بقلم: محمود الزهيري

الأمراض النفسية تشبه شجرة الهالوك , تعتمد في بقائها علي ماتستنفذه من قوة الغير , ومركبات النقص تقتل صاحبها بجدارة في ثبات وروية , فالمريض النفسى ذاته تصل به لحد التضخم , فلا يرى إلا ذاته , ولا يسمع إلا لنفسه , ولا يتكلم إلا عن صنائعه المتوهمة .
 

هناك أمراض العظمة , والتي تصيب أصحاب المناصب السيادية , والتي تجعل من المريض وكأنه إله أو نصف إله , وتنتابه مظاهر العجب بالنفس والخيلاء , ويستصغر في نظره من هم دونه في المرتبة الوظيفية , وهذا ماشاهدناه في معظم حالات من تقلدوا المناصب السياسية أو الإدارية , وخاصة المناصب المتعلقة بالأجهزة الأمنية , والإستخباراتية , فتجد لهم سمت المرضى النفسيين , وصفات الطغاة المتجبرين .
 

إلا أنني إستوقفني مشهد لم أعتاده في مصر أو في أي دولة من الدول العربية إلا من باب الندرة الأخلاقية , والشرف العقلي , والكرامة الإنسانية , فقد إستوقفني عقلياً , وعاطفياً , مشهد الدكتور عصام شرف , وهو الأستاذ الجامعي الرائع , ورئيس الوزراء البطل , حينما أحضر مسرعاً لسيدة من الفلاحات المصريات البسيطات , حذائها أمامها , بعد أن خلعته أمام باب مكتبه , وطلب منها في تواضع أخلاقي رفيع أن تلبس حذائها , فما كان من السيدة المصرية إلا أن إنهمرت في البكاء من رد الفعل الأخلاقي للدكتور عصام شرف , وذلك أمام كافة الحضور من الموجودين معها من الفلاحين , وكذلك الموظفين بمكتبه .
 

وكذلك موقفه مع بائع فول كان يبيع الفول والسندوتشات علي عربة بسيطة كان يقف بها أمام مسكنه , قبل تولي منصب وزير النقل , وحينما تقلد المنصب , غادر الرجل المكان , فما كان من الرجل الإنسان عصام شرف , إلا أن بحث عنه وأعاده إلي حيث كان يقف بعربة الفول أمام منزله .
 

هذه المواقف الإنسانية بنبلها , ونبل مسعاها , وغاياتها الإنسانية الرفيعة , تستثير في النفس مشاهد التجبر والغطرسة لمشاهد من العصر الخسيس بوضاعة ودناءة من تقلدوا مناصب سياسية , أو سيادية , وخاصة المناصب الأمنية أو المخابراتية , وهذا ماتبدي من مظاهر عديدة لتلك المركبات النفسية المصنوعة بوضاعة وخسة ونذالة أصحاب تلك الأمراض التي يظنوا بها أنهم فوق البشر , وأعلي منهم شأناً وقيمة ومقداراً , وهم للخسة والوضاعة والنذالة أقرب , فتبدت غالبية الجرائم من منتوجات تلك الأمراض متمثلة في الإستبداد السياسى الذي أنتج الطغيان , ومعه تم إنتاج كل منتوجات الفساد المطلق .
 

ونحن أيها الشريف بـ أخلاقك السامية , والنبيل بأفعالك البطلة النبية , ننحني لنبلك , فهذا نبل لنا , ونستشرف سمو أخلاقك عسانا أن نتماس معها , فهذا مانريده للمصريين , لكي نسمو بمصر الوطن , والمواطن .