بقلم - د. أمجد خيري
قدم عالم الطب النفسي الشهر "سيجموند فرويد" أبسط تعريف للصحة النفسية ألا وهو القدرة على الحب والعمل.... أي أن الإنسان لكي يتمتع بقدر معقول من الصحة النفسية لابد أن يتوفر له معيارين أساسين:-
(1) المعيار الأول: هو قدرة الإنسان على العمل حتى يستطيع أن يحصل على رزقه من ناحية ومن ناحية أخرى يستطيع أن يخرج كل طاقاته وإبداعاته الكامنة ومن ثم يشعر بالتقدير الذاتي لنفسه إلى جانب تقدير الآخرين له وباستمرار العمل والكفاح نحو هدف معين يصل الإنسان إلى تحقيق الذات وهذا هو أعلى درجة في الاحتياجات النفسية.
(2) المعيار الثاني: هو قدرة الإنسان أن يقيم علاقة حميمة مع شريك حياة يشاركه أفراحه وأحزانه ويلبي احتياجاته الغريزية والعاطفية على السواء.
وبتطبيق هذين المعيارين على معظم الشباب حالياً نستطيع ببساطة أن نتعرف على الصحة النفسية لهؤلاء الشباب ومقدار الألم والمعاناة التي يشعر بها الشباب من الجنسين وبالأخص من الفتيـات.
فمن جهة العمل فمصر من الدول التي بها أعلى معدلات من البطالة ونسبة كبيرة جداً ممن يعملون لا تكفي أجورهم أقل احتياجاتهم في الحياة من مسكن وملبس ومأكل ومشرب وخلافه... أما من جهة الحب وهو المعيار الثاني فهو –للأسف– مرتبط ارتباطاً كبيراً جداً بالمعيار الأول فكيف يقوم إنسان لا يعمل أو يعمل وليس لديه القدرة على الأنفاق (فتح بيت كما نسميها في مصر).

كيف يقدم على الارتباط والزواج والإنجاب إذا كان هو أصلاً لا يستطيع أن يعول نفسه.. بمعنى أن الحب والارتباط –رسمياً– أصبح حكراً على فئة قليلة جداً من المجتمع –أما غالبية المجتمع فليس لديه هذه القدرة.... لدرجة انه ظهر جروب على الفيس بوك يسأل: أليس للفقراء حق في الحب مثلما هو حق متاح للأغنياء والقادرين؟ أعضاء هذا الجروب (المجموعة) قاموا بتوجيه نداءات عاجلة إلى أطباء مصر النفسيين تطالبهم بعمل بحث علمي دقيق عن علاقة الكبت الجنسي الموجود في منطقة الشرق الأوسط بالعنف والإرهاب المتزايد في هذه المنطقة.... كما وجهوا نداءات إلى نواب الشعب بالبرلمان عن ضرورة إجراء إحصائية علمية دقيقة عن معدلات الأمراض النفسية من العصاب والذهان الناشئة بالأساس عن الكبت الجنسي الناتج عن زيادة معدلات العنوسة وزيادة نسبة المصريين الواقعين تحت خط الفقر وخلاف الجروب الموجود على الفيس بوك... يعرض حالياً في إحدى المحطات الفضائيـة مسلسل اسمه حارة العوانس ورغم أنه مسلسل كوميدي به كم ليس بقليل من الضحك إلا أن اسم المسلسل نفسه قاسي جداً بالنسبة للفتيات.... ورغم أن كلمة العنوسة تنطبق على الذكور والإناث من الناحية اللغوية إلا أنه عملياً ترتبط أكثر بالإناث والحق يقال أن الآلام النفسية التي تعانيها الفتيات غير المتزوجات أكبر بكثير جداً مما يعانيه الرجال... فنحن في مجتمع شرقي يسمح بحرية كبيرة جداً للرجل ويمنعها على المرأة.
فالشباب العاطلين وغير المتزوجين لديهم حرية أكبر في الحركة والخروج والتسكع في الشوارع والجلوس على المقاهي ونوادي النت أكثر بكثير جداً من الفتيات ولذلك فأن أعراض الاكتئاب تصيب الفتيات أكثر من الشباب لعدم وجود منفذ لهم يمكنهم من إخراج طاقاتهم وإبداعاتهم ورغبتهم الصادقة في التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم العاطفية والنفسية... وفي ظل هذه الظروف القاسية فأن الحل الوحيد للخروج من حالة الإحباط والضغوط هذه هي في ضرورة انخراط الشباب بجنسيه في أي عمل يخرج طاقاتهم –حتى لو بالمجان أو بأجر زهيد– مثل العمل المهني المتمثل في الجمعيات الأهلية أو جمعيات حقوق الإنسان أو خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة... الخ.

المهم هو خروج الإنسان من التقوقع والتشرنق داخل نفسه إلى المجتمع والعمل فيه فكلما خرج الإنسان من ذاته ومن التفكير الدائم فيها خرج إلى الآخرين وانفتح عليهم كلما ساعد هذا في تحسين حالته النفسية.
ولكن هذا ليس حلاً مطلقاً أو نهائياً وإنما هو مجرد حل مؤقت لحين الوصول إلى الحل الصحيح الذي لا حل سواه ألا وهو الحب والارتباط بشريك حياة مناسب وفي نفس الوقت العمل بمهنة شريفة توفر قوت الإنسان وتخرج طاقاته وإبداعاته.