CET 09:01:50 - 12/10/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل شرف الدين
«أنت تحرق نفسك بالدفاع عن موقف هالة مصطفى والمزايدة عليها بإبداء الاستعداد لزيارة إسرائيل ولو فى مهمة صحفية».. هكذا تحدث صديق لا أشك فى صدق محبته وسلامة نواياه، لكنه للأسف يمثل طرازاً من المثقفين الذين يفضلون «الانتماءات المواربة»، وأرجو أن تتسع صدورهم للاختلاف، فهم أنفسهم الذين يبدأون حديثهم مثلاً بتأكيد حق المسيحيين فى بناء الكنائس، لكنهم لا يلبثون الاستدراك بشرط عدم استفزاز مشاعر الغالبية المسلمة.

وهم الذين يزعمون تأييد الدولة المدنية، لكنهم لا يرون بأساً فى الإبقاء على «مسمار جحا» المتمثل بالمادة الثانية من الدستور، التى تؤكد أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة.

هؤلاء يرون أنفسهم أكثر حكمة بتبنى «المواقف المواربة»، مع أن هناك «لحظات فرز» فاصلة فى حياة الأمم لا تحتمل مثل هذا التمييع، فالمرء لايمكن أن يكون مثلاً «نصف شريف»، أو «شبه محترم»، فهذه المعانى الإنسانية لا تحتمل التجزئة، والمترددون هم من يرتكبون حوادث مروعة.

هل يمكن أن نؤسس دولة مدنية، ثم نبقى على مادة دستورية لا يكف التيار المهووس دينياً عن امتطائها كحصان طروادة لأسلمة مظاهر الحياة كافة، وتحويل المجتمع على هذا النحو الذى تتفشى فيه الهستيريا الدينية، دون أدنى مردود أخلاقى على سلوك البشر؟

وبالمثل، كيف تختار الدولة قبل ثلاثة عقود السلام مع إسرائيل، ومع ذلك تفرض قيوداً على سفر الناس لإسرائيل، وتستخدم «تحالف المأزومين» سواء من بقايا عهد الديكتاتورية السابق، أو أنصار تديين الصراع مع إسرائيل، ليدفعوا مصر نحو الانتحار، وعودة المنطقة لحروب نحن فى غنى عنها.

يتطوع أحدهم ليعطينا دروساً فى الفرق بين الليبرالية الحقيقية والزائفة، مستنكراً أن «يختطف» الليبرالية أنصار الدعوة لعلاقات متناغمة مع العالم، والسلام مع إسرائيل، مع أن جوهر الليبرالية هو الانحياز الصارم للسلام بين الشعوب، والتعايش بين الثقافات، واحترام الحريات العامة، وفى صدارتها حرية المعتقد والرأى، وليس ذلك السلوك المائع «الموارب» لمن يفترض أنهم قادة الرأى ممن يفضلون إمساك العصا من منتصفها لدغدغة مشاعر الجماهير المأزومة، واتقاء شر النخبة التى تكلست أفكارها وتجمدت عند حقبة الحرب الباردة، مع أن الفلسطينيين أصحاب القضية وفق معايير «فزاعة التطبيع» هم أول المطبعين.

فالفلسطينيون يعملون فى المزارع والمصانع الإسرائيلية، والعملة المتداولة هى «الشيكل»، ويكاد لا يوجد فلسطينى لا يتقن العبرية، فضلاً عن فلسطينيى الخط الأخضر الذين يحملون جوازات سفر إسرائيلية، ومع ذلك يلتمس لهم باعة صكوك الوطنية ألف عذر، بينما لا يقيمون أى وزن لمعاهدة السلام التى أبرمتها مصر وصارت تشكل جزءاً من قوانينها الوطنية وعنصراً جوهرياً فى سياستها الخارجية وعقيدتها العسكرية.

المشكلة بتقديرى ليست فى تقديم الحجج المنطقية لإقناع هؤلاء المأزومين بأن خيار السلام بكل ما يترتب عليه يشكل مصلحة إستراتيجية لمصر، فلديها ما يكفيها من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالأزمة تتمثل فى «فورمات التفكير» التى تراهن على مداهنة العوام ومغازلة غرائز الجماهير، مع أن ذلك لن يجلب سوى المزيد من الاحتقان، مع مراعاة أن ما نزرعه اليوم سنحصده غدا، والقضايا كلها متداخلة، فمن ينتصر لحقوق الأقليات لاينبغى أن يكون فى صفوف «الحربجية» وأعداء السلام، ومن يدع لمجتمع متحضر عليه أن يتجاوز مرارات التاريخ، ليفكر بواقعية فى وسيلة للتعايش مع حقيقة جغرافية وسياسية اسمها إسرائيل، سواء قبلنا أو رفضنا وجودها.

لهذا فالشجعان أمثال لطفى الخولى وعبدالعظيم رمضان وعلى سالم وهالة مصطفى وعبدالمنعم سعيد وأمين المهدى وغيرهم، لن ننصفهم اليوم، بل ستثمن الأجيال القادمة حجم تضحياتهم، لأنهم لم يسعوا للتعامل مع القضايا الوطنية الكبرى بطريقة مشجعى الكرة، لانتزاع تصفيق الغوغاء، لكن دفعوا ثمناً باهظاً من سلامهم النفسى وأرزاقهم، وتعرضوا لأبشع صور الإرهاب الفكرى والسياسى، ومع ذلك فإن هؤلاء سيربحون فى نهاية المطاف، لأنهم ببساطة يراهنون على المستقبل، ولا يمكن لمخلوق أن يتحدى عجلة التاريخ، أو يناصب الإنسانية العداء، كما يفعل بن لادن وغيره من المجرمين الذين جعلونا أشرار العالم.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ١٢ تعليق