CET 00:00:00 - 20/09/2009

من الاخر

بقلم: أماني موسى
كانت لي زميلة بإحدى المراحل الدراسية تتسم بدرجة كبيرة من التميز الدراسي والبلاهة الاجتماعية، ولا يوجد هناك تناقض بين الصفتين، فالتميز الدراسي يعتمد فقط على مدى قدرة الطالب على الحفظ دون الحاجة لبقية المهارات العقلية الأخرى وبالتالي فالبلاهة الاجتماعية واردة جدًا، ولتذهب إلى المدارس لترى بنفسك.
إذ كانت تلك الزميلة تأتي مرتدية نظارة سوداء في الأيام التي تكون فيها قد أخلّت بإحدى الواجبات المدرسية أو غير مستعدة للإجابة على أسئلة المدرس داخل الفصل، وكنت أدهش من ذلك كثيرًا وحين أسألها عن سبب ارتدائها لتلك النظارة السوداء في بعض الأيام دون الأخرى كانت تجيبني بإجابة تحتاج لإجابة!!
فكان ردها منتهى البلاغة والفصاحة، إذ في اعتقادها أنها حين ترتدي النظارة السوداء لن يراها من حولها وأيضًا المدرس وبالتالي لن يسألها عن الواجبات وما إلى ذلك!!

كنت لا أعي الإجابة حين كنت صغيرة وعندما كبرت وجدت إن تلك الإجابة ليست دليل بلاهة اجتماعية أو تأخر عقلي، إذ أن هذا هو حالنا الآن.
فالمصري وشقيقه العربي دائمًا ما يرتدون تلك النظارة السوداء على اعتقاد منهم بأن العالم من حولهم لن يراهم وبالتالي لن يسألهم عن واجباتهم لكن في حقيقة الأمر أن جميع مَن حولهم يرونهم جيدًا وهم الذين أعموا عن رؤية من حولهم وتطوراتهم وكذا رؤية أنفسهم وتقييمها بشكل صحيح غير متعالي ومتعجرف مليء بالعنجهية.
فكثير من المصريين يرون أنهم أصحاب الحضارة الفرعونية العظيمة وأنهم أفضل شعوب العالم ودائمًا ما يتباهون بأمجاد الماضي ولم يعد لديهم من الحاضر أو المستقبل شيء وهذا جيد أن تفتخر الشعوب بحضاراتها وماضيها ولكن السيئ هو أن نتوقف عند هذا الماضي وأن تتوقف بنا عجلة الحياة والتطور ونلقي دومًا الاتهامات والإساءات على الشعوب المتقدمة من حولنا، أو بمعنى أدق نتهمهم بما فينا من مساوئ.
وكذا حال الأخ العربي الذي لا يختلف كثيرًا عن المصري، فهو يرى نفسه من خير أمة أخرجت للناس ومع ذلك لم يقدم للعالم أو لنفسه ما يفيد، بل نستطيع أن نقول العكس.

ودون تفسير وتوضيح بأمثلة يعرفها الجميع، أجد أننا لا زالنا نُصر على ارتداء نظارتنا السوداء التي اعتدنا ارتدائها فأصبحنا لا نرى مَن حولنا ونعتقد أنهم هم الذين لا يروننا، لا نرى التقدم والتطور الحادث من حولنا بل نسمع عنه فقط ولا نشارك فيه، نقف دومًا مكاننا محلك سر وتسير من حولنا الشعوب لركب التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي بينما نحن لا زلنا نرتدي نظارتنا السوداء مما أفقدنا الإحساس بالزمن والوقت وأصبح الوقت كله ظلام لا يشقه فجر ولا نرى نوره ولا نحاول حتى السير بجانبهم لنلحق بهم. 
باعتقادي أنه قد حان الوقت لنخلع عنّا نظارتنا السوداء لنرى الأشياء من حولنا بوضوح وكذلك نرى أنفسنا بوضوح ونعيد تقييم ذواتنا وحالنا الذي وصلنا إليه لنستطيع أن نحقق شيء وتعد تلك هي البداية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق