د.عبدالخالق حسين
منذ أكثر من عام ينتابني شعور بالعزوف عن الكتابة، ولحسن الحظ ،تقابله رغبة شديدة للقراءة.
 
ولكن بين حين وآخر تصلني كتابات مستفِزة تخرجني من صمتي لأن في هذه الحالة، الساكت عن الحق شيطان أخرس. ومن هذه الكتابات رسالة وصلتني عبر بريدي الإلكتروني، بعنوان: (رسالة موجهة الى المرجع آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله). والمفارقة أن كاتب الرسالة هو الصديق الدكتور فخري مشكور، رغم اختلافنا في المواقف السياسية والفكرية، فهو إسلامي منحاز إلى إيران، وأنا علماني ديمقراطي منحاز إلى العراق، وضد التدخلات الإيرانية. لذا أرجو أن يسع صدره لرأيي الصريح في نقد رسالته أو مقالته المشار إليها أعلاه. 
 
فالرسالة طويلة ومملة ومستفزة، رغم أنها محبوكة حبكاً جيداً، إلى حد أني أعتقد أنها ليست من شخص واحد، وبمبادرة منه، بل كُتِبت من قبل عدة أشخاص وربما لجنة متخصصة لهذا النوع من الأغراض، وبأوامر من جهة إيرانية عليا مثل الولي الفقيه الإيراني السيد علي خامنئي، يطلب طوق النجاة من آية الله السيستاني بعد أن ورط شعبه في مستنقع لا يعرف كيف يخرج منه، ويريد جر العراق والمرجعية الشيعية معه إلى هذا المأزق. 
 
تقع المقالة أو الرسالة في 6 صفحات (2462 كلمة بالتمام والكمال). وقد بحثتُ عنها في غوغل فلم أجدها على أي موقع إلا على حسابه في الفيسبوك. وبعد قراءتي لها بصبر أيوب، استنتجت أن أقل ما يقال عنها أنها من نوع (قول حق يراد به باطل)، متلبساً بثياب الدين والمذهب.
 
 كعادة الإسلاميين، تبدأ الرسالة بالبسملة، تليها الآية: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". وهي حافلة بالتوسل والمديح تارة، والتحريض والغمز واللمز تارة أخرى، بل وحتى الابتزاز مثل قوله: "..وقبلها قالت السفارة الامريكية في العراق: "ان السيد السيستاني هو صمام امان للعراق والمنطقة"، لدفع المرجع الديني الشيعي الأكبر لإصدار فتوى الجهاد ضد ما يسميه (..التحالف المكوّن من "أهل الصليب" الذين استعمروا العالم الاسلامي قرناً او قرنين، و"أهل النجمة" الذين يرون انفسهم شعب الله المختار...).
 
ثم يُعرب الكاتب عن حزنه وألمه لما يحصل في العراق على يد (تحالف الصليب و النجمة) كما يدعي، فيقول: "يفضي بالضرورة الى انكشاف الساحة الاسلامية أمام اعداء الأمة، وهذا ما ظهر جليّاً في العراق في انتشار الفساد المالي والإداري والفساد الاخلاقي والظلم الاجتماعي وانتشار الالحاد وشيوع المنكرات حتى ارتفع علَم اللواط والسحاق في عاصمة العراق، واستبيحت بلاد الرافدين والشام ودول الخليج وشمال افريقيا من قبل الأعداء الكافرين بقواعد عسكرية تنتهك سيادتها وتسلب ثروتها وترتهن قرارها السياسي وتسحق استقلالها." انتهى الاقتباس
 
لا بد وأن يرى الكاتب أن العلاج الناجع الوحيد لهذه "المنكرات" هو الحكم الإسلامي على غرار حكم ولاية الفقيه الإيراني. بينما العديد من الدراسات من بينها مذكرة رفعها عمدة طهران قبل أكثر من عشر سنوات ذكر فيها أن عدد المومسات بلغ في طهران العاصمة وحدها نحو 30 ألف مومس. إضافة إلى أرقام مرعبة عن المدمنين على المخدرات، ناهيك عن أعلى نسبة الإلحاد حيث بلغ نحو 30% وهي أعلى نسبة في العالم. 
والجدير بالذكر إن مصدر تفشي المخدرات في العراق الجديد هو إيران، كما نقرأ على الدوام تقارير عن إلقاء القبض على مهربين ومعهم كميات من المخدرات عبر الحدود العراقية الإيرانية.
 
كذلك نشرت صحيفة Asia Time on line  تقريراً موسعاً بتاريخ 2/2/2009 بعنوان: (الجنس والمخدرات والإسلام في إيران)، فيه فقرة نقلاً عن Der Standard النمساوية جاء فيها: هناك مؤشران جديران بالذكر عن الروح المعنوية في إيران: الأول، أصبحت الدعارة مهنة مفضلة لدى النساء الإيرانيات المتعلمات حسب نتائج تقريرين أجرتهما شرطة طهران وقمعهما الإعلام الإيراني. أفاد التقرير أن "أكثر من 90٪ من بائعات الهوى في طهران قد اجتزن امتحان القبول في الجامعات، وأكثر من 30٪ منهن طالبات جامعيات.(1)
وكذلك ندرج أدناه فيديو نشاهد فيه (ايرانيات يتظاهرن عرايا رفضا للحكم الدينى– الاسلامى)( 2)
 
ولتأكيد التدهور الاجتماعي والأخلاقي، وموقف الشعب الإيراني من الدين، أقتبس فقرة من مقالة المفكر التونسي الراحل العفيف الأخضر جاء فيها:
((...تركت غالبية المؤمنين خاصة في المدن شعائر الإسلام. الجامع الذي كان يصلى فيه، في عهد الشاه، بين 3 و5 آلاف مصل لم يعد يصلي فيه إلا 15 صلاة الصبح، و25 صلاة الظهر.
 
ولأول مرة عرفت إيران ظاهرة الجوامع والمساجد الفارغة من المصلين. سنة 2000 كشف نائب رئيس بلدية طهران، حجة الإسلام علي زم، في تقرير البلدية السنوي أن 75% من الشعب و 86% من الطلبة تركوا الصلاة. رداً على هذا الترك الجماعي لـ"عماد الدين"، رصدت الجمهورية الإسلامية شهر أكتوبر من كل عام للحث على الصلاة. وفي ختام ولايته، اعترف الرئيس خاتمي للسفير الألماني بأن نسبة من يصومون رمضان هي 2% فقط ، وكانت في عهد الشاه أكثر من 80%. في مارس الماضي، أجرت المستشرقة الفرنسية، مارتين غوزلان، تحقيقاً عن الثورة الإسلامية نشرته الأسبوعية الفرنسية "ماريان" عنوانه الفرعي "30 عاماً من الثورة الإسلامية: 30% من الملحدين"! النسبة هائلة في مجتمع إسلامي شبه تقليدي خاصة، إذا علمنا أن 25% فقط من الأوربيين يقولون أنهم لا دين لهم و6% فقط يقولون أنهم "ملحدون مقتنعون". ألا يحق لرئيس "اتحاد الملحدين بفرنسا" أن يصرخ مبتهجاً: "مرحباً بالثورة الإسلامية حتى في فرنسا" حيث نسبة الملحدين أقل بكثير منها في الجمهورية الإسلامية!))(3)
 
والسؤال هنا: ما دور تحالف الصليب والنجمة في كل ما حصل من هذه التحولات الاجتماعية الكارثية، وموقف الشعب الإيراني من الدين؟ بالتأكيد لا دور إطلاقاً، وإنما الأسباب هي داخلية بحتة ، ولكنه مرض (نظرية المؤامرة) المزمن لدى الشعوب العربية والإسلامية في تعليق غسيلهم القذر على شماعة الآخرين، وفي هذه الحالة على ما يسميه الكاتب: تحالف الصليب والنجمة!!
***
وفي الفقرتين الأخيرتين من رسالته، يطالب الأخ الكاتب، المرجع السيد السيستاني متوسلاً: 
 
مولانا الأجلّ:
(نصرة المسلمين واضحة الوجوب، والكلمة والبيان والموقف من المرجعية قويّ التأثير، والسكوت اقرار ضمني بالموافقة في العرف الدولي والاقليمي، والملايين من المظلومين والمضطهدين من  ضحايا الحروب العسكرية و الاقتصادية لتحالف الصليب و النجمة ضد ايران والعراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين يستفيدون من كلمة أو بيان منكم – إن لم نقل فتوى...الخ). ويضيف: (ولا يُشترط فيه وقوع الأذى من الكافرين على المسلمين، لأن مناط الحكم هو خضوع المسلم للكافر، وهو عنوان أوّلي مستقل أفتى بموجبه أساطين حوزة النجف الاشرف بالجهاد ضد الانكليز الذين احتلوا العراق بعد الحرب العالمية الثانية [يقصد الحرب العالمية الأولى]، بالرغم من تفاوت القوة بين بريطانيا العظمى ومرجعية النجف الصغيرة.) انتهى.
 
أقول أنه من حسن حظ الشعب العراقي، وخاصة الشيعة، أنه على رأس المرجعية الشيعية هذه المرة رجل حكيم لا تهزه التصرفات الغوغائية الشعبوية والديماغوجية والصبيانية. فليست السفارة الأمريكية وحدها التي وصفت الإمام السيستاني بصمام الأمان للشعب العراقي، بل كل الشعب العراقي، والعالم وصفه بصمام الأمان للجميع. فقد حاول كثيرون، ومنهم بعثيون طائفيون تظاهروا بأنهم شيعة، مدعين بالحرص على الدين والمذهب والوطنية العراقية، فحاولوا تحريض المرجع الأكبر لإصدار فتوى الجهاد ضد التحالف الدولي والقوات الأمريكية بالذات، كما فعل "أساطين حوزة النجف الاشرف بالجهاد ضد الانكليز الذين احتلوا العراق بعد الحرب العالمية الأولى"، ولكن الإمام السيستاني صب على رؤوسهم الماء البارد، ورفض تكرار ما حصل من أخطاء فادحة التي ارتكبها أسلافه في الحوزة في الحرب العالمية الأولى عندما أفتوا بشن حرب الجهاد ضد المحتل البريطاني دفاعاً عن الدولة العثمانية التي كانت تضطهد الشيعة، وتعاملهم كمشركين وكفار. يعني كانوا يدافعون عن جلاديهم. أليس هذا مرض المازوخية؟ 
بينما القيادات السنية ورغم أنهم كانوا في علاقة جيدة مع السلطة العثمانية، إلا إنهم كانوا أكثر حكمة وحنكة سياسية، فانضموا إلى المحتل الجديد، الإنكليزي، الذي أطلقوا عليه "أبو ناجي" ضد سفينة الدولة العثمانية المتخلفة الغارقة إلى غير رجعة. 
 
لقد أثبت التاريخ أن فتاوى أساطين حوزة النجف الأشرف بالجهاد ضد الانكليز كان خطأً تاريخياً فادحاً، لأنها جلبت الكوارث على شيعة العراق حيث عزلتهم عن الدولة العراقية الوليدة في عام 1921 لثمانين سنة، وجعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية، يُعاملون كتبعية إيرانية في وطنهم. كما أخذتْ الحوزة موقف العداء من الدولة الفتية في كل إجراء، وحتى لو كان هذا الإجراء مصيرياً وفيه مصلحة لأبناء الطائفة مثل المشاركة في السلطة، والمناصب، والتوظيف، وفتح المدارس ..الخ. لقد أصدروا فتوى تلو فتوى ضد الدولة الفتية، ضد التجنيد، وضد التوظيف، وضد الترشح للبرلمان، وضد المشاركة في الانتخابات البرلمانية، بل وحتى ضد إرسال أبنائهم إلى المدارس للتعلم، بحجة أن هذه المدارس تعلمهم الكفر مثل قولهم أن المطر من البخار!!! (4)
 
والآن تتصاعد نفس النغمة النشاز في مطالبة السيد السيستاني بإصدار فتوى الجهاد لإخراج آخر جندي أمريكي من العراق. والسؤال هو: لخدمة من؟ ومن هو المتضرر، ومن المستفيد من هذه الفتوى؟ الجواب واضح لكل إنسان عاقل إلا من كان في قلبه مرض. فالقوات الدولية، ومن بينها الأمريكية المتواجدة في العراق هي ليست محتلة، بل جاءت بدعوة من الحكومة العراقية لمساعدتها في محاربة الإرهاب البعثي-الداعشي. فالمستفيد من إخراج هذه القوات هو النظام الإيراني، وفلول البعث الداعشي. والمتضرر الأكبر هو الشعب العراقي، لأن بإخراج هذه القوات سيحصل ما حصل عام 2014 حيث احتلت عصابات (داعش) ثلث مساحة العراق، وقائمة الكوارث طويلة ومعروفة. 
 
فعصابات داعش مازالت تواصل نشاطاتها التخريبية يومياً، وآخرها، لحد كتابة هذه السطور، تفجير بئرين نفطيين في كركوك. لذلك فالعراق يحتاج إلى الدعم الدولي بقيادة أمريكا. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الإصرار على دعم وتكريس وتصعيد السيطرة الايرانية على العراق الجديد؟(5 و 6)، ألا تنطبق عليهم الآية الكريمة: (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)؟ نعم، إنهم يخربون وطنهم في سبيل إيران. والله لقد أسأتم لسمعة الشيعة، وأنزلتم أشد الكوارث على الشعب العراقي بكل مكوناته، وبالأخص الشيعة منهم الذين تدعون أنكم تدافعون عنهم، بل انتم بجهلكم بعتم أنفسكم للولي الفقيه الإيراني. فكما تفيد الحكمة: يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه.