CET 00:00:00 - 11/10/2009

قرأنا لك

عرض: جرجس بشرى
الكتاب الذي نحن بصدده اليوم يعد من الكتب النادرة بحق، والتي تؤكد على دعم وتنمية قيم الحوار والتواصل والشراكة الإنسانية بين المختلفين في الدين والمُعتقد، فالكتاب في سابقة فريدة من نوعها قلّما تتكرر يجمع بين شيخ مسلم وقس إنجيلي شخص علماني، ويعرض وجهة نظر كل منهم في مفهوم المواطنة وحقوق الأقليات.
والكتاب يحمل عنوان "المواطنة وحقوق الأقليات.. شيخ وقسيس وعلماني"، نعم عنوانه هكذا.. ويتعرض الكتاب لآراء الشيخ إبراهيم رضا "إمام وخطيب مسجد الخازندارة بشبرا" حول موضوع غاية في الأهمية  وهو "موقف الإسلام من الآخر" كما يعرض رأي القس رفعت فكري سعيد "راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف بشبرا" في موضوع "حرية الاعتقاد وحقوق المواطنة" وكذلك رأي الناشط الحقوقي حسن إسماعيل "الأمين العام لمُنظمة الإتحاد المصري لحقوق الإنسان".

والكتاب رغم صغر حجمه إلا أنه بصدوره بهذا الشكل فإنما يؤكد على وجوب الاهتمام بتعميق قيم الشراكة والحوار بين أتباع الديانات المختلفة، وسوف نستعرض باختصار آراء الشيخ والقسيس والعلماني في هذا الشأن.
* الشيخ إبراهيم رضا أكد على أن نظرة الإسلام إلى الآخر الإنسان حتى ولو اختلفت عقيدته له حرية العقيدة استنادًا إلى الآية القرآنية التي تقول "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفُر" وأيضًا "لا إكراه في الدين قد تبين الرُشد من الغي" كما أن نبي الإسلام قد أكد على احترام الإنسان بقوله "الأوفىَ بنيان الله ملعون من هدمه" أي أن الإنسان مسلمًا كان أو غير مسلم هو صناعة الله تعالى ملعون من هدمه أي مطرود من رحمة الله من اعتدى على هذا البناء الذي هو صناعة وإبداع من الخالق جل وعلا.
وقال رضا أنه حينما تأسست دولة المدينة بقيادة الرسول "ص" فأنها أقرت تلك المبادئ إلا أننا الآن بين الحين والآخر نجد مَن يحاول أن يروج لمفهوم الدولة الدينية مُدّعيًا أن دولة المدينة حينما نمت وبدأت قامت كدولة دينية ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أنها لم تكن أبدًا دولة دينية بل كانت دولة مدنية وحديثة إن صح التعبير.

وقال الشيخ إبراهيم رضا: إن هناك أدلة كثيرة تؤكد على أن دولة النبي كانت مدنية أولها أنها قامت على التعددية الدينية، فكان مسلمون ويهود وغيرهما ولم يُجبر أحد من قبل الدولة على اعتناق الإسلام، بل أن الرسول "ص" أنشأ دستورًا مدنيًا يؤمن بالتعددية ويعترف بالآخر ويُقر مبدأ المواطنة، وذلك كله موجود فيما يسمى بـ "وثيقة المدينة" التي جاء فيها على لسان النبي "ص" لنا ما لهم وعلينا ما عليهم من الحقوق والواجبات، وأبرمت المعاهدات بين الرسول "ص" واليهود واتفقوا جميعًا على حب الوطن وعلى الدفاع عن تراب المدينة وعدم الغدر والابتعاد عن الخيانة وإعانة الظالم على ظلمه، كما أن النبي أعترف بالآخر وبدينه حيث قال تعالى "لكم دينكم ولي ديني" و "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله".
كما أضاف الشيخ إبراهيم رضا قائلاً: نحن نؤمن بجميع الرسالات السماوية ونؤمن كذلك بجميع الأنبياء والرسل، ومن هنا اعترف الإسلام بالآخر كما هو لا كما أريد أنا. ومن أهم المبادئ والأسس التي قامت عليها الدولة المدنية في عهد الرسول "ص" العدل والمساواة والرحمة وقبول الآخر، أما عن العدل فحدث ولا حرج لأنه "ص" بين أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، كما أكد القرآن على أن جميع الناس سواسية من منبع واحد حتى وإن اختلفت عقائدهم ومشاربهم الثقافية ولغاتهم، إلا وأنهم جميعًا أمام القانون وأمام الله سواسية.

كما أوضح الشيخ إبراهيم رضا إن مبدأ الشورى قد وجد في دولة النبي كمبدأ من مبادئ الدولة المدنية، كما أن الإسلام لم يعترف بالمَلَكِِيَة ولكنه أقر الديمقراطية والشورى وبإقرار مبدأ المواطنة تنمو الديمقراطية، حيث أن هناك ثمة قاسم مشترك بين المواطنة والديمقراطية هو المساواة، فالديمقراطية تشترط تحقيق المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات السياسية مثل الترشيح للمجالس الشعبية المنتخبة والالتزام بالدستور الذي يحدد شكل الحكم ونظم المجتمع وقواعد القانون التي تنظم حياة أفراد المجتمع، وكذلك المواطنة تشترط أيضًا تحقيق المساواة بين جميع المواطنين ولكن ليس في النطاق السياسي فقط، وإنما في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، فهي (أي المواطنة) تضمن المساواة بين جميع المواطنين المنتمين لجماعة وطنية واحدة أو قومية واحدة بغض النظر عن اختلاف الجنس أو الأعراق أو الدين أو الثروات أو الأوضاع الاقتصادية والانتماءات الطبقية وهكذا تم القضاء على التقسيم الذي كان سائدًا في العصور الوسطى بين حكام ورعايا لا يصلحون لأن يصيروا حكامًا في أي يوم من الأيام، بينما ألغت المواطنة كل ألوان التمييز بين من ينتمون لجماعة وطنية واحدة ومن هنا يأتي الارتباط الوثيق بين الديمقراطية والمواطنة ويصبح تحقيق الديمقراطية ضرورة لتحقيق المواطنة، وبالنسبة للمرأة فقد كرمها الإسلام وساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات استنادًا إلى قوله تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" وأكد رضا على أنه طالما كان الأصل واحداً فلا داعِ لاستعلاء الذكر على الأنثى.

* كما أوضح القس رفعت فكري سعيد في الكتاب الذي نحن بصدده إن الحرية تمثل جوهر الإنسان، وحريتنا كما يقول لطفي السيد "هي نحن.. هي ذاتنا... هي معنى أن الإنسان إنسان... وما حريتنا إلا وجودنا وما وجودنا إلا الحرية..." وبالتالي فأن الإنسان الذي يمد يده لطلب الحرية لا يتسول ولا يستجدي وإنما هو يطلب حقًا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية، فإن فاز بها فلا فضل ولا مِنَة لمخلوق عليه! 
وأكد فكري على أن الحرية الدينية تكمن في صميم أي مجتمع عادل وحر، وأن الحق في حرية الدين يشكل حجر الزاوية للديمقراطية، مشيرًا إلى أن حرية الضمير والاعتقاد تعتبر من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي صدقت عليها مصر، ومن ضمن هذه المواثيق نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18 والذي ينص على أن "لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق حريته في أن يدين بدين ما وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وفي أن يعبر منفردًا أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم. ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يُخل بحريته في أن يدين بدين ما أو بحريته في اعتناق أي دين أو مُعتقد يختاره...".
كما أوضح فكري إن السلطة السياسية قد غذّت كل التيارات اللاعقلانية لأن العقل يناهض السلطة، ويكشف اللا شرعية ويطالب بالحقوق وينادي بالحرية، وأن سيادة العقل ستؤدي إلى كشف كل ما هو زائف وفي هذا المعنى فأن مفهوم الحرية الدينية معدوم في البلدان الدينية لأن طقوسها لا تحمي سوى الطقوس التي تعجز السلطة أحيانًا حتى عن حمايتها.

كما طالب فكري بضرورة أن تكون الدولة مسئولة عن التأكيد على سيادة القانون بين مواطنيها وأن هذا القانون ينبغي أن يكون فوق الجميع وأن الدولة مسئولة عن التأكيد على حرية الاعتقاد بين مواطنيها. كما رأى فكري أن حرية الاعتقاد في رأي البعض هي طريق ذو اتجاه وأحد نحو دين واحد وعند حدوث العكس فلا بديل سوى القتل وإراقة الدم، في حين يجب أنة تكون حرية الاعتقاد في حقيقتها طريق ذو اتجاهين ولم تكن أبدًا طريقًا ذو اتجاه واحد وأنه من الواجب المطالبة بحقوق المواطن المصري وليس بحقوق طائفة واحدة فقط، وأنه حينما تتم المُطالبة بحقوق المواطن المصري حينئذ فقط ستكون حقوق الجميع مصانة، وهو شيء سهل متى خلصت النوايا وإن التأكيد على حق المواطنة في مصر بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو اللون أو العِرق هو السبيل الوحيد لوضع حد لأي فتنة دينية أو تدخل من أي جهات خارجية.
هذا وقد أكد  فكري على أن الإجابة الصادقة والأمينة على تساؤل: هل نريد دولة دينية أم مدنية؟ هو الذي سيحدد الصورة التي ستكون عليها مصر مستقبلاً. كما استنكر فكري ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من ازدراء للمسيحية وكذلك الكتب التي تهاجم المسيحية وتكفر المسيحيين والمقررات الدراسية التي تكفر كل ما هو غير مسلم، والفتاوى التي تكفر المسيحيين وتقيد بناء الكنائس.

وطالب فكري المجتمعات العربية بالتخلي عن نظرية المؤامرة التي باتت مسيطرة على العقلية العربية، مؤكدًا على احترام الغرب للإسلام بدليل عدم ممانعته ببناء المساجد والدعوة إلى الإسلام، مؤكدًا على أن الصدام الحادث الآن ليس بين الغرب والإسلام بل بين العالم كله والإرهاب الذي يرتدي ثوبًا دينيًا.
* أما حسن إسماعيل فقد أكد في هذا الكتاب على أن الطائفية ما هي إلا رد فعل طبيعي لغياب المواطنة وإن المادة الثانية من الدستور المصري تمثل أضلاع مثلث الدولة الدينية، حيث إن الكيان الاعتباري في مصر الذي يسمى الدولة أصبح له دين "الإسلام" ولغة "العربية" ومصدر "الشريعة الإسلامية".
ووجّه حسن سؤالاً للأكثرية المسلمة في مصر قال فيه: ماذا لو انعكس الحال وأصبحت الأكثرية بهائية أو مسيحية أكنّا نقبل أن يحكمنا دستور مصدره الرئيسي الشريعة المسيحية أو البهائية حتى ولو كانت شريعة تمتلئ بالمساواة والتسامح؟!
وقد استعرض حسن معاناة الأقلية البهائية والمسيحية في ظل دستور ديني، مؤكدًا على إن أئمة المسلمين وضاء المحكمتين الدستورية والدستورية العليا اعتبروا أنها ليست من الأديان السماوية المعترف بها ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتدًا، مستنكرًا المعاناة التي يلاقيها البهائيون في وطنهم بسبب معتقدهم البهائي من عدم التحرك بأمان وعدم قدرتهم من توثيق عقود الزواج وعدم استطاعتهم استخراج شهادات ميلاد لأبنائهم وحتى شهادات الوفاة أصبحت مشكلة!! وعدم التعامل مع البنوك وإدارات المرور وعدم الحصول على جوازات السفر وعدم القدرة على إثبات مواقف أبائهم من التجنيد، وعدم قدرتهم على إلحاق أبناؤهم بالمدارس والجامعات أو الحصول على وظيفة.

كما أشار حسن إلى قضية أسلمة الدولة للمسيحيين في ظل وجود مادة دينية بالدستور المصري وعدم وجود حالة واحدة من المسلمين الراغبين في اعتناق المسيحية "المتنصرين" استطاعت أن تغيّر عقيدتها الجديدة بالأوراق الرسمية بالدولة، مشيرًا إلى الملاحقات والمطاردات الأمنية للمتنصرين من قبل جهاز أمن الدولة.
هذا وقد أكد حسن على أن تطبيق المادة الثانية بالدستور المصري يحمل تبعيات ونتائج أقرها مجلس الشعب عام 1980 من أهمها إلزام المُشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية للبحث عن بغيته فيها مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، وإن لم يجد في الشريعة الإسلامية حكمًا صريحًا فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكن المُشرع من الوصول إلى الأحكام التي يريد في القانون بحيث لا تخالف الأصول والمبادئ العامة لشريعة الإسلامية.
وقال حسن: إن التناحر بين مواد الدستور المتمثلة في المواد الأولى والسادسة والأربعين والمادة الثانية من الدستور، فالمادة الثانية بحسب رأيه تتعارض مع المادة 46 والمادة 40، وهي السبب في غياب حالة المساواة بين الأغلبية المسلمة وجميع الأقليات الدينية الأخرى.
مؤكدًا على أن الدولة الدينية لا تحترم فيها الأقليات العقائدية ولا حرية الاعتقاد ولا المواثيق الدولية ولا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان حيث يأخذ التمييز والإقصاء والاضطهاد أشكالاً عدة في الكم والكيف إلى أن يصل إلى التمييز بين مذاهب الدين الواحد!!
كما استعرض حسن معاناة الأقلية المصرية الشيعية في مصر ورصد مطالب الشيعة على لسان محمد الدريني زمن أهمها نقل الملف الشيعي من يد الأمن إلى جهة سياسية وتدريس المذهب الجعفري الإثنى عشر بالأزهر، وتطهير الأزهر من فكر العنف والتطرف، وإصدار قرار جمهوري للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت أسوة بنقابة الأشراف.

كما تناول مطالب الأقلية المسيحية في مصر ومن أهمها تدريس الحقبة القبطية في المناهج الدراسية، وعمل تعداد دقيق للأقباط، وتمثيل الأقباط سياسيًا في المجالس المعينة والمنتخبة والمساواة في بث البرامج الدينية في وسائل الإعلام واستعادة أراضي الأوقاف المسيحية وانتقال ملف الأقباط من خانة الأمن إلى خانة المواطنة والدولة المدنية، وتجريم حملات الكراهية ضد  المسيحية في وسائل الإعلام.
واختتم حسن قوله بأنه لا إصلاح بلا مواطنة تعطي الأقليات العقائدية نفس حقوق الأكثرية وتلزمها بنفس الواجبات. أنه كتاب جدير بالقراءة رغم ضآلة عدد صفحاته، فهو بمثابة المختصر المفيد.
وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب قد قدم له د. القس إكرام لمعي، وتم إصداره عام 2007، والناشر هو منتدى حوار المصريين.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق