عمرك ما شفت مسجد؟؟ وإن شاء الله الأستاذة سما المصرى حتروح تصلى فيه دى بتصلى ٧ فروض ف اليوم» - «مستغرب إن بقول ٧ صلوات ما همه حيعملوا دين جديد فى المسجد ده، حتصلى الجمعة يوم الأحد يوم الاتنين، واحتمال يجى القسيس وأسامه الأزهرى يصلى هناك» أو الإيحاء والالتفاف من مقاطع محمد ناصر قناة الشرق، حيث يتحدث عن تعيين الدكتور أسامة الأزهرى شيخًا للأزهر، فيقول: «كان ف الصور أسامة الأزهرى ومفيش شيخ الأزهر مفيش دور لشيخ الأزهر داخل المسجد على الإطلاق، وكأن شيخ الأزهر مش مسلم أو ملحقش يتوضى يمكن».

الإيحاء بأسلوب «يبدو على ما يبدو أنا معرفش لكن يبدو» أن شيخ الأزهر قدم استقالته خلاص لأن شيخ الأزهر شخصية مش بتحب تواجه ده، راجل عاطفى رومانسى مش زى جاد الحق، ده حساس بيتقمص يودى وشه بعيد وبيتقمص»، ما هو أسامة الأزهرى هوه شيخ الأزهر الجديد».

المغالطات المستخدمة فى الخطاب السياسى
توصلت الدراسة إلى استخدام عديدٍ من أساليب المغالطات فى الفضائيات المعادية: منها التناقض القولي: وهو قولٌ لا يُراعى فيه المتكلم السلامة المنطقية، كأن يتحدث عن غياب شيخ الأزهر عن الحضور للاحتفال، ثم فى حال حضوره يتكلم عن سر تجاهله، فإذا لاحظنا فى ثلاثة مقاطع قبل حضور شيخ الأزهر ثم بعد حضوره نجدها على النحو التالي: «محمد ناصر يكشف السر لرفض شيخ الأزهر حضور افتتاح مسجد السيسى بالعاصمة الجديدة»، «محمد ناصر يكشف سر منع السيسى لشيخ الأزهر من إلقاء كلمته وافتتاح مسجد الفتاح العليم»، «محمد ناصر يكشف عن سر تجاهل السيسى لشيخ الأزهر خلال افتتاح مسجد الفتاح العليم».

التناقض الأخلاقى العملي
ويتمثل فى تناقض أقوال المتكلم وأفعاله أو استنكاره شيئًا يقع فيه، مثل ادعاء التديُّن والدفاع عن الدين وانتهاج أسلوب السُباب والألفاظ القبيحة، ومن أمثلة التناقض الأخلاقى العملى من مقاطع زوبع العنوان: «زوبع يكشف عن الزى الموحد للمصلين فى أول صلاة جمعة بمسجد الفتاح العليم» فيه ناس لابسة أبيض أهم فى الجامع، واضح أنهم أقنعوهم أنهم حيروحوا يلفوا حوالين الحرم، يروحوا بقى يقولوا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك».

ومن أمثلة التناقض الأخلاقى العملى من مقاطع وجدى غنيم حلقة بعنوان «ردى على كذب وتدليس وجهل أحمد الطيب فى افتتاحه للكاتدرائية الصليبية»؛ حيث يكيل السباب واللعان بأقذع الألفاظ فيقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى هذا المجرم أحمد الطيب شيخ الأزعر»، «لا صلاح بدون انتخاب شيخ الأزهر لكن ده خاتم ف إيد رئيس الجمهورية»، «مين الطيب ده كان عضو مميز فى أمانة جمال السياسات فى عهد حسنى مبارك المجرم - اتفق مع السيسى وتواضروس على عزل فخامة الرئيس المنتخب محمد مرسي - طلع فتوى كده إن الكتاب اللى بيقولوا الصليبيين مقدس عندهم، لا يجوز للمسلم أن يمسه إلا إذا كان متوضى زيه زى القرآن الكريم».

حِجَاج القوة
ويتمثل فى حمل المخاطب على سلوك معين بالاستناد إلى التهديد المعنوى أو الجسدى «مثل ليكم يوم، الشعب مش حيسيبكم،....)، ومن أمثلة ذلك: ١- المُحَاججة بالتجهيل أو الاحتكام إلى الجهل وتقوم على إفحام المُخَاطَب انطلاقًا من تعجيزه على أن يُدلى بما ينفى الحجة المقدمة له، وتكمن المغالطة فى أنه إن لم يتوافر للمُحَاجِج دليلٌ ينفى حجة خصمه لحظة الحوار، فليس معناه أن الحجة صحيحة بشكلٍ مطلق، مثلًا فى أحد المقاطع بقناة «مكملين» «السيسى حيبقى مضطر يبنى مسجد تانى بين المساكن فى العاصمة الجديدة»، وهو ما يُعد مغالطة الاحتكام إلى الجهل بافتراض جهل المتلقين لعدم درايتهم بتفاصيل المشروع، وبالتالى يصبح الاحتمال بالاحتياج لمسجد جديد صحيحًا.

٢- السفسطائية: القياس الذى تكون مقدماته صحيحة ونتائجه كاذبة، ولكنه يبقى مطابقًا لقواعد المنطق، فيجد الإنسان نفسه عاجزًا عن دحضه، ولذلك يعد الفلاسفة هذه المغالطة المنطقية «حكمة مموهة»، ومن أمثلة المغالطات السفسطائية من مقاطع صابر مشهور حلقة ١٤٦٢ ( ٧-١-٢٠١٩) استشهادات بوقائع تاريخية عن استخدام الاستعمار لمجاملة الشعوب المستعمرة دينيًا، مثلًا أن يشهر نابليون بونابرت إسلامه أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وهى مغالطات مقدماتها صحيحة وهى استغلال الاستعمار للخطاب الدينى لكسب ود الشعوب المُسْتَعْمَرة ولكن نتائجها كاذبة، فليس معنى أن الاستعمار يصنع ذلك، أنه لا ينبغى على الحاكم فى العصر الحديث بناء دور العبادة لمواطنيه المسلمين والمسيحيين، فالقاهرة تشتهر بأنها مدينة الألف مئذنة التى بناها الحكام على مر العصور منذ فتح عمرو بن العاص مصر.

المصادرة على المطلوب
عندما تكون النتيجة موجودة فى المقدمة، ويوجد إجماع فى المصادر القديمة والحديثة على اعتبار المصادرة على المطلوب خطأً منطقيًا يتمثل فى المصادرة على النتيجة التى ينبغى الوصول إليها، وهى تأتى عادة فى شكل حجة دائرية، لأن المتكلم يعود إلى المقدمة فى الاستنتاج، وتستعمل حجة المصادرة على المطلوب فى السياسة كثيرًا، مثلًا الجدوى الاقتصادية من العاصمة الإدارية أو المسجد أو الكاتدرائية، ثم الحديث عن ضرورة التنمية وحل العشوائيات، ثم الحديث عن مخاطر الاستدانة، يليها عدم الجدوى من العاصمة الادارية مرة أخرى.

غياب المصدر
غياب المصدر أو عدم وضوحه أو ضعفه يضعف الحِجَاج، ويُستخدم ذلك بكثرة وفى عديدٍ من المواقف التى تدعى مثلًا عدم رغبة شيخ الأزهر فى الحضور، أو فى استياء البابا تواضرس من موقع الكاتدرائية، أو فى العشرات من المعلومات المجهولة التي يتم قذفها مباشرة فى وجه المشاهد، وكأنها حقائق من مصادر مطلعة.

التماس المشاعر
وهى محاولة إثارة المشاعر بدلًا من تقديم حجة سليمة وقوية، ومن المهم ملاحظة أنه فى بعض الأحيان قد تثير حجة سليمة منطقيًا بعض المشاعر، أو أن تحتوى على جانب مشاعري، ولكن تحدث المغالطة عندما تُستخدم المشاعر بدلًا من الحجة، أو لإخفاء الضعف فى الحجة، كمحاولة استغلال العواطف الدينية مثل «بلد الأزهر تفتتح مسجد بالراقصات»، وذلك فى إشارة لاستخدام الموسيقى والفن فى احتفالية افتتاح المسجد والكاتدرائية، أو استثارة المشاعر الوطنية بأن «مصر الحضارة.. الصهاينة بيلعبوا الحَجْلة في سيناء ودخلوا تانى».

القدح الشخصى أو الشخصنة
تحدث مغالطة الشخصنة عندما يُرَدُ على حجة بالهجوم على صاحب الحجة بدلًا من الحجة نفسها، فمن مقاطع صابر مشهور حلقة ١٤٦٢ ( ٧-١-٢٠١٩) فى الهجوم على الإمام الطيب «الشيخ الطيب لا يمثل المسلمين، ولم يتم انتخابه، ولا يعبر عن المسلمين فى كلمته لافتتاح الكاتدرائية والحزب الوطنى ومبارك فرضوه علينا».

ومن أمثلة الشخصنة فى مقاطع وجدى غنيم حلقة بعنوان «ردى على كذب وتدليس وجهل أحمد الطيب فى افتتاحه للكاتدرائية الصليبية» يقول «سمح بعودة الطلاب الإيرانيين الشيعة للدراسة فى الأزهر، وبيتهم السلفيين بالتكفير وبيتطاول على ابن تيمية، مصر تُحْكَم إلى الآن بقانون فرنسى ولم يعترض، ولم يستنكر ترحيل المصريين من رفح لصالح اليهود، فى مؤتمر فى بورما قال إن البوذية دين إنسانى وأن بوذا هو الحكيم الصامت، ويقول تكفير الشيعة مرفوض وسأصلى خلفهم فى النَجَف، وافق على حصار قطر فى رمضان، يقول شوف الخيبة اللى جاية شفاعة النبى للمؤمنين وللكفار.. ده واخد الدكتوراه بتاعته مش فى الدين فى الفلسفة، ولا بيعرف يقرأ قرآن ولا يجيب أحاديث».

الاحتكام إلى سلطة
هذا النوع من المغالطات هو الأسهل فى التعرف عليه، ويحدث عندما يتم إسناد النتيجة إلى حكم شخص أو أشخاص خبراء بموضوع الحجة، وهى تسمى كذلك بمغالطة التصنيف والتنميط؛ فمثلًا استخدم وجدى غنيم مغالطة الاحتكام إلى سلطة العلم الشرعي قائلًا: «أنا مش حرد حخلى ابن تيمية يرد يقول ابن تيمية من اعتقد أن الكنائس دور عبادة أو أعانهم على فتحها أو إقامة شعائرهم فهو كااااافر (تكفير شيخ الأزهر)».

حجة الكذب
وهى جميع أنواع الحجج المبنية على التلفيق والكذب، فمن مقاطع زوبع وأكاذيبه «إزالة ١٣ كم فى العاصمة الإدارية الجديدة بعد رصفها حول مسجد الفتاح العليم - البابا تواضروس قال على الكاتدرائية لا يا عم دى بعيدة ومفيش فيها ناس وأنا مش حسيب بتاعة العباسية - رئيس جامعة واخد الطلبة بتوعه ف رحلة للفتاح العليم ومتصور والرحلة شاملة الجامع والأكل والشرب والرقص والمزيكا».

مغالطة التلغيم أو تسميم البئر
ويتم ذلك بوضع كلمة أو أسلوب استفهامى يجعل من الأمر كأنه حقيقة واقعة، ومن أمثلة هذا النوع من المغالطات من مقاطع صابر مشهور حلقة ١٤٦٢ ( ٧-١-٢٠١٩) «مسجد الفتاح العليم يضاهى مساجد السلاطين فى تركيا، لكن المسجد اللى بناه الرئيس المسلم أردوغان فى الجانب الآسيوى أكبر، هنا «مغالطة التلغيم» تحققت بدس كلمة الرئيس «المسلم» لينفى بها صفة الإسلام عن الرئيس السيسي، فإن كان فعلها أردوغان وأنفق مليارات على المسجد فهى عن حق وتستاهل..!.

مغالطة الإحراج الزائف
وتستند هذه المغالطة على وضع المشاهد فى مأزق بأن تكون الإجابة المنطقية محرجة، كأن أسأل: هل تتبرع لجمعية حماية البيئة أم أنك ضد البيئة؟ واستخدمها هشام عبدالله فى برنامجه (ابن البلد) على قناة الشرق بعنوان: (لماذا يستعين السيسى بالمسيحيين فى مسجد الفتاح العليم؟).