CET 00:00:00 - 09/11/2009

مساحة رأي

بقلم: طارق حمو
بشير أتالاي، وزير الداخلية التركي، المكلف بمتابعة ملف "القضية الكردية"، نشر مشروع حزب العدالة والتنمية فيما يخص " الإنفتاح الديمقراطي" في مؤتمر صحفي عٌقد في العاصمة التركية أنقرة نهاية شهر آب الماضي. أتالاي تلى ملخصاً عن تحركاته واتصالاته خلال الفترة الماضية، واعداً بمزيد من الخطوات "الإنفتاحية" في البلاد. لكن وزير الداخلية، وهو يتحدث عن الإصلاحات في القضية الكردية، لم يشر لامن قريب ولامن بعيد في كل كلامه، إلى هذه القضية، ولم يسم الكرد بالإسم ولو لمرة واحدة. كل ما قاله أتالاي كان تعويماً ضبابياً لم يخرج عن كيليشه " الإنفتاح الديمقراطي" وتحقيق مزيد من "الإصلاحات". ورداً على سؤال لأحد الصحفيين فيما يخص إشراك حزب العمال الكردستاني في مراحل الحل والحوار معه، قال أتالاي بأن الحكومة تهدف للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وإن هذا الأخير لن يلقي من حزب العدالة والتنمية إلا الحرب ومزيداً من العمليات العسكرية. وبهذا القول الساطع المبين، تكون حقيقة مشروع الحزب الحاكم في " حل القضية الكردية" قد ظهرت جليّة، وبات واضحاً إن هذا المشروع يقوم على توسيع الحرب والمزيد من الرهان على سياسة الحسم العسكري.
حزب العدالة والتنمية أطلق عنواناً على مشروعه في" حل القضية الكردية" فكان في البداية " الإنفتاح الكردي" ومن ثم، وبعد إلتئام مجلس الأمن القومي التركي( MGK)، وصدور إعتراضات من الجيش، تحول هذا "المشروع" إلى " الإنفتاح الديمقراطي" فقط.

الجنرال إلكر باشبوغ رئيس هيئة أركان الجيش التركي أشار إلى " الخطوط الحمراء" للجيش، رافضاً بشكل قاطع التحاور مع حزب العمال الكردستاني وإحداث تغييرات في الدستور تعترف بالقومية الكردية في البلاد، داعياً الحكومة إلى عدم جعل اللغة الكردية لغة رسمية، بل "رفع بعض العقبات أمام الأفراد الراغبين في تعليمها". كما رفض باشبوغ التفاوض مع الزعيم الكردي عبدالله أوجلان أو قبوله "ممثلاً عن الجانب الكردي". جعبة رئيس الأركان لاتحمل سوى الحرب والعمليات العسكرية إذن. ماقاله باشبوغ لايخرج عن الخطوط الرئيسية للسياسة التي رسمها بعد إندحار قواته في معارك (زاب) أمام المقاتلين الكرد في شباط  2008. باشبوغ وبعد تلك الهزيمة دعى الحكومة إلى محاربة حزب العمال الكردستاني ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً، موضحاً بان " الوسائل العسكرية لن تنجح وحدها في النيل من الإرهاب". وحزب العدالة والتنمية، ومنذ إفتتاحه محطة ( TRT 6) الناطقة باللغة الكردية وإستدراجه لبعض المثقفين/المرتزقة الكرد للعمل فيها، إنما يسيرعلى نهج الجيش ونهج قائده إلكر باشبوغ. هناك الآن خطط عن إعادة الأسماء الكردية للقرى والمدن في كردستان، وفتح بعض الأقسام التي تدرّس اللغة الكردية في الجامعات التركية، وغير ذلك من الخطوات التجميلية، أما "الإعتراف الدستوري بالكرد والحوار مع حزب العمال الكردستاني واطلاق سراح أوجلان" فلن يحصل أبداً.

وزير الداخلية التركي، وخلال الكشف عن خطة الحكومة في " الإنفتاح الديمقراطي"، أشار إلى الآلام والمآسي التي مرت بتركيا طيلة 25 عاماً الماضية، ووعد بوضع نهاية لكل هذه الآلام. والوزير التركي يقصد بكلامه عن "فترة الآلام والمآسي" كفاح حزب العمال الكردستاتي والحرب التي أعلنها من أجل الدفاع عن هوية وحقوق الشعب الكردي في اقليم كردستان الشمالية. فالقضية الكردية كانت ميتة وجاء حزب العمال الكردستاني وأحياها، واعلن عن تعبئة عامة وقفت إزائها الدولة التركية، وكل مؤسساتها وعلاقاتها الدولية المتشعبة، عاجزة تماماً. ولم يفلح الجيش التركي مع كل حملات الحرب الكبيرة في قمع ثورة الكردستاني الشعبية. إذن فالقضية لاتٌحل إلا بالحوار بين طرفي المشكلة. بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني. وأي كلام آخر هو لغو لاطائل من وراءه. وأية محاولة أخرى لحزب العدالة والتنمية في "إستحضار" أكراد آخرين وتسويقهم كممثلين عن الشعب الكردي، لن تنجح. الشعب الكردي إنتخب حزب المجتمع الديمقراطي( الذي يوصف بانه الجناح السياسي للعمال الكردستاني) في الإنتخابات البلدية الأخيرة، حيث حصل هذا الحزب على أغلبية الأصوات في ولايات كردستان الشمالية، لذا فهو الممثل الرسمي للكرد في أي حوار قادم مع الدولة التركية ومؤسساتها فيما يخص حل القضية الكردية.

حزب العمال الكردستاني ندد بمشروع العدالة والتنمية الجديد واعتبره معادياً للكرد ولحركتهم التحررية. وقد أعلن الحزب عن تمديد العمل بفترة وقف اطلاق النار الى نهاية شهر رمضان، بعد ان كان قد أعلن عنها أول مرة في منتصف شهر نيسان الماضي. كما طالب الحزب الدولة التركية برفع يدها عن مشروع " خارطة الطريق" الذي وضعه أوجلان وسلمه لسلطات جزيرة إيمرالي في 20/08/2009، وهو مشروع يحمل آراء ورؤى أوجلان في حل القضية الكردية
قوات الجيش التركي ماتزال تشن العمليات العسكرية الضخمة ضد قوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) وهذه العمليات اسفرت منذ الإعلان التركي عن خطة " الإنفتاح الديمقراطي" ومنذ تجميد الكردستاني للعمليات العسكرية الهجومية عن فقدان حوالي 100 مقاتل كردي لحياته. من جهة أخرى استأنفت قوات الشرطة والإستخبارات التركية عملية إعتقال كوادر وقيادي حزب المجتمع الديمقراطي،كما طالت الحملة نشطاء ميدانيين في منظمات المرأة والشباب التي تقول السلطات التركية بأن لها علاقات تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني.

مشروع حزب العدالة والتنمية يهدف إلى تصعيد الحرب ضد حزب العمال الكردستاني وفتح "آفاق" جديدة في هذه الحرب. وقد توقع دوران كالكان، القيادي في الكردستاني، أن تشن قوات الجيش التركي حملة عسكرية كبيرة تطال أراضي اقليم كردستان العراق، من أجل ترضية الجيش وكل من حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري المعارضين لأي خطوة إيجابية تجاه الكرد في البلاد. أما الحكومة فقد صعّدت هي الأخيرة من لهجتها وراحت تزايد على الجميع، حيث باتت تطالب الآن برأس حزب العمال الكردستاني ومقاتليه( كما طالبت قبلها جميع الحكومات السابقة وفشلت)، وهي ترفض رفع يدها عن مشروع " خارطة الطريق" الذي تقدم به أوجلان من أجل الحل الديمقراطي العادل، وتعهد بالإنسحاب من المشهد السياسي، في حال اهمال الحكومة للمشروع ولمبادرة وقف اطلاق النار الكردية الأخيرة. اوجلان قال بانه سوف يترك زمام المبادرة لقادة الحزب في الخارج ليقرروا مايرونه مناسباً. وكان الزعيم الكردي قد أشار الى بعض النقاط التي ضمّنها في مشروع " خارطة الطريق" وقال بان أي خطة حل يجب أن تكون شاملة "تعترف بكردستان وتركيا وطنين مشتركين للشعبين الكردي والتركي". كما طالب أوجلان بتشكيل "قوات دفاع كردية في مناطق وولايات شمالي كردستان" و"اقرار صيغة حكم ذاتي موسع"، فضلاً عن "إعتراف الدستور التركي صراحة ودون مواربة بالهوية القومية الكردية".

ولكي يٌظهر اوجلان عزم الشعب الكردي وحركته التحررية على السلام والحل الديمقراطي فقد اقترح ارسال وفدي سلام من مخيم مخمور للاجئين الكرد في كردستان الجنوبية وجبال قنديل الى انقرة، ووفد آخر يتوجه من اوروبا إلى تركيا. لكن العدالة والتنمية والذي ارعبته حفلات الإستقبال المليونية لأعضاء وفدي السلام، بدأ بوضع العراقيل امام خطوات الحل هذا، ووصف، كاذباً، الخطوة بانها جاءت نتيجة " الإنفتاح الديمقراطي" بل ان وزير الداخلية بشير أتالاي قال بانهم ينتظرون قدوم مائة وخمسين مقاتلاً، وصوّر الأمر وكانه جاء في إطار مايسمى ب"قانون الندم". الحزب الحاكم يحسب حساب الإنتخابات القادمة، وهو يخاف من تمدد حزب المجتمع الديمقراطي واستحواذه على البقية الباقية من مساحة كردستان الشمالية وطرده لحزب العدالة والتتنمية من كل المنطقة، وبذلك، تحوله لممثل حقيقي عن الشعب الكردي في تركيا.

الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان وفي تصريح له إنتقد موقف الحكومة التركية هذا، ودعى إلى وقف قدوم وفود السلام، موضحاً بان الشعب الكردي يراهن على السلام ولكن من موقف القوة وليس الضعف. كما طالب أوجلان الحزب الحاكم بالعدول عن خطط التصفية والإلتفاف الحقيقي نحو الحل، وكشف مشروع " خارطة الطريق" على الرأي العام.
حزب العدالة والتنمية يتراجع أمام حزب المجتمع الديمقراطي وفقاً لإستطلاعات الرأي، وهو يفقد مناصريه الأتراك أيضاً بعد حملة التخوين التي تعرض لها من جانب الحزبين المعارضين الشعب الجمهوري والحركة القومية المتطرف، اما حزب العمال الكردستاني فإنه يتقوّى يوماً بعد يوم في المجالين السياسي والعسكري. ووفق مصادر في القوات الكردية، فإن الشهور القليلة الماضية شهدت انضمام حوالي 500 مقاتل كردي للتشكيلات العسكرية، وهذا يدل على مدى قوة وإنتشار أفكار ومبادئ حزب العمال الكردستاني بين أوساط الشعب الكردي، وكيف أن الدماء الجديدة تتدفق في شرايين الحزب، وهو مايدل على أن الحزب قادر على الإستمرار في المقاومة والتجدد لعشرات السنين القادمة.
مانشاهده الآن هو اصرار كردي على السلام والحل الديمقراطي من منطلق قوة. ومراوغة تركية حكومية وبدعم من الجيش للإجهاز على حزب العمال الكردستاني والإلتفاف على انتصاراته العسكرية والسياسية الأخيرة. وهنا تأتي دور الإتصالات التركية الإقليمية والرهان على الخارج لضرب الكردستاني. وهو رهان قديم وخاسر ولم ينفع شيئا. ولعل جولات وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلوا الأخيرة لسوريا وايران والعراق واقليم كردستان، تأتي ضمن هذه الخطة.

القضية الكردية ستعود إلى المربع الأول مع خطة الحرب الخاصة التي يعتكف على إعدادها حزب العدالة والتنمية حالياً. حزب العمال الكردستاني لن يتخلى عن حقوق الشعب الكردي ولن يستسلم كما تطالب الدولة التركية. هو لم يستسلم في اشد مراحل الحرب، فكيف يستسلم في السلام؟. والتطورات الإقليمية تتجه في صالح الكردستاني الان. الولايات المتحدة الأميركية إنسحبت من المدن الكبرى في العراق، وهي تخطط لجدولة الإنسحاب الكلي الآن مما يخلق فراغاً في السلطة في بغداد سيستفيد منه الكل ومن بينهم العمال الكردستاني، وأكراد العراق يرفضون التحرك العسكري ضد قوات الكردستاني، وقد تجلى ذلك واضحاً في اللقاءات الأخيرة التي اجراها قادة حزب المجتمع الديمقراطي في اقليم كردستان مع كل من الزعيمين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني. الأرجح أن الحرب والمواجهات ستستمر في ظل عزم الحكومة والجيش على النيل من حزب العمال الكردستاني وإضعاف حزب المجتمع الديمقراطي. والخطة التركية تقوم الآن على تقديم نماذج كردية مشبوهة وبعض القوى السياسية المجهرية لكي تعمل على تسويق خطاب الحزب الحاكم وسط أبناء الشعب الكردي. لكن المشهد السياسي الكردي في تركيا يقول شيئاً آخراً وملفتاً: هناك علاقة طرديّة بين سياسة العزل التركية حيال اوجلان، وشن المزيد من العمليات العسكرية ضد المقاتلين الكرد، وإطلاق حملات الإعتقال والترهيب ضد كوادر وقيادي حزب المجتمع الديمقراطي، وبين توجه مئات الشبان الكرد لقواعد الكردستاني والتطوع بين تشكيلاته العسكرية، وإرتفاع شعبيه حزب المجتمع الديمقراطي، وتضعضع ثقة المواطن الكردي البسيط بحزب العدالة والتنمية وبنوايا قادته، رجب طيب أردوغان وعبدالله غول!!.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق