CET 08:44:52 - 08/02/2010

مساحة رأي

بقلم: نبيل شرف الدين
سيكون الحزب الوطنى الحاكم، وربما النظام برمته، فى محنة حقيقية، لو لم يجد نماذج تعبر عنه كحفنة من البرلمانيين والساسة المزمنين من بقايا تجربة سيئ الذكر «الاتحاد الاشتراكى»، الذين كانوا قوميين تقدميين أيام الناصرية، وصاروا بقدرة قادر «متأسلمين» فى عهد السادات، والآن تراهم يقدمون أنفسهم بخليط من «الانتماءات المواربة»، فتسمعهم فى وصلات خطابية دينية يتبنون مواقف متطرفة لدرجة تراودك معها الظنون بأنهم ربما يمثلون «خلايا نائمة» لجماعة «الإخوان المسلمين»، وقد زرعتهم عبر عقود من الاختراقات داخل صفوف الحزب الحاكم، ومفاصل الجهاز الإدارى للدولة كافة.

الدليل على ذلك ستجده حين تذهب لأى جهة حكومية، حيث «الحاج المدير» و«الشيخ الفراش»، وسترى عشرات «الزبايب» متناثرة على الجباه، تعلن عن هوية لا تخلو من الادعاء، ولو كان هناك تليفزيون فى مكاتب الموظفين، ستجده مضبوطاً على محطة واحدة، غالباً تكون «الناس»، بينما صاحبنا «يتقبقب» قبل رفع الأذان وبعده، مهدراً ساعات مدفوعة الأجر، يهمل فيها إنجاز مصالح الناس من أجل مضاعفة حسناته، متوهماً أنه بهذا السلوك الانتهازى يمكن أن ينال رضا الله على حساب خلقه.
فى زاوية أخرى من هذا المشهد الدراماتيكى سترى «ميدو الروش»، الموظف الشاب وهو يتحدث عبر المحمول بانفعال، وستفهم من طول المكالمات وصوته المرتفع أنه ربما يتوسط للمصالحة بين صديقين، أو يتحدث فى «سبوبة» أخرى لا صلة لها بعمله، أو يجادل صديقا له فى تشكيل فريق المنتخب، وحينها ستجد نفسك عزيزى المواطن مغلوباً على أمرك، وبين خيارين أحلاهما مرّ، فلو نبهته لإنجاز مصلحتك ستفسد متعته بالدردشة، وسيجعلك هدفاً له ويتعمد تعطيل قضاء مصالحك، ولن يكون أمامك سوى الامتثال للأمر باعتباره «قضاء وقدر»، حتى ينهى صاحبنا المكالمة بسلام، داعياً الله ألا يرن هاتفه مرة أخرى.

عبر برامج «التوك شو» المسائية ستضطرك الأقدار لرؤية «صاحبنا الحزبجي» بهيئته «البلشفية» المُتحفية، كأنه خارج للتو من اجتماع مجلس السوفييت الأعلى، وهو يرفع عقيرته بشعارات سخيفة وعبارات إنشائية فارغة، تبدأ فيها الجملة من السلوم، وتنتهى عند حلايب وشلاتين، ولن تضع يديك فى نهاية هذه المكلمة على خلاصة مفيدة، بل مجرد لغو ومهاترات ومناقشات بيزنطية لا تنتهى، تتخللها أحياناً «وصلات ردح»، وأخرى للدردشة على طريقة «قعدة الشلت وحديث المصاطب»، لهذا تتعامل معها الأجهزة الحكومية بنظرية «حق النباح العلني»، وتمضى فى طريقها دون أن تعيرها أدنى اهتمام، بل تسخر منها.
معاناة البحث عن صحفي، طبيب، مهندس أو أى مهنى محترف «عارف شغله»، لا تختلف كثيراً عن محاولة العثور على سباك أو ميكانيكى وغيرهما من الحرفيين، لأنك ستسمع فى البداية كلاماً «زى الفل»، لكن وقت العمل ستفجع بأداء يكدر حياتك ويفسد حساباتك، ولو حاولت نصحه ومساعدته لتتجاوز هذا المأزق بسلام ستجد نفسك متورطاً فى مناقشات سمجة، وستكتشف أن الرضوخ وابتلاع المرارات هما أفضل خياراتك.
يؤسفنى الاعتراف بأننا فى مصر أصبحنا «شعب بُرطّه» يتحدث كثيراً ولا يعمل ولا يدع الآخرين يعملون، فنفرض عليهم وصايتنا باسم السماء تارة وباسم الوطن تارات، وأى سفيه أو سخيف منا أصبح ينصب نفسه وصيّاً على خلق الله ومعتقداتهم بينما ننكشف فى أول امتحان جاد،

فأمجاد الأوطان لا يصنعها اللغو و«المكلمات»، ولا البحث عن مبررات لخيباتنا وفشلنا بدلاً من السعى لحلول عملية، فما ينقصنا ببساطة هو «ثقافة الاعتراف بالأخطاء» والتعلم من تلك التجارب الفاشلة التى كان أخطرها فى تقديرى مهزلة «الاتحاد الاشتراكى» الذى حول البلد إلى «مشتل» للمزايدين و«الهتيفة»، ممن لا يجيدون سوى الجعجعة، وأدمنوا توزيع التهم على «العدوين»، بدلاً من التوقف مع النفس بصرامة كما تفعل الأمم المتحضرة، التى تسعى لبناء أوطان كالحدائق تتسع لجميع الزهور، ولا تضيق بالتنوع الثقافى والديني، بل تراه ضرورة للانفتاح على العالم والثراء الحضاري، ولعل هذا هو سر الأسرار لعظمة إمبراطورية تحكم العالم الآن هى الولايات المتحدة، باعتبارها «روما المعاصرة»، التى تجاوزت الطبقية والعنصرية الرومانية على الأقل بين مواطنيها.

والله المستعان
nabil@elaph.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق