CET 00:00:00 - 31/10/2009

أخبار وتقارير من مراسلينا

*مفكرون ومثقفون يدعون إلى إجراء حوار جاد داخل الكنيسة المصرية.
* دعوة للحفاظ على وطنية الكنيسة والاهتمام بالشأن العام.
كتب: هاني دانيال – خاص الأقباط متحدون

وطن للجميعأصدر مجموعة من المفكرين والمثقفين والمهتمين بالشأن العام وثيقة جديدة لتجديد رابطة المواطنة بعنوان "كنيسة الوطن المصرية..رؤية مستقبلة، دعوا فيها إلى عمل حوار داخلي خاص في الكنيسة تشارك فيه كل الأعضاء بدون تمييز وبعيدًا عن تحالفات السياسة.حوار يأخذ في الاعتبار الوعي بمتطلبات الإدارة المعاصرة بعناصرها التي تم أية ومحاسبة وتداول للسلطة وفق لوائح وآليات حديثة تواكب العصر، وإدراك أن غياب الحوار الداخلي قد أدى إلى أزمة في التواصل الخارجي مع جميع أطراف الجماعة الوطنية.
ولابد من الوعي بأن الحوار الداخلي والمحافظة على الكنيسة الوطن هو ما يضمن التواصل مع الخارج بأطرافه من دون تمييز.وأن غياب الحوار الداخلي إنما يعني تعدد الفرقاء والنتيجة أن كل فريق سوف يسعى إلى التواصل مع الطرف الذي يدعم الصراع الداخلي وعليه برزت بوضوح أنماط من التحالفات أقرب إلى عالم السياسة منها إلى عالم القيم الدينية.
أعد الوثيقة كل من سمير مرقص،جورج اسحق،نبيل مرقص، الدكتور حنا جريس، منير عياد، وأكدوا على ضرورة بدء حوار وطني عام فيما يتعلق بالاختلالات العامة والتي تتعلق بالكيانات الدينية التي باتت طرفًا في المعادلة السياسية لإرساء قواعد وضوابط حديثة تنظم انخراط الكيانات ذات الطابع الديني في المجالين العام والسياسي بما يتفق وتراث مصر المدنية من جهة، والتطورات السياسية الحديثة.
وقناعتنا إن حل إشكالية انخراط الكيانات ذات الطابع الديني في ساحة العمل العام بما يستوفي عناصر التواصل مع الذاكرة الوطنية المصرية والانفتاح على العصر الحديث سوف يسهم في استعادة التوازن والتناغم في الهوية المصرية بين عناصرها وفواعلها الدينية والمدنية على السواء.
أكد معدو الوثيقة إن ما جعلهم يصدرون هذه الوثيقة هو ما حدث مؤخرًا من وقائع في الكنيسة الوطنية منذ أسابيع، تداولها الإعلام المكتوب والمرئي والفضائي والالكتروني، خاصة وإن ما حدث لا يمكن اعتباره شأنًا داخليًا بأي حال من الأحوال لأن آثاره السلبية قد تجاوزت حدود الكيان الديني إلى المجالين العام والسياسي، فالوقائع لامست التخطيط من جهة والرغبة الدفينة من جهة أخرى للقفز على كرسي بابا كنيسة الإسكندرية بحسب ما جاء في العديد من وسائل الإعلام وتداخلت القصص وتعددت أطرافها، في الوقت الذي لم يزل فيه البابا شنوده الثالث حيا ويمارس مهمته (أطال الله حياته). وهو الأمر الذي أثار الكثير من اللغط وردود الأفعال من قبل الكثيرين، وأثار التساؤلات عن مستقبل أحد الكيانات المصرية التليدة من جانب ومدى تأثير ذلك على مستقبل الوطن ومن ضمنه الشأن الديني المتوتر.
 نوهت الوثيقة إلى أن هذه الوقائع حدثت في وقت تمر فيه مصرنا بمرحلة غاية في الحساسية لاعتبارات كثيرة لعل من أبرزها هو شعور المصريين بأن مصر تعيش نقطة فارقة من تاريخها. وعليه فمن الطبيعي أن يشعر كل وطني مخلص بأنه في مثل هذه اللحظات لا ينبغي أن تتعرض مؤسساتنا الوطنية لأية أخطار من أي نوع. وتأتي في مقدمة هذه المؤسسات أقدم مؤسسة مصرية مستمرة إلى يومنا هذا ألا وهي الكنيسة المصرية التي نجحت لأن تكون بحق "كنيسة الوطن" لا "كنيسة الطائفة"..
أوضحت الوثيقة أن التحالف بين الثروة والدين الذي تشكل مع مطلع السبعينيات هو نتاج طبيعي لغياب النخبة المدنية رأسمالية الطابع ذات التوجهات الليبرالية التي كانت آخذة في التبلور منذ النصف الأول من القرن العشرين ،حيث استطاعت أن تؤسس لقيم منفتحة ثقافيا ساهمت في أن تعرف مصر نمطا منفتحا من التدين في إطار مشروع الحداثة المصرية،بيد أن الإقصاء الذي تم ـ وربما يكون متعمدا ـ للنخبة المدنية بطابعها الرأسمالي التعددي، قد أتاح الفرصة لنمو مشوه لرأسمالية نمت في كنف الدولة في البدء مالت إلى أنشطة ذات طابع تجاري وخدمي ،تغذت من روافد نفطية،مما ساهم في تشكل نمط تدين جديد وافد على مصر لا يحمل رحابتها ،محافظ،وضيق الأفق ،ويمثل بالأخير ردة على مشروع مصر الحديثة،وعندما تخلت الدولة -لاحقًا- عن بعض من أدوارها الحيوية-في الوقت الذي واكب ذلك صعود تيارات الإسلام السياسي التي باتت اللاعب الأكثر فاعلية في مواجهة النظام السياسي، وتزايد انخراط الكنيسة في المجال السياسي-، تعمقت إشكالية الحضور الديني في ساحة الجدل العام. الأمر الذي ارتهن فيه الجميع لهذا الصراع ونتج عنه مصادرة المستقبل لحين حل هذا الاشتباك بين الديني والمدني الممتد عبر عقود.
أشارت الوثيقة إلى أن وفقاً لما سبق ترتب عليه حضورا متداخلا للنخب الدينية والمدنية في المجال العام اختلت معه الأدوار،وخروج الكيانات الدينية من مظلة الإجماع الوطني إلى ساحة الاختلافات السياسي ،بالإضافة إلى ارتباك صيغة التوازن بين النخب الدينية والمدنية، مما غلب الديني على المدني.
كما إن "التديين" الذي أصاب المجال العام، ودخول الكيانات الدينية طرفًا فيما هو خلافي في دنيا السياسة مما يدفعها -بوعي أو بغير وعي- إلى الانحياز السياسي أو الثقافي أو الطبقي...الخ، مع غياب كتلة تاريخية مدنية كالتي شهدتها مصر المدنية في مطلع القرن المنصرم قد ارتد سلبًا على التفاعلات الداخلية للكيانات الدينية.
نوّهت الوثيقة إلى أن ما جرى من تناحرات على خلافة البابا شنوده الثالث (أدام الله حياته) ونال بسبب منتفعين من هيبة ومكانة الكنيسة (بحسب قداسة البابا)، فما حدث في مجمله بعيدًا عن التفاصيل، إنما يعكس تحركات غامضة في مساحة مغلقة لا تأخذ في الاعتبار كل عناصر المعادلة السياسية والثقافية والاجتماعية الحالية،فغلبت فكرة الكنيسة الطائفة حيث ما يحدث هو شأن داخلي على فكرة الكنيسة الوطن التي مارستها عبر التاريخ واكتسبت من خلالها المصداقية والتقدير.
أكدت الوثيقة أن الكنيسة المصرية كانت  من أوائل الداعمين لمشروع الدولة الحديثة وحرصت على أن تكون في قلب المشهد الوطني ومواكبة لأحداثه.فكلنا نتذكر موقفها وحضورها الايجابي من خلال الاستجابة الفاعلة لعملية التحديث الوطنية التي بدأها محمد علي من خلال مساهمات البابا كيرلس الرابع، والجمعية الوطنية (1879) التي وضعت لائحة وطنية طالبت فيها بتأسيس نظام دستوري، وأكدت فيه على وحدة البلاد من دون تمييز واستعدادها لسداد ديون مصر، وتأييد ودعم الثورة العرابية وعزل الوالي، ورفض الاحتلال البريطاني،ودعم ثورة 1919، واستيعاب التحولات المجتمعية التي جرت في مصر مع ثورة 1952، ويؤكد المؤرخون أن مصر الحديثة:الدولة والمجتمع، قد اكتسبت عددًا من التقاليد شكلت ملامح مصر المدنية مع مطلع القرن العشرين.
رصدت الوثيقة مجموعة من الملامح منها ضبط التوازن وتوزيع الأدوار بين النخبتين الدينية والمدنية على المستويين الإسلامي والمسيحي والتوزيع العادل للأدوار بينهما، وعالجت الاختلال الذي حدث بفعل تدخل الاحتلال البريطاني والخديوي توفيق عندما قاما بتدعيم طرف على حساب طرف آخر (التواطؤ الذي حدث في حالة نفي البابا كيرلس الخامس من جانب والغبن الذي لحق بمصلحي الأزهر الكبار من جانب آخر)، والاقتراب من تحقيق المصالحة التاريخية بين الديني والمدني وتجلي ذلك في مجال عام مدني الطابع بغير خصومة مع الدين، وفي نظام سياسي مدني لا ديني.
أشارت الوثيقة إلى أن الاختلالات الداخلية التي كشفت عنها الأحداث الأخيرة غلبت "الكنيسة الطائفة" على الكنيسة "الوطن"، فالكنيسة الوطن –حسب رؤية مُعدي الوثيقة- هي التي انحازت تاريخيًا لأن تكون للجميع ومفتوحة للكل.
ففي علاقتها بمن ينتمون إليها في الداخل "أُم" لأبناء وفي علاقتها بأطراف الخارج "خادمة" لهم من دون تمييز.
تدافع عن الحق لكل محتاج وليس عن حقوق لفئة كي تنعزل بها، إنها النموذج الحي للمحبة ولكن عدم مواجهة ما حدث بشكل واضح، والتعامل مع الأمر بعبارات غامضة بين الأطراف التي ورد أنها مشاركة في الأحداث أو محرضة عليها، قد زاد من الالتباس لدى الكثيرين.
وخاصة مع تعاقب تكون التحالفات التي تدعم كل فريق من المتصارعين في مواجهة الآخر.
حدث ذلك مع استبعاد كامل للناس أصحاب المصلحة الحقيقة من جهة، وتسارع البعض لتبني مواقف سياسية ذات طابع خلافي، وبالأخير بدت الكنيسة تنحو نحو الكنيسة الطائفة المغلقة والتي هي طرف في اللعبة السياسية أكثر من كونها الكنيسة الأم و الوطن.
يذكر أن المجموعة تطلق على نفسها "مواطنون في وطن واحد" وهي جماعة ثقافية مدنية مستقلة، ينطلق وعيها بالشأن الوطني العام من استلهام الخبرة الوطنية المصرية ودفع حركة المجتمع إلى التقدم من خلال الحضور المدني كمواطنين إلى أن يعمل الجميع على مواجهة الانسداد السياسي وتفعيل المجال العام ،وحصار كل ما هو جزئي على حساب الكلي الجامع.. وفق عقد اجتماعي غير مشروط.
إن ما نحتاجه هو تبني مشروع لتجديد رابطة المواطنة بين المصريين وتحقيق الاندماج من خلال العمل المشترك لمواجهة كل ما يتهددنا من جهة، وتحقيق التقدم لوطننا من جهة أخرى، "معًا"، في إطار دولة حديثة..بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الجنس.. على أسس المساواة والتكافؤ والعمل المنتج وإعمال القانون.
وسبق أن أطلقت المجموعة وثيقتها الأولى (2007) في محاولة وضع إطار منهجي لمقاربة العلاقات المسيحية الإسلامية في مصر من منظور المواطنة الجامعة لكل المصريين، واضعة حدودًا واضحة بين هذه المقاربة وبين المقاربتين الشائعتين ألا وهما:
المقاربة الطائفية والمقاربة الأقلوية، حيث الأولى تتناول الشأن الديني من منظور "الطائفة" المغلقة وطلب الحقوق ذات الطابع الديني.
بينما الثانية تقترب من طلب الحقوق الخاصة التي تتراوح بين الديني والسياسي.
وفي الحالتين تكون الرؤية الحاكمة للعلاقة رؤية تصنف الناس إلى أغلبية وأقلية دينية، ومن ثم تكون الحقوق أقرب إلى الامتيازات التي يتحصل عليها كل طرف كي يتمتع بها بمعزل عن الطرف الآخر، حيث تنعدم الحركة المشتركة والنضال الذي قد يجمع المهمشين والمظلومين من الجانبين.
كما قامت المجموعة من خلال وثيقتها الثانية "تجديد رابطة المواطنة" (2008)، بتحليل التفاعلات الجارية في المجال العام بين كل الفاعلين (من نشطاء الأقباط،وعناصر الإسلام السياسي، عناصر من التيار العلماني، رجال الأعمال، الدولة) في الشأن الديني المصري، راصدة مجموعة من الملاحظات رأت الوثيقة في مجملها أنها لا "تفعل" الحركة المشتركة في المجال العام بين المصريين وإنما تدعم حركة منعزلة  لكل جماعة في إطار مجال خاص تخلقه لتتحرك فيه بمعزل عن الآخرين..أي " تعطل " المواطنة كرابطة موحدة للمصريين .خاصة وأن التعبئة الخاصة بهذا الملف تأخذ طابعا دينيا كبديل للتعبئة السياسية، الأمر الذي يعني ليس أزمة داخلية للنظم السياسية وحسب لكنها غالبًا ما تزيد من الاضطرابات والتوترات.
فكل الأطراف باتت مشدودة للعب على أرضية دينية لا سياسية، ومتى حل الديني محل السياسي في إطار العلاقات بين المواطنين فإنما يعني هذا نفي كل طرف للآخر قطعا أو على أحسن تقدير الاستبعاد.
ومع غياب السياسي يمكن أن تصبح الحقوق إذا ما طلبت بعيدًا عن عمليات الاندماج السياسي والمدني بآلياتها وقنواتها المتنوعة أقرب إلى الامتيازات.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٨ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق