CET 12:30:19 - 26/05/2009

مساحة رأي

القس رفعت فكري سعيد

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما سيزور مصر في الرابع من يونيو وسيوجه خطاباً إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة وسيستمر الخطاب لمدة ساعة ولو كنت مكان أوباما لكنت سألقي خطاباً إلى العالم الإسلامي نصه كالتالي :-

"يسعدني أن ألتقي بكم اليوم لنفتح معاً صفحة جديدة مبنية على الاحترام المتبادل ولأعلن لكم أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست عدوة للعالم العربي كما يظن البعض , كما يسعدني أن أؤكد لكم أن قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ليس قيماً أمريكية أو غربية كما يروج البعض ولكنها قيم إنسانية راقية , أجمعت عليها شعوب العالم الراقي المتحضر, والولايات المتحدة الأمريكية عندما تتحدث عن هذه القيم لاتتحدث عنها من فراغ , ولكنها قيم ثابتة وراسخة في الذهنية الأمريكية ولعل أكبر دليل على هذا هو وصول رجل أسود مثلي إلى البيت الأبيض, فأنا الرئيس الرابع والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية , وأنا أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض , وهذه الخطوة التاريخية في تاريخ أمريكا تؤكد مدى احترام بلدي لقيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان أياً كان لونه أو دينه , فكلما ارتقت الشعوب في مدارج العظمة والتقدم كلما تجاوزت الانتماءات العنصرية الضيقة مثل الانتماء للدين أو الجنس أو اللون أو العقيدة أو اللغة , وكلما هوت الشعوب في مدارك الهوان والانحطاط كلما انحازت لهذه الانتماءات الضيقة , والشعب الأمريكي العظيم الذي انتخبني كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أثبت للعالم أجمع أنه من الشعوب الناضجة الراقية التي تجاوزت مدارك التخلف والانحطاط وارتقت فوق مدارج الرقي والتحضر .لقد كان فوزي حدثاً تاريخياً كونياً بكل المقاييس , وهو يعد بمثابة نقطة تحول في تاريخ البشرية , صحيح أن بعض الظروف خدمتني, ولكن كل هذا لا يمنع أن الشعب الأمريكي انتصر على عنصريته البغيضة,  فلقد ضرب الأمريكيون النموذج الأروع في الشجاعة والديمقراطية والتسامح واحترام حقوق الإنسان وقبول الآخر حيث نزعوا الثوب العنصري عنهم وانتخبوا أفرو-أمريكياً رئيساً لبلادهم , له جذور إسلامية حيث أنني ابن رجل كيني مسلم وقد انتُخبت رئيساً لبلد غالبيته – 87 %- من اللون الأبيض , ومعظم أفراده يدينون بالمسيحية, والحدث المهم فيما جرى ليس أنني أصبحت رئيساً للولايات المتحدة وإنما الأهم أن الشعب الأمريكي ذاته قد تغير بدرجة مدهشة واستطاع أن يتغلب على نفسه وأن يتجاوز مشاكله وأن يستوعب ما كان يرفضه من قبل وأن يهضم ماكانت معدته تلفظه منذ سنوات قليلة !!

وأنا هنا في القاهرة لا يمكنني أن أنسى نضال القس الأسود مارتن لوثر كينج الذي ولد في 15 /1/1929 وأُغتيل في 14 /4/1968 ذلك الرجل الذي كرس حياته للنضال من أجل استرداد  حقوق السود المسلوبة, فمنذ 46 سنة وبالتحديد في 28/8/1963 القى المناضل الكبير القس مارتن لوثر كينج خطابه السياسي الشهير ( عندي حُلم ) في واشنطن العاصمة  أمام حشد كبير من الأمريكيين ليعلن  أن حياة الزنجي ما زالت مشلولة بقيود العزلة , وأغلال التمييز , مازال الزنجي يعاني في أنحاء مجتمعه , ومازال يعتبر نفسه منفياً في أرضه, وأضاف كينج في خطابه إننا جئنا إلى عاصمة وطننا لنصرف الصك الذي ورثنا إياه بناة جمهوريتنا عبر الكلمات الرائعة للدستور وإعلان الاستقلال , كان الصك يتضمن وعداً بضمان الحقوق الراسخة في الحياة , حق الحرية والسعي للسعادة , ومن الواضح اليوم – والكلام لكينج – أن أمريكا قد قصرت في دفع هذا الصك المستحق بسبب نظرتها إلى ألوان مواطنيها وبدلاً من القيام بهذا الواجب المقدس أعطت مواطنيها الزنوج صكاً سيئاً كُتب عليه : الرصيد غير كاف لكننا رفضنا أن نصدق أن بنك العدالة مفلس .. وفي خطابه أكد كينج أن الوطن الأمريكي لن ينعم بالهدوء حتى يحصل الزنجي على كل حقوقه الوطنية وستستمر رياح الثورة في هز أسس الدولة حتى اليوم الذي تتحقق فيه العدالة للجميع , ورفض مارتن لوثر كينج استخدام أي أعمال عنف فقال " للحصول على حقوقنا المشروعة لا يجب أن نتورط في أعمال خاطئة , دعونا لا نحاول إرضاء عطشنا للحرية بالشرب من كأس القسوة والكراهية , لا يجب أن نسمح لاحتجاجنا الخلاق أن يتدهور إلى العنف الجسدي ... لدي حُلم أنه في يوم من الأيام ستنهض هذه الأمة لتعيش معنى عقيدتها الحقيقي , نؤمن بهذه الحقيقة أن كل الرجال خُلقوا متساوين .. لدي حُلم أنه في يوم من الأيام سيكون أبناء العبيد وأبناء مُلاك العبيد السابقين قادرين على الجلوس معاً على مائدة إخاء ... لدي حُلم أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون في يوم من الأيام في دولة لن تعاملهم بلون جلدهم لكن بمحتويات شخصياتهم .....بالإيمان سنُخرج من جبل اليأس نواة أمل .... بالإيمان سنحول التنافر في أمتنا إلى سيمفونية أخُوة جميلة .... ولتكن أمريكا أمة حقيقية .. ولتكون كذلك لندع الحرية تصدح".

أيها الأصدقاء العرب مما لا شك فيه أن وصولي لرئاسة أقوى بلد في العالم هو تحقيق للحلم الذي كان يحلم به كينج, ولا يمكن لكم أن تعرفوا قيمة دخول رجل أسود للبيت الأبيض قبل أن تعرفوا كيف كان البيض يعاملون السود , لقد كان السود يعانون منذ عدة قرون من ممارسات التفرقة العنصرية والجوع والعنف, وكان لا ينظر إليهم فقط كعبيد يفعلون ما يؤمرون إنما كأداة تُستغل أجسادهم وأرواحهم لخدمة السيد الأبيض وعلى الرغم من مرور حوالي قرن من الزمان منذ أن تحرر العبيد على يد إبراهام لنكولن إلا أنه لم يكن مسموحاً للزنوج بشراء ممتلكات خاصة , ولم يكن يُسمح لهم أن يتواجدوا في الأماكن التي يوجد فيها البيض , وقبل ستينيات القرن الماضي كانت المطاعم التي يرتادها البيض مكتوب على مداخلها " ممنوع الدخول للسود واليهود والكلاب " وكان سائقو الأتوبيسات يطالبون الزنوج بدفع أجرة الركوب عند الباب الأمامي ثم يأمرونهم بالهبوط ليركبوا من الباب الخلفي , وكان بعض السائقين يستغلون الفرصة ويقودون سياراتهم تاركين الركاب الزنوج واقفين , وكان على الزنجي أن يخلي مكانه في أتوبيسات النقل العام للأبيض , وها قد جاء اليوم الذي أكون فيه معكم لأوكد لكم إنني لم أقاتل فقط من أجل مقعد في الأوتوبيس ولا من أجل مكان في الجامعة وإنما من أجل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض وها قد وصلت إليه ليس اغتصاباً ولا بالقوة ولا بالعنف وإنما بكامل اختيار الناخبين الأمريكيين وهم في منتهى اليقظة !!!

أيها الأصدقاء لقد نضج المجتمع الأمريكي وتغير من تلقاء ذاته دون ضغوط خارجية, وفي نضجه احترم الانسان وتجاوز الانتماءات العنصرية المتعصبة ولم يعد منشغلاً بعقبات اللون أو الدين أو الجنس أو العرق أو اللغة كما تفعل بعض الشعوب الأخرى!!! 
وها قد نجحت التجربة الأمريكية في ترسيخ الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق الإنسان ولكي ننجح في أمريكا كان لابد لنا من الاعتراف بوجود المرض , فالإنكار لا يفيد , وكل محاولات اللف  والدوران والتعتيم على التمييز ضد أي أحد بسبب لونه أو دينه أو جنسه لن يفيد القضية في شئ, ولا سبيل للعلاج دون الإقرار بالمرض وبعيداً عن أخذ المسكنات المؤقتة.والأمر لم ينته عند حد الإقرار بوجود المرض بل كان من المحتم أن يوجد النضال السلمي غير المسلح لنصل إلى ما وصلنا إليه , وعلى الأقليات في كل مكان في العالم أن تدرك أن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح , فالأقليات مطالبة أن تناضل وتخاطب ضمير الأغلبية لتحقيق المساواة , وتشارك بإيجابية في صنع القرار في مجتمعها , كما ناضلت الأقلية الزنجية وخاطبت ضمير الأغلبية من البيض , وبدون النضال ستظل الأقليات مقهورة , فلا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً !! وأنا وإن كنت أتحدث عن النضال فلابد أن أؤكد أن العنف لا يمكن أن يحقق شيئاً, فلا بديل عن النضال السلمي اللاعنفي حتى لا تخسر الأقليات قوتها الأخلاقية , وأحداث التاريخ تؤكد أن النضال اللاعنفي الذي دعا إليه غاندي ومارتن لوثر كينج , وغيرهما , أتى بنتائج إيجابية وفعالة ومؤثرة.

أيها الأصدقاء في العالم العربي, أؤكد لكم بعد كل هذا أن النتائج لن تكون إيجابية بنسبة 100% , فسيظل هناك العنصريون , وسيبقى هناك المتعصبون , ولكنهم لن يكونوا الأغلبية, فأمريكا اليوم لا يزال بها عنصريون ومتعصبون, ولكن الأغلبية قد تحررت من عنصريتها, بدليل أنني لم أصل للبيت الأبيض بأصوات الزنوج فقط ولكنني حصلت على أصوات غالبية البيض أيضاً .
إن التغيير في ذهنية الشعوب يحتاج وقتاً وجهداً, ويكون أمر التغيير صعباً عندما يكون متعلقاً بالموروث الثقافي والموروث الديني , ولهذا فالتغيير في هذه المنطقة المهمة من العالم  قد يحتاج لعدة عقود , وقد لا يرى الجيل الحالي ثمار نضاله , ولكننا نأمل أن يقطف الحفدة ثمار النضال , ولذا لا داعي لليأس ولا للفشل , فتجربة بلدي الرائدة تؤكد أنه يمكن لأي أقلية مهما كان عددها أن تُحدث تأثيراً وتغييراً في أي مجتمع, فالزنوج في المجتمع الأمريكي لا يمثلون أكثر من 13% من مجموع الشعب الأمريكي ولكنهم على الرغم من ضآلة حجمهم لم يستسلموا ولم ييأسوا , ولكنهم ناضلوا وأقنعوا غالبية البيض بقضيتهم العادلة , فالعدد لا يهم لكن المهم هو ضرورة النضال دون كلل أو ملل.
وختاماً .. إن بلدي التي أشرف برئاستها ليست عنصرية كما يزعم البعض , لقد أعطى بلدي الحبيب أمريكا القدوة والمثال في نبذ التفرقة العنصرية والتمييز ضد الزنوج وتجاوز الانتماءات الضيقة , إنني أحلم وأتطلع أن تشهد المنطقة العربية مزيداً من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان فهل سيكون حُلمي صعب المنال ؟!!  

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٦ تعليق